الخليل - خاص قدس الإخبارية: يساهم العنب الخليلي ب12% من الانتاج المحلي الزراعي في فلسطين، وتقدر مساحة الأراضي المزروعة بالعنب حوالي 80 ألف دونم، منها 45 ألف دونم في الخليل وحدها، وتقدر نسبة الإنتاج السنوية ب 80 ألف طن، مما يعني أن الكثير من العائلات تعتمد بشكل كلي أو جزئي على هذا المحصول.
ويشكل عنب الخليل فاكهة طيبة المذاق، بل قوتا للخليلي على وجه الخصوص وللفلسطيني على وجه العموم طوال العام، حيث يصنع منه منتجات غذائية متعددة يتم تناولها طوال العام، أهمها الدبس والشدة والعنبية والملبن والخبيصة والزبيب والمهلبية، إضافة إلى كونه منتوجا مجديا في دخله على الأسر الفلسطينية.
ويمتاز العنب الخليلي بحلاوته وجماله حيث تبلغ نسبة السكر فيه 30%، وتقوم عشرات العائلات بتحويل العنب إلى عصير يتم طهيه بطريقة محكمة الإعداد للوصول إلى شراب الدبس، الذي تتزين به موائدهم خلال فصل الشتاء، كما يتم صناعة الشدة والمهلبية منه أيضا.
"شبكة قدس الاخبارية" زارت إحدى العائلات الخليلية في شمال المحافظة للوقوف على طريقة صناعة الدبس، التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، حيث تسود أجوائه وطقوسه في كل عام مثل هذا الوقت، بطريقة يتخللها العديد من المراحل اللازمة لإنتاجه.
فالحاجة السبعينية ام حسن، تقوم بصناعة الدبس كل عام، تروي لمراسلنا: "قديما كنا نقوم بغسل العنب ووضعه في كيس مصنوع من الخيش، ويضاف عليه نوع من أنواع الأتربة يسمى "حوّر" لاهميته في تكرير الدبس لاحقا، ثم يوضع في حوض مصنوع في الصخور أكثر ارتفاعا من الحوض الملاصق له، ليتم انسياب مياه العنب إلى الحوض الآخر بسهولة، ويتم الضغط عليه باليدين بقوة، ومن ثم يوضع حجارة عليه لتصفية ما تبقى منه".
وتتابع ام حسن، " بعد أن يتم انسياب مياه العنب التي تسمى عصير في الحفرة الأخرى، يتم تعليق ما بقي من العنب المدعوك قدر الإمكان بكيس الخيش على شجرة مرتفعة، ويوضع تحته وعاء من أجل تصفيته، لتنتهي المرحلة الأولى من صناعة الدبس، وهي فصل المياه عن اللب، كما أن المرحلة الأولى متشابهة مع الطريقة الحديثة في عصر وتصفية العنب نوعا ما".
ويقول الحاج أبو فهمي لمراسلنا: "تسبب الزحف العمراني على حساب الأراضي الجبلية باختفاء الأحواض المصنوعة في الصخور، مما دفعني لصناعة حوض مرتفع الأرجل ليتم الضغط على العنب لينساب إلى الإناء الموجود في أسفله، ووجدته أكثر جدوى من الأساليب المتبعة حديثا وأكثر سرعة في الإنتاج، مثل الخلاط الكهربائي أو العنب الموضوع بالطناجر والمصافي".
من جانبها تستكمل الحاجة أم العبد شرح طريقة الوصول للدبس: "يتم وضع العصير في وعاء معدني كبير يسمى "الدست" بعد تصفيته بالحطات والمصافي، وتسمى هذه العملية "الزلزلة"، ثم يوضع على النار المشتعلة بكميات كبيرة من الحطب، للوصول إلى مرحلة تسمى "السلق"، تستغرق من الوقت تقريبا 4 ساعات".
وتتابع الحاجة أم العبد، "في اليوم التالي يتم زلزلة الدبس المسلوق مرة أخرى، من أجل التخلص مرة أخرى من الترسبات الناتجة عن الحور، وعملية التكرار تهدف للتخلص من الشوائب التي تظهر على شكل مادة تسمى "قوشة"، يتم إزالتها إن ظهرت بمصفاة، يتعرض خلالها الطاهي للدبس لحرارة النار القوية بسبب قربه المباشر من الدست".
وتأخد أم حسن ركنا آخر من اركان الحديث عن طريقة الوصول للدبس فتقول: "بعد الانتهاء من الزلزلة مرتين، عن طريق استخدام صهريج نظيف، تبدأ مرحلة الطهي التي تستمر ربما عشر ساعات أو أكثر، تتم من خلال وضع الدست على منصب مصنوع من الحديد، يتم وضع الحطب أسفله".
وتروي أم حسن لمراسلنا عن طهي الدبس بالقول: "يتوجب الموازاة بين كمية الحطب الموضوعة، حتى لا يفور الدبس من الدست ويتم إهدار كميات منه أو حرقه، فيستدعي الحذر ويتطلب المراقبة الدائمة، بالإضافة إلى إزالة "القوشة" وهي مادة طبيعية ناتجة عن بعض الشوائب التي يفرزها الدبس".
وعن كيفية معرفة إن كان الدبس جاهزا للأكل، تقول الحاجة أم موسى، لمراسلنا "يجب أن تكون كثافته عالية، ويمكن فحصه من خلال وضع كمية قليلة منه قدر الفنجان في صينية مصنوعة من مادة التوتيا، يتم عمل خطوط بعد أن يبرد الدبس فيها قليلا، إذا لم يلتقي الخطان فهذا مؤشر على أنه جاهز، ويمكن ملاحظته بالعين ومن خلال الطعم أيضا".
انقضت أكثر من 36 ساعة متقطعة بعض الوقت من مرحلة الغسيل للوصول لمرحلة "التشريع"، والتشريع هي المرحلة الأخيرة في عمر العنب المحول لدبس، وهي عملية خلط الدبس ببعضه عن طريق إناء يوضع به كمية من الدبس وصبها من أعلى الدست، لتبريده وجعل لونه يميل للشقار.
ومن أهم الفوائد الصحية للدبس علاج فقر الدم ومد الجسم بالسعرات الحرارية ومده بالحرارة بفصل الشتاء، ويحتوي على كمية عالية من الكالسيوم، كما يفضل أكله بعض الناس مع طحينية وخبز، ويتراوح سعر الكيوغرام الواحد من الدبس حوالي 8 دولارات، نتيجة ارتفاع سعر العنب والطريقة المتعبة والمنهكة في إنتاجه.