فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: ونحن نعيش لحظات الشرارة الأولى لانتفاضة القدس كما أسماها البعض أو هبة القدس كما أطلق عليها آخرون أو الحراك الشبابي كما أراد البعض، وبعيدا عن المسميات والتسميات التي يبررها كل من وجهة نظره، فإن انتفاضة القدس جاءت وانطلقت تحلق بأجنحتها في سماء الوطن الفلسطيني بأكمله، لم تقتصر المقاومة على طرف وبلد دون آخر، ولا حتى فصيل بعينه، فكل قدم ما استطاع.
مهم أن ندعي ونثبت التاريخ ونوقف عقارب الساعة عند الأول من تشرين أول/أكتوبر 2015 لنؤكد أنها انتفاضة القدس وأن تأريخها للأجيال القادمة من هذه اللحظة، مهم أيضا أن عملية بيت فوريك (ايتمار) شرق نابلس التي أودت بحياة مستوطن وزوجته كانت شرارتها.
لكن الأهم أن ندرك أننا لم نعرف حتى الآن فيما إذا كنا أنهينا انتفاضة الأقصى أصلا حتى نقول: إننا دخلنا بانتفاضة جديدة انتفاضة القدس أو غيرها، الأهم أن نعي نحن وأن نُنبّه العالم أننا نطلق هذه المسميات فقط كفواصل للتذكير، لا للتأريخ، فالتاريخ في قمعنا وقتلنا وإزهاق أرواحنا على أهون الأسباب، والاستيلاء على أرضنا وسرقتها عيانا لا يتوقف، وعجلة الاحتلال الإسرائيلي ماضية فيه.
نموت نحن، كل يوم ألف مرة، فمن تخطاه رصاص الجنود المدججين بالأسلحة لم تتجاوزه عتبات السجون والمحاكم الظالمة، وإن من نفذ من الأمرين لم يسلم من حواجز الإذلال، إننا باختصار نعيش تحت احتلال..
الأهم في انتفاضات الفلسطينيين أنها ليست ردات فعل كما يحب الكثير من المحللين والسياسيين وصفها، إنها انتفاضة مدروسة ومخطط لها، وجملة من الاحتقانات التي يفرغها الفلسطينيون دفعة واحدة، مقاومتهم للاحتلال لم تنقطع يوما ولكن أخذت استراحات، وللمحارب نصيب من الاستراحة..!
تاريخيا يحكم عامل الزمن ثورات الفلسطينيين ضد المحتل، أي كان هذا المحتل، فهي ثورات عشرية إن أمكن القول تحدث كل عشر سنوات أو أقل أو أكثر بقليل ولكنها مستمرة، بدء من ثورة البراق عام 1929 وثورة القسام عام 1936 واللجوء وما سبقه عام 48 والعدوان الثلاثي 56 وما رافقه من نضال فلسطيني واحتلال الضفة الغربية عام 67 والانتفاضة عام 1972 التي يجهلها الكثيرون، ومظاهرات 76 و82 والانتفاضة الأولى عام 1987 وأحداث القبر ومجزرة قانا عام 1996 وانتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) عام 2000 وحروب غزة 208-2009 و2012 و2014 وانتهاء بانتفاضة القدس.
عجلة الثورة الفلسطينية والنضال لم تتوقف يوما، لكن الأهم في انتفاضة القدس هو الشباب والأجيال "المتفرخة" حديثا والتي من المؤكد أن جلهم لم يدرك انتفاضة الأقصى بتفاصيلها، والشباب بطبيعة الحال كانوا محيرين لنا في حياتهم كما في تصرفاتهم ومقاومتهم.
لم يتوقع أحد أن يخوض الشباب زمام النضال، حاول البعض من فصائل بائسة تبينهم وإسقاط أجندات عليهم إلا أنهم لم ينجحوا، فقرار الشباب "حامي" ودمهم أحمر قاني وثورتهم ممتدة، ولذا كانت عملياتهم فردية، حيرت "إسرائيل" وقلبت معادلتها الأمنية لدرجة وصل بدولة الاحتلال لتقول عن نفسها إنها عظيمة أن تخاف من منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتلاحقها وتحسب حسابها.
جاء الشباب بعكس المعادلة وألغى وإلى الأبد تقولات المحتل ومعتقداته بأن هذا الجيل ينسى طلاقا بائنا بينونة كبرى، التقوقع الذي يعيش بداخله، وكان الرد في الثأر لعائلة دوابشة جليا وواضحا ونفذت عملية بيت فوريك (ايتمار)..
صحيح أن انتفاضة القدس لم تمتد فترة طويلة بشكل متواصل، لأسباب عدة أهمها غياب التبني الحقيقي لهؤلاء الشباب ودعمهم بعيدا عن الحزبية والفصائلية والملاحقات الأمنية إلا أنه لا يمكن تجاهلها أو طيّها أو إسقاطها من سجلات النضال الفلسطيني.