شبكة قدس الإخبارية

23 عاما من عمر "أوسلو"... ما الذي تغير؟

ساري جرادات

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: صادف 13 أيلول الماضي "ذكرى" توقيع  اتفاق أوسلو بين الجانبين الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993في العاصمة الأمريكية واشنطن، إلا أنها اكتسبت اسم العاصمة النرويجية لأنها المكان الذي جرت فيه المفاوضات السرية التي سبقت توقيع الاتفاق، ومنذ تلك اللحظة والقيادة الفلسطينية بكافة مكوناتها  تدور في فلك الحديث عن هذا الاتفاق والخيرات التي عاد بها على الأرض والإنسان الفلسطيني، وآثاره على القضية الفلسطينية.

تضاعف الاستيطان من 140 ألف وحدة استيطانية إلى 280 ألف في أول سبع سنوات على مرور اوسلو، واستولى كيان الاحتلال على حوالي 78% من أراض فلسطين، وأصبحت القدس ذو صبغة ديمغرافية يهودية، وتصدت السلطة الفلسطينية للمخاطر التي تهدد أمن كيان الاحتلال، وتعهدت بعدم ملاحقة عملاء "إسرائيل" من الفلسطينيين، ودعوةِ الفلسطينيين والعرب إلى تطبيع علاقاتهم معها.

وبعد توقيع الاتفاق صدم أعضاء الوفدِ الفلسطيني المفاوضِ في واشنطن، وطلب الدكتور الراحل حيدر عبد الشافي (استقال من الوفد المفاوض) من البرفيسور الأمريكي (فرانسيس بويل) المستشار القانوني للوفدِ الفلسطيني المفاوضِ في واشنطن تقييم الاتفاق فقال “إنه نفس إعلان المبادئ الذي رفضناه في واشنطن، لأنه حكم ذاتي محدود للسكان ولا سلطة فيه على الأرض”.

"شبكة قدس الاخبارية" تحدثت إلى قادة في فصائل العمل الوطني والاسلامي الفلسطينية وكتاب وأدباء ومحللين سياسيين، وأوردت بعض التعقيبات السابقة لقيادات وأدباء فلسطينيين على الاتفاق، ليقف الفلسطيني على تقييمهم لهذا الاتفاق ومستقبله وجوانبه المختلفة بعد 23 سنة من توقيعه.

أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح قال: "لم يعد هناك اتفاق اوسلو اليوم، إسرائيل أفشلت الاتفاقية ومزقتها ولم تنفذ ما تم الاتفاق عليه، حيث من المفترض أن يتم الحل الانتقالي بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاقية، لكنها اعادت احتلال الضفة في عام 2000، وفرضت قوانين جديدة على الأرض".

يتابع، "إسرائيل تحاول وتعمل على تخويف وحشر السلطة في الزاوية، ولكنها ستفشل في سياستها المتمثلة بالضغط على القيادة الفلسطينية، وأن الاتصال المباشر بالشعب لا يوفر لها السلام والأمان، كونه يأتي فقط من خلال منظمة التحرير الفلسطينية وفق المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية".

سامي ابو زهري الناطق الاعلامي باسم حركة حماس عقب على الاتفاق بالقول: "النتائج كارثية وأدت إلى إضعاف وتراجع مشروع المقاومة، ودفعت السلطة ثمنا باهظا من خلال الاعتراف بشرعية الاحتلال على معظم أراضي 48، وانحصرت مطالب السلطة بعد الاتفاق بغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية".

وأضاف، "أدى التوقيع على الاتفاق إلى انقسام بين الفلسطينيين بين مؤيد ومعارض له، كما وفرت الاتفاقية غطاء لجرائم الاحتلال المتمثلة ببناء جدار الفصل العنصري وزيادة الاستيطان والتهويد وأسرلة القدس، وسبيل الخروج من كارثة اوسلو يتطلب التوافق على استراتيجية وبرنامج وطني للمزاوجة بين الحل السياسي والمقاومة على أساس الوحدة الوطنية".

من جانبه قال الشيخ طه القطناني القيادي في حركة الجهاد الإسلامي لمراسلنا: "اوسلو نتاج محاولة غربية لتخفيف ضغط المطالب الشعبية الفلسطينية بالحرية والاستقلال، وهي صيغة براغماتية للخروج من ضغط الشعور بالذنب الذي يعانيه الغرب تجاه الفلسطينيين، كون الدول الغربية لا يمكن أن تعطي حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وفق القرارات الدولية".

وأضاف الشيخ قطناني، "لم يكن لدى قيادة المنظمة من خيار سوى القبول باوسلو، لأنه وسيلتها لتعود للواجهة بعد اجتياح الكويت، واوسلو أسوأ اتفاق بين محتل ومحتله، كونها تقوم على خطاب رئيس وزراء الاحتلال السابق "شامير فلتستمر المفاوضات 20 سنة" بمعنى الحياة مفاوضات، وكشفت هشاشة كل القوى الفلسطينية وتشوقها للحكم وعلى حساب مبادئها".

وأشار الشيخ طه القطناني إلى قوة الاحتلال وعمله على تغيير الوقائع كل لحظة، ومن حسنات اوسلو على حد تعبيره "فهي تجربة للفلسطيني أن يمارس الحكم بنفسه على نفسه فوق أرضه، ونقلت عددا كبيرا من المقاتلين الفدائيين للارض المحتلة، وأعطتنا تجربة بأن النضال من الداخل أقوى الوسائل لو خلصت النوايا.

وفي ذات السياق قال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدران جابر لشبكة قدس "اوسلو كارثة عمت وشملت الأرض والإنسان ومستقبل الشعب الفلسطيني، والقيادة التي أبرمت الاتفاق الذي أدى إلى هلاك المفاهيم الوطنية التحررية وفقدان المستقبل، وباتت حقوقنا الوطنية وثوابتنا ربما مهددة بالهلاك".

من جانبه قال البروفسور الفلسطيني المفكر والمحلل السياسي عبد الستار قاسم: "إنها مزيد من الورطات والتدهور للقضية، ولم تقدم لشعبنا سوى مزيدا من الهموم والمسبات، ولكن الإعلام المحلي لا يجرؤ على قول إن قيادة اوسلو هي من أوصلت الشعب لهدا المنحنى الخطير من التنازلات والتردي للاوضاع بشتى أشكالها".

وأضاف قاسم، "أوسلو أساس الانقسامات، كون الاقتتال الداخلي بين طرفي الانقسام الفلسطيني مبني عليها، لأنها وقعت على شروط تؤدي حتما للاقتتال الداخلي ومن وقع على الاتفاق وقع على جر الشعب الفلسطيني لبحر من الدماء والأزمات، الأمر الذي أدى لربط الفلسطيني اقتصاديا بالاحتلال ويحاول طمس ثقافته وهويته الوطنية".

وحول بديل اوسلو أوضح قاسم، "يجب الخروج من إطار اتفاق أوسلو وكل مكوناته، سواء الاتفاق الأمني المتمثل بالتنسيق الأمني مع الاحتلال أو الاتفاق الاقتصادي المتمثل باتفاقية باريس، أو كل ما كبل الشعب الفلسطيني من أجل استمرار مقاومته، والتأكيد على الوحدة وإنهاء الانقسام، وتوحيد كل طاقات الشعب في معركة الحرية والاستقلال والعودة والتشبث بالحقوق الوطنية ".

من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات: "لم يكن اوسلو المشؤوم سوى تعبير عن هزيمة فلسطينية وعربية واختلال كبير في ميزان القوى، ونتاج تسرع البعض في الساحة الفلسطينية لاستثمار سياسي متسرع أيضاً لمنجزات إنتفاضة الحجارة، وفككت المشروع والقضية والحقوق الوطنية الفلسطينية".

وأضاف، "قسمت الأرض والشعب جغرافياً ومجتمعياً ووطنياً، وأجلت قضايا القدس والأسرى واللاجئين التي ندفع ثمنها حتى الآن، فالقدس تتعرض لعملية تهويد وأسرلة غير مسبوقتين، فسياسة التطهير العرقي والتهجير القسري بحق المقدسيين مستمرة، والأسرى من الداخل الفلسطيني 48 وأسرى القدس الذين تخلى عنهم المفاوض الفلسطيني طواعية، فالعشرات منهم دخلوا موسوعة "غيينس" للأرقام القياسية".

القيادي في جبهة التحرير العربية هاشم الفروخ قال لمراسلنا: "أوسلو خلطت المفاهيم ببعضها، وهي مشروع تصفوي تم رفضه مند بدايته عند أصحاب الفكر الناضج، واختلف مفهوم النضال بفعل اوسلو لدى الناس، حتى الطفل والطالب باتوا لا يجيدون تعريف الاحتلال بفعل السياسية والأجندات التي فرضتها اوسلو على الفلسطينيين".

وصف عمر كتمتو سفير منظمة التحرير في النرويج سابقا اتفاق اوسلو بعد توقيعه بتصريح سابق، "كانت النرويج بلداً صهيونياً بامتياز، بدليل أن عدد أعضاء البرلمان 157، منهم 87 أعضاء في جمعية أصدقاء إسرائيل، النرويج كانت أصعب دولة لاستقبال الفلسطينيين".

وهكذا كانت ردة فعلِ المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد الذي قال: "إن منظمة التحرير الفلسطينية حولت نفسها من حركة تحرر وطني، إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، إنه وهن قيادة منظمة التحرير مقابل دهاء إسرائيل".

ورأى الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية أن الاتفاق "كان أكبر فكرة عبقرية في تاريخ "إسرائيل"، لأنه ضمن استمرار الاحتلال دون أن تدفع إسرائيل تكاليفه المالية والأخلاقية نتيجة احتلالها العسكري، وألقت بها فوق كاهل مقاولين من أبناء ذات الجلدة، بعد أن وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على شروطِ الاحتلال التي سبقت تبادل (رسائل الاعتراف المتبادل)، والداعية إلى انخراطِ المنظّمة ومن بعدها السلطة في منظومة الدفاعِ عن إسرائيل".

بعد عقود من المصافحة الشهيرة بين الرئيس الراحل ياسر عرفات و"إسحاق رابين" في البيت الأبيض بواشنطن خلال عهد الرئيس بيل كلينتون، ظلت تطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية بعيدة المنال، وفشلت مفاوضات الوضع النهائي بين القادة الفلسطينيين والإسرائيليين مراراً وتكراراً، وتتهم القيادة الفلسطينية "إسرائيل" بعدم إعطائها الفرصة لبناء دولة، حتى وإن كانت دولة غير متصلة جغرافيا.

حرم الفلسطينيون من حقهم بإقامة دولة مستقلة لهم، ومع مواصلة مماطلة "إسرائيل" في المفاوضات، يلجأ الفلسطينيون إلى المحاكم الدولية لمساعدتهم، وفي المقابل، تواصل "إسرائيل" بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية، ضاربة بعرض الحائط كل التنازلات التي قدمها القادة الفلسطينيون أثناء مفاوضات أوسلو، وبالرغم من انتهاء مدتها، ما زالت معاهدات أوسلو ترسم مستقبل الشعب الفلسطيني حتى يومنا الحاضر

وفي المقابل، تسعى "إسرائيل" لمصادرة أراضي الضفة الغربية المحتلة بكاملها، دون أي اعتبار لأحد، حيث بلغ عـدد الفلسطينيين المقدر فـي العالم حوالي 11.8 مليون فلسطيني، 4.5 مليون فـي فلسطين، وحوالي 1.4 مليون فلسطيني في أراضي 48، وما يقارب 5.2 مليون في الدول العربية ونحو 665 ألف في الدول الأجنبية.