أمس وأول أمس مرت على الشعب الفلسطيني بشكل عام وعلى مدينة نابلس بشكل خاص أحداث دموية ومريرة حيث قتل من أبناء الأمن الوطني شابين، وكان الرد بقتل شاب أخر متهم بالمشاركة في قتلهما وهذا في تقديري ليس بداية فلتان أمني لأنه موجود منذ فترة لا يستطيع لأحد أن ينكر ذلك، ولكنه أيضاً نتيجة طبيعية للجهل في التعاطي مع الوقائع القائمة وضرورة فهم متطلبات العمل على تخفيف شدة الاحتقان مراعاةً لحالة الإستقطابات القائمة في ظل مرحلة حساسة تمر على الشعب الفلسطيني.
أصل الحكاية هي احتكاكات وصراعات بين مجموعات ذات قوة ونفوذ وتملك المال ، كل واحدة منها تنتمي لمسؤول أو قائد فلسطيني يرغب كل واحد منهم أن يسجل لنفسه وجود على الأرض حفاظا على مصالحه ونفوذه، كثقافة همجية موروثة جربت في عدة مواقع وعدة دول وكانت مدمرة.
أيضاً يبدو بأنه كان لتوجيهات الرئيس محمود عباس التي أعطى من خلالها الضوء الأخضر سواء عن قصد أو غير قصد لإطلاق النار على كل من يترشح خارج قوائم الشرعية كما يحلو لفريق الرئيس عباس أن يسميها، أثر سلبي، وذلك في ظل الانقسام الفتحاوي والإستقطابات القائمة !، وبالتالي أصبح هناك حالة من الغليان لم تكن ضرورية أطلقت العنان لعنتريات محتقنة، دفعت أصحابها ليضعوا أياديهم على الزناد لتكون الرصاصات جاهزة للانطلاق في الصدور أو الرؤوس في حالة الخلاف مع الأخوة وأبناء الشعب الواحد، وهذا ما حصل ظناً منهم بجهل أنهم يطيعوا أوامر القائد الذي لربما كان يمازحهم أو يداعب عواطفهم أو لربما كان يثير نعراتهم.
بعد ذلك حصلت اشتباكات في نابلس بحجة أن هناك مسلحين خارجين عن القانون ويجب ملاحقتهم واعتقالهم فكانت النتيجة مقتل شابين من الأمن الوطني ، وفي نفس الليلة واليوم التالي تم حشد قوات أمنية بأعداد كبيرة وفي حالة غضب شديد لاعتقال المسؤولين عن تلك الجريمة ، وبعد اعتقال أحد الشباب من المتورطين في ذلك الأمر تم إعدامه وكأنه القصاص الفوري بدون محاكمة ولا خضوع للقانون وبالتالي بدأ الغليان يزداد أكثر وأكثر والأيام القادمة لا تبشر بالخير، إن لم يتم تحكيم العقل أكثر وأكثر.
وقبل التحدث عن رأينا في هذا الأمر نذكر بأن الثورات العربية قامت نتيجة عدم الاستماع لصوت العقل من قبل الطرفين المتمثلين في الشعوب والحكام، فكانت النتيجة المزيد من الضغوط على الشعوب والمكابرة في التعاطي مع تطلعاتها بطريقة عادلة من قبل الحكام!، مما أدى إلى دماء غزيرة لأبرياء سالت ، وبلاد دمرت وثقافات اندثرت وحكام أصبحوا مشردين ومهجرين ومعتقلين ومقتولين بطريقة بشعة.
لذلك لا أجد في طريقة التعاطي مع هذه الأحداث الدموية من قبل الحكومة والشرطة وبعض القيادات الفلسطينية طريقة مسؤولة تحمل معاني الحكمة والحرص على الوطن لا بل هناك اندفاع وإصرار نحو المزيد من القمع والتحدي والمضي قدماً في طريق الصدام وكأن النزاع هو بين فرق متناحرة وليس أبناء شعب واحد يعيشون جميعاً في وطن تحت الاحتلال ولكنه وطن حزين ويتيم لأنه لا زال مقسم.
لذلك راودتني لحظات تأمل لفترة تولي رئيس الحكومة الحالي د. رامي الحمد الله الذي تكررت في عهده وفي الفترة الأخيرة بالذات صدامات عنترية كادت أن تلهب الشارع بشكل دموي ومنها إضراب المعلمين وأحداث طولكرم واليوم أحداث نابلس التي لا بد من التوقف عندها والبحث في أسبابها وغيرها من أحداث لربما تشتعل في أي لحظة نتيجة الغضب الكامن في الصدور وعدم توفر الحكمة في التعاطي مع مسبباته والعمل على احتوائه.
في تقديري أيضاً أن الطريقة التي عبر عنها محافظ نابلس أكرم الرجوب الذي فصل من وظيفته خلال الفترة الماضية، وقام حينها بالتعبير عن امتعاضه من ذلك القرار بالتهديد والوعيد للقيادة الفلسطينية ومن ثم تم إعادته لمنصبه مرة أخرى، والذي تحدث عن عبر صفحته على مواقع التواص الاجتماعي عن الأحداث المؤسفة التي حدثت في مدينة نابلس وذلك بطريقة لم تكن موفقة، لأنها تدل على ثقافة عدوانية لا تليق برجل في مكانة اعتبارية من المفروض أنه يتحمل مسؤولية حماية المواطنين ومطلوب منه إطفاء النيران لا سكب البنزين عليها لزيادة اشتعالها.
أيضاً لاحظنا وبشكل مفاجئ ظهور زكريا الزبيدي المعروف في مدينة جنين بأن له مجموعة تؤتمر بأمره ، ومحاولة استقطابه وإرضائه من خلال منحه درجة مدير عام في هيئة الأسرى والمحررين بعد مرحلة تهميشه وإهانته واعتقاله، مما يوحي بأن الصراع دخل مرحلة تحدي صعبة وبدأت الأطراف المتخاصمة تحشد رجالاتهم كل بطريقته ليتم استخدامهم في مواجهة تحديات المرحلة القادمة التي يبدو بأنها لن تطول وستكون حاسمة سواء تمت الانتخابات البلدية أو تم التراجع عنها خوفاً من نتائجها.
مما سبق لا يمكن إغفال حقيقة عجز الرئيس محمود عباس عن المسك بزمام الأمور لاتخاذ مبادرة توافقية وتصالحية لأنه هو الوحيد المسؤول عن هذه الدماء التي سالت ولابد له من الوقف عن إثارة النعرات، واتخاذ مواقف مسؤولة وعاقلة تليق بمكانة الأب والكبير، يتم فيها إعادة النظر والحسابات جيداً بهدف فتح مظلة جامعة تحفظ مصالح الجميع والأهم من ذلك تحفظ المصلحة الوطنية بعيداً عن الإقصاء والقمع، لأن الذهاب في طريق الصدام هو انتحار ومكابرة لن تخدم مصلحة أحد والنتيجة ستكون مأساوية.