لن تنقذني الكلمات.. حين رأت عيناي مشهد العزة الذي نسَجتْه أيامُ الخواء والصبر على الجوع؛ وسمعتُ كلمات قطعةِ قلبكِ "محمد البلبول" لكِ يا حنون؛ يا من لم تتداركْ نفسها وتمزّق صوتُها بالبكاء.
وجدتُ نفسي أغرقُ في دموعٍ لم أسمح لها خلال ٩٤ يوماً أن تزورني.. وجدتُ نفسي أصارع مقلتاي كي توقفا نزفَ الألم على حال الطبيب المسجّى في غرفة القهر وشقيقه المأسور في رداء الوجع ينتظران موجةَ الحرية كي تبلل شواطئ نفسيهما.
عادت بي الذاكرة إلى الرابع من شباط حين صدر قرار تجميد الإداري في محاولة لإرغام زوجي محمد على كسر إضرابه؛ يومها رأيناه في مقاطع مصورة غارقاً في جسد هزيل؛ وسمعنا صوته المهترئ من عذابات الجوع؛ وتلمسنا جرحه الغائر.
ولكنني لم أبكِ وقتها ولم أشعر حتى برغبة البكاء.. واليوم تزورني هذه الدموع الحرّى حارقةً موجعة.. ربما كنا ندفع ضريبة الصبر حينها ونشارك محمداً في معركته متسلحين بعزائمنا كذلك أمام سجان ينتظر كبوتنا، ربما كنا نخجل من البكاء أمام جسدٍ يصارع دولة الغيلان.
كنا فعلا أقفلنا على مشاعرنا الأبوابَ وخضنا الغمار لأننا الجائعون للحرية؛ لمن يُشبعها في نفوسنا التواقة.. لله دركِ أم محمد؛ يا كلَ الحكاية؛ يا نافذةَ الوطن المشيَّعِ للبقاء وأنتِ الآن تغوصين في الأفكار المتسارعة كما غصنا يوما؛ تعانقين لمحةً من أمل ثم تصفعكِ سهامُ القلق؛ تتمنين لو تعطيهما قطعةً من روحكِ.
مهما طرقتْ ذهني التخيلاتُ لن أعلم بحالكِ وأنت الأم التي أمدت عمريهما من عمرها والتصقت حواسُها بأنفاسهما حد الارتواء.. حد الارتواء يا عظيمة الصبر؛ يا فسحة الأمل لهما ولنا.