رام الله- خاص قُدس الإخبارية: "نحن نستطيع نيل النجاح كما الفرح، مهما حاول الاحتلال تنغيص حياتنا وحرماننا، وهذا هو التحدي الذي تربينا عليه ونعيشه" تقول ندى ابنة الشهيد عادل عوض الله، إحدى أوائل محافظة رام الله والبيرة بعد حصولها على نتبجة ٩٩٪ في نتائج امتحانات الثانوية العامة هذا العام.
بجانب صورة والدها الشهيد، جلست ندى تستقبل ضيوفها المهنئين، لتعوض غياب والدها بصورة ملونة بالأبيض الأسود، فلا صور تجمعهما كما لا لحظات، فهي ولدت بعد شهر من استشهاده عام ١٩٩٨.
"الاحتلال غيّب والدي عن كل حدث وكل فرحة، فحياتينا كانت دائما ناقصة، رغم أني ولدت بعد استشهاده، إلا أنني دائما أشعر بالاشتياق له"، تقول ندى التي بذلت جهدها للوصول إلى التفوق والتميز كما كان يطمح والدها الشهيد أن يرى أبناءه يحملون راية العلم.
أمام صور والدها المعلّقة على جدران المنزل، تقف ندى تخاطبه، "بابا أتمنى أن تكون فخورا بي الآن، فأنا أعرف تمامًا أنك ضحيت بالعيش معنا، لأجل أن يعيش أطفال آخرين مع آبائهم".
بينما تقاطع جدّتها خطابها مهاهية "هااا وارفعي راسك لاتبالي .. هااا ولو وراكي ١٠٠ خيالي، هااا وراك مؤمن وسربته ... هااا بهدو الجبل ولو كان عالي" والزغرودة تعلو على باب المنزل لحفيدتها ندى التي نقل لها شقيقها مؤمن خبر نجاحها وتفوقها بدلًا عن والدها الشهيد
يقول شقيقها الأكبر مؤمن الذي عاد حاملًا الحلوى متباهيًا بنجاحها "كان يجب أن ينقل والدي الخبر وهو من يبشر ندى به، إلا أن الاحتلال حرمنا منه كما يحرم الكثير من العائلات الفلسطينية"
أمام والدة ندى، فكانت تدور حول نفسها، تركض بين زوايا المنزل، مرة ترد على الاتصالات التي لا تتوقف، ومرة تستقبل ضيوفها، "توقعت تميز ندى لمتابعتها دروسها بشكل يومي ومكثف، فكان هدفها التفوق وسعت له بكل جد، رغم أنها كانت تتعب نفسيا إلا أننا كنا دائما حولها، نشجعها وندعمها".
الأمل الذي لا يغادر
من منزل ندى في مدينة البيرة، إلى منزل ايمان عرمان في قرية خربثا بني حارث غرب مدينة رام الله، حيث لم يختلف حال، فالأبوين غيبا عن الاحتفال في هذا اليوم، فالأول شهيد، والثاني في سجون الاحتلال.
"لأن والدي أسير، فان هذا كان حافزا ودافعا لي لأتميز وأنال التمييز والتفوق، من أجل أن أرفع راس والدي وأهديه لوالدتي التي بذلت الكثير من أجلي في ظل غياب والدي"، تقول ايمان التي حصلت على معدل ٩٠.٤٪، مضيفة "والدي كان دائما يشجعني،ويوصيني أنه لا يريد أن أحصل علي نجاح عادي، بل أن أحصد التمييز والتفوق، فهو يؤمن أن العلم سلاح".
امتحانات الثانوية لا تكون ضغطا وقلقا على الطلاب فقط بل على عائلاتهم وخصوصا الأمهات، فتبين أم ايمان، "تتضاعف المسؤولية في هذه المرحلة الدراسية، كيف والأب غائب!! .. هو بالطبع بقلوبنا وعقولنا إلا أن غيابه واقعيا مؤلم وصعب".
تمنت ايمان التي استقبلت خبر نجاحها من والدتها لو كان والدها هو من دخل غرفتها حاملًا هذا الخبر ومبتهجًا به، لكنّه "محمد عرمان "معتقل في سجون الاحتلال منذ ١٤ عامًا، حيث يقضي حكما بالسجن ٣٦ مؤبدا بعد أن أدانه الاحتلال بالتخطيط والتنفيذ لعدة عمليات فدائية، ليحرم من الاحتفال بنجاح ايمان كما حرم العام الماضي من الاحتفال بنجاح نجله بلال.
الأسير محمد كان ينتظر نجاح ابنته ايمان على أحر من الجمر، وتبين زوجته أنه العام الماضي وعند نجاح ابنه بلال أقام احتفالا كبيرا داخل السجن، ووزع الحلوى على الأسرى، وكان يستعد ليحتفل لنجاح ايمان ويكرر فرحة العام الماضي.
ايمان لا صورة لها مع والدها، كما لا ذكريات، فهي ولدت ووالدها في السجن، ليفرج عنه وقد تجاوزت العام ونصف، وبعد عامين عاود الاحتلال اعتقال والدها، حتى هذه اللحظة، "أنا الآن نجحت يا والدي وتفوقت وتميزت من أجلك أنت، لأرفع راسك وأسعدك".
عائلة الأسير محمد عرمان ورغم الحكم الصادر بحقه، إلا أن الأمل لم يغادرها من أن يكون الاحتفال القادم بالمنزل هو بتحرره، "الناس الطبيعية تحيا على الماء والهواء، إلا أننا نحيا على الأمل بالحرية"، تعلق زوجة الأسير التي وطيلة السنوات الماضية كان الأب والأم لأبنائها.
ندى وايمان، وعشرات الطلبة المتفوقين والمتميزين، أصروا على النجاح ليس لأنفسهم فقط، بل ليسجلوا انتصارًا جديدا على الاحتلال هذه المرة.