شبكة قدس الإخبارية

فلسطيني ... الفرح لا يليق بك

أحمد البيقاوي

أنا إنسانٌ عادي، شاء القدر أن أكون فلسطينياً، في قلبي مكان للفرح مثل ما فيه مكان للألم، إستمتاعي وشعوري بالفرح لرؤية فلسطيني يغني بصوت جميل للحب والأمل والحياة وفلسطين، لا ينفي ولا يقلّلُ من إرتباطي وإحساسي بقضايا شعبي التي غَلب عليها الألم والحزن، ورقصي بالأمس على صوت محمد العساف وهو يغني بصوته الجميل لفلسطين ومدنها، لا ينفي إنتصارنا لقضية الأسرى على الإطلاق، على سبيل المثال.

صورة الفلسطيني التي يدافع عنها البعض، ويهاجم كلّ من يخرج عنها، لا يشوهها العساف بغنائه ولا فرحنا به، بل يشوهها من يستهجن عليه وعلينا ذلك، ويضرّها من يُصرُّ على تصوير الفلسطيني بحامل معاناة ومآسي الحياة الدنيا، ومن يحرص على وصفه في الكتابات والروايات والأفلام بالإنسان الجاد الرزين الراكز، أو ذاك الحزين الضحية، أو العاطل عن العمل الذي لا يحلم إلا بالهجرة، أو ذاك البائس الذي وضع حداً لحياته وقام بعملية “إنتحارية”، أو المقاوم الأسمر، صاحب الصوت الغليظ، والعضلات المشدودة اللازمة للضغط الزناد، دون المرور على معالم الفرح في حياته، أو حتى وصف ابتسامته، دون ذكر عادية أغلب يومياته، ويظنون بذلك أنهم يحافظون على شراسة الأجيال الفلسطينية، وخشونتها المطلوبة لمقاومة الاحتلال وتجاوز الازمات، ويعتقدون أيضاً أنّ علينا الإلتزام بإطار هذه الصورة لكسب تعاطف العالم وتضامنه.

[video ]http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=O-a3zagLXIY[/video]

أنا لست ذاك الشخص، وتلك الصورة لا تشبهني، ولا تشبه الكثير منا، أنا لست ذاك الفلسطيني الذي أقنع نفسه بأننا خلقنا لهموم هذه الدنيا ومآسيها، ولم يبقى في روحنا مكانٌ للفرح، لن أخدع نفسي، ولست ممثلاً بارعاً لأمثل ذلك، فنحن أناسٌ عاديون، مثلنا مثل كل شعوب الأرض، فذاك ابن شهيدٍ وصّاه أبوه بالزواج فتزوج وأنجب وأعطى ابنه اسم جده الشهيد، وتلك أم شهيد فرحت لزواج ابنتها، وفي السجن أسيرٌ صار جَداً وراح يقدم الحلوى لزملائه، وهناك محامية تدافع عن الأسرى وتقضي إجازتها في رحلة استجمام، وذاك رسام يرسم الفتيات الجميلات ووجوه الشهداء، وهذا شابٌ مرحٌ يحب المزاح قبل أن يكون ناشطاً شبابياً، وتلك صحفية تغرق يومياً في أخبار اللاجئين وذلك لم يمنعها من سرد النكت لزميلتها، وهذا حقوقي يقضي نهاره بتوثيق اعتداءات الاحتلال وينهي يومه بالتسكع مع رفيق دربه، وهناك إمام مسجد يخطب الجمعة داعيا للمقاومة ويشارك الناس أعراسها، وهذا مقاوم نحيل وقصير القامة يحب الغناء والإنشاد أثناء حراسته للحدود، وفي أحد مخيمات اللاجئين لاجئٌ تخرّج من الجامعة واحتفل أصدقاؤه بنجاحه، وآخر رُزق بطفلة فسماها أمل.

165 كل هؤلاء لديهم من الفرح مثل ما لديهم من الأحزان، ويستغلون أو حتى يصطنعون لحظات الفرح ليغمروا روحهم بالأمل اللازم لمقاومة كل ما ينغص عليهم حياتهم، مثلهم مثل الثائر الليبي الذي استمتع بالعزف على الجيتار على أزيز الرصاص، ومثلهم مثل أصحاب الشهيد جيكا في مصر الذين احتفلوا بعيد ميلاد صديقهم الشهيد، ومثلهم مثل ثوار سوريا الذين غلبت المواويل والأغاني والدبكات على مظاهراتهم، فكفانا ظلماً لأنفسنا، وكفانا ابتذالاً.