شبكة قدس الإخبارية

بالفيديو | كيف ستمضي السنوات يا معاوية؟

شذى حمّاد

القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: "مش فاهم" يقول معاوية مبتسما لمحاميه في جلسة المحكمة، باحثا عن تفسير للكلمات الكبيرة المفاجئة التي تدور حوله، ثم يختفي مجددا وراء الطاولة، متلاشيا بين اثنين من الحراس اللذين يحاولان إحكام حصاره خوفا من تسلل ابتسامة أخرى من الطفل لوالدته.

يقدم رأسه قليلا للأمام، لعله يستطيع تخطي هذا الحاجز البشري، يلقي نظرة على والدته التي لتوها أدارت رأسها بعد أن فشلت عيناها في ملاقاة عينيه.

"ما في خيار ثاني .. ما في أقل من 6 سنين؟"، يسأل معاوية مصدوما محاميه الذي وبكل قواه العقلية سأله إن كان موافقا على هذا الحكم، فيجيبه: "ولكني توقعت أكثر شيء ثلاث سنوات .. أنا لم أفعل شيئا يستحق هذا الحكم".

13819715_656789797811201_272047283_n

فشلت محاولات معاوية (14 عاما) اليائسة لانتزاع حكم أقل، وأصدرت محكمة الاحتلال حكمها بتاريخ 17/تموز، بأن يبقى معاوية قيد الاعتقال لست سنوات ونصف، فيما ستبدأ عائلته بالبحث عن حل لدفع الغرامة المالية التي فرضت عليه، والتي قيمتها (26 ألف شيقل).

"حكم ظالم وجائر لا أرضى به بحق طفلي، إلا أن الاحتلال لا يرحم طفلا ولا قلب أُم معذب ... حتى المؤسسات الحقوقية تقول هذا هو القانون وتسلم به"، تقول والدة معاوية.

13735379_656786914478156_378474662_n

في يوم الثلاثاء 10/تشرين ثاني/2015، اعتقلت قوات الاحتلال معاوية وابن عمه علي علقم (12 عاما) بعد محاولتهما طعن عنصر الأمن في القطار الإسرائيلي السريع وسط مدينة القدس المحتلة، وقد أطلق عناصر الأمن الرصاص على علي فأصيب بجروح وصفت بأنها خطيرة، فيما تم التنكيل بمعاوية وتجريده من ملابسه، ثم نقل إلى تحقيق قاسٍ ومنه إلى السجن.

13816781_656789727811208_1108598698_n

"سمعتُ عن عملية طعن داخل القطار القريب من منزلنا، الذي اعتاد معاوية أن يصعد به، فاتصلت على مدرسته أطلب أن ينتظرني معاوية لأمر وأخذه ... لأفاجأ بأن معاوية لم يذهب إلى المدرسة".

تسعة شهور مضت، ولم يعد معاوية لغرفته بعد. يبدأ رمضان وينقضي ثم يمر عيد الفطر في غيابه، ليكون أول عيد له بعيدا عن عائلته، ويكون على أمه أن تختزل كل حبها وشوقها لطفلها ولهفتها عليه في لقاء يتيم خلال كل أسبوعين، يستمر ما بين نصف ساعة و45 دقيقة، ويفصل بين الطرفين زجاج مقوى.

13816930_656788597811321_74677275_n

تقول أم معاوية: "زرته قبل العيد بيوم واحد، وأخذت له معي ملابس العيد التي رفضوا إدخالها، وأعدتها معي للمنزل ... من يستطيع تخيل مقدار هذا الألم؟". تنهار باكية مرة أخرى، ثم تتابع، "حاولت كثيرا، إلا أنهم كانوا قاسين جدا ورفضوا إدخالها لمعاوية".

معاوية آخر العنقود، الطفل المدلل في البيت، والبسمة التي يحرص على دوامها كل أفراد العائلة، توضح والدته أنها تتألم كثيرا عليه يوم المحكمة، إذ كان جنود الاحتلال يجرونه مقيدا من يديه وقدميه، وحوله أربعة جنود يمنعونه من النظر لأهله.

لا ملابس في السجن تناسب قياس معاوية صاحب الحجم الصغير، حيث بلغ وزنه 25 كغم عند اعتقاله، وفي المحكمة لا يرفع القاضي عينيه وينظر لمعاوية، أما المترجمة فلا تكف مسح دموعها من خلف عدسات نظارتها خلال جلسة محاكمته.

13816889_656788601144654_1320198916_n

"لا أعلم كيف ستكون صحة معاوية بعد ست سنوات من الآن في ظل ظروف السجن القاسية والاعتداء عليه بشكل مستمر"، تقول والدة معاوية، مشيرة لإصابته بانحراف في إحدى عينيه بعد تعرضه للضرب على رأسه خلال نقله إلى المحكمة.

معاوية وفي إحدى جلسات محاكمته وقف أمام القاضي رافعا قميصه الكبير، كاشفا عن آثار الضرب التي تعرض لها على يد ما تسمى بقوات "النحشون" المسؤولة عن نقل الأسرى بين السجون والمحاكم.

وبعد أربعة شهور من الاعتقال في سجن "هشارون"، نقل معاوية إلى سجن "مجدو"، دون أن يسمح لعائلته حتى الآن بإدخال الملابس له، تقول أمه: "يشتكي معاوية كثيرا حرمانه إدخال الملابس، كما كان يشعر بالبرد الشديد خلال فصل الشتاء ونقصان الأغطية .. إلا أنه يحرص دائما ألا يحدثنا بتفاصيل ما مر ويمر به".

معاوية هادئ، دائم الابتسامة، يحب اللعب، لكنه إلى جانب ذلك مجتهد ومتفوق في دراسته، تضيف والدته، "لا طعم للحياة دونه، لا أشعر بفرح، ففي كل لحظة أتذكر طفلي ... كل يوم يكون أصعب من الآخر .. حتى الآن أجريت ثلاث عمليات من حزني عليه".

13814439_656788621144652_2131790033_n

ولطالما حلُم معاوية بأن يكون مهندس اتصالات، كما اهتم دائما بتفكيك وتركيب كل جهاز يقع تحت يديه، "كان يقول لي دائما أنه يريد اختراع أداة اتصالات جديدة ... وعندما كنت أقنعه أن يصبح طبيبا كشقيقه كان يقول لي أنه لا يحب هذه المهنة، فهو يخاف من الإبر".

وتعد كرة القدم لعبة معاوية المفضلة، إذ كان يقضي بها الساعات، كما بدأ بارتياد ناد قريب بهدف التدرب وتنمية مهاراته، "معاوية يحب اللاعب ميسي، وقد اشترى ملابس رياضية تحمل رقمه واسمه".

في السجن، لا يلعب معاوية إلا ساعة واحدة، هذا إن حصل على دور على طاولة التنس، فيما يحرم من الكتب والدراسة "حاولت إدخال كتب الصف العاشر له، إلا أنهم رفضوا إدخالها وأعادوها مرتين، وأخبرني معاوية أنه أخد دروسا في اللغة العبرية والرياضات في السجن".

ولا تزال والدة معاوية غير قادرة على تخيل كيف ستمر السنوات الست دون معاوية، وكيف ستستقبله بعدها وهو شاب في العشرين من العمر، تقول: "معاوية هو الحياة، هو الاكسجين الذي أتنفسه والآن مخنوقة دونه ... ولا أدري كيف ستمضي هذه السنوات".