شبكة قدس الإخبارية

مركزية فتح بين الترهل التنظيمي والفشل القيادي

زيد الأيوبي

لعل سبر غور مثل هذا الموضوع الحساس يدخل في سياق المحرمات والكبائر التي قد تودي بالمتحدث في غياهب الجب، خصوصا وأنت تتحدث أو تنتقد قيادات لها تاريخها وعرفت بنضالاتها التي لا ننكرها عليهم رغم انها أوصلتهم لمرحة النرجسية العمياء والأداء القيادي الشللي والاقصائي، وعدم الاقتناع بان هناك من هم غيرهم في جماهير العاصفة بالمئات لهم تاريخهم وقادرون على قيادة الحركة، وربما يمتلكون مهارات قيادية ومعرفية وشخصيات كرزماتية قد لا تقل عن ما يتمتعون به أعضاء المركزية الحاليين وربما يتفوقون عليهم، وهنا لا أعمم لكنه وللأسف التعميم يفرض نفسه بقوة الواقع ولن أقول إلا من رحم ربي ولن اعتذر عن إبداء رأيي لان ذلك حقي.

باعتباري جندي من جنود هذه الحركة العزيزة على قلبي ووجداني، وكوني حريصا وغيورا على حركتي التي انتميت لها وآمنت بها واقتنعت بعرفاتيتها نهجا وسبيلا للنصر سأطرق باب واقع مركزية فتح العملاقة (والعملاقة هنا تعود على فتح فقط).

من باب النقد البناء المفعم بالإيمان بالعاصفة ومبادئها وأدبياتها ودون خوف أو وجل من عتب أو غضب أي من أعضاء المركزية علينا ودون محاباة وبكل موضوعية، وفي هذا السياق وانأ لا أجيد هز الذنب احمد الله العلي القدير أن رزقي ودخلي الشخصي مرتبط بمشيئة الله وغير معلق على شرط رضا أي من منهم.

سأخوض غمار التعبير عن رأيي وأنا مقتنع بأنه لا يقطع الرأس إلا من ركبه وما سينزل من السماء ستتلقاه الأرض ولست آبها بأي تهمة جاهزة قد يتهموني بها فهم ليسو فتحاويون أكثر مني حتى وان كانوا أصحاب قرار.

 ومن باب التركيز أكثر على الفكرة التي تدور حولها مقالتي لا أريد أن استحضر تاريخ أعضاء المركزيات السابقة وقدرتهم على التأثير الوطني والحركي والثوري في وجدان الجماهير  فهؤلاء لن يتكررون ولن يعودون، لان كل شيء تغير فلا المرحلة التي عاشها ابو اياد هي ذاتها اليوم ولا التحالفات الإقليمية والوطنية والحركية التي عاصرها الكمالين هي ذات التحالفات ويافا التي كانت هدف ابو جهاد لم تعد الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه أي من أعضاء المركزية الحاليين مع الاحترام ولم يعد الكفاح المسلح هو لغة الحوار مع المحتل فكل شيء تغير وامسينا وامست فتح ومركزيتها أمام واقع حركي وجيو سياسي جديدين سواء بالفرض أو بالسنة.

للاسف مقتل حركة فتح في نرجسية اعضاء مركزيتها الذين يؤمنون بان الله خلقهم وكسر القالب بعدهم، وليس هناك في فتح غيرهم قادر على القيادة والريادة فوصفهم مقطوع والعاصفة عاقر وغير قادرة على إنجاب أمثالهم أو حتى أشباههم وهم دائما على حق، ويمتلكون الحقيقة والخميرة وغيرهم، إما لا يفقهون أو محسوبين على أشخاص أو تيارات مناوئة وأحيانا طابور خامس حسب واقع الحال وملابسات الخلاف وجرأة النقد وواجب علينا أن نستوعب ذلك ونؤمن به ولا نحاول الاعتراض عليه او النقاش فيه لان ذلك يجافي المنطق ومبادئ الديمقراطية ويمثل انتهاك لثوابت تاريخهم النضالي المجيد واعتداء على الحركة ومخالفة لمبدأ نفذ ثم ناقش فالقول الفصل ما يقوله عضو المركزية المفدى ودونه العدم والمسوخ .

فقط ولتحقيق الغاية من المقال ولنفض الغبار عن الفكرة المحورية التي حولها يدور الحديث، يمكنني ان اطرح السؤال التالي: هل كنا سنخسر انتخابات بيرزيت مثلا لو ان ابا جهاد لا زال حيا ولم يستشهد؟؟ ..قطعا لا. لماذا؟؟

لا شك ان حركة فتح الآن على مفترق مصيري خطير، إما أن تبقى هذه العملاقة وإما تتراجع وتندثر، ومن يعتقد في قرارة نفسه ان العاصفة غير مستهدفة بكل أنواع المؤامرات الإسرائيلية والمحلية والإقليمية والدولية، يكون أمي في علم السياسة وغير قادر على فهم رأسه من قدميه، إن المتربصين بالعاصفة وتطلعاتها موجودين في كل مكان وهم أقوياء ويستغلون كل هفوة لأي فتحاوي من الجندي أمثالي إلى القيادي في الصف الأول والتجارب التي تؤكد قولي كثيرة ولا تخفى على احد.

وفي هذا المقام لا بد من التذكير بان العاصفة لم تعد هي الفصيل الاوحد والوحيد الذي يقود ويرود ويؤثر في توجهات الجماهير الفلسطينية، خصوصا وان خصما سياسيا قادرا ومقتدرا على منافسة فتح في كل المواقع هو حماس المسيطرة على القطاع بقوة الامر الواقع وخزعبلات استخدام النص الديني المسيس والذي يجد من يطربون له وهم ليسوا بالعدد القليل وغير جائز الاستهانة أو الاستهتار بهم.

كما اننا لا نستطيع تجاهل تأثير أداء بعض الجهات والشخصيات في السلطة الوطنية والتي تنعكس سلبا على سمعة حركة فتح وتأثر في القناعات الفكرية والسياسية عند الجماهير  وخصوصا في ما يتعلق في تقرير  التأييد  لفتح أو غيرها، أنا مقتنع بان أداء السلطة وأجهزها وشخصياتها وموظفيها ينعكس على العاصفة سلبا أو إيجابا  باعتبارها هي الفصيل الحاكم وصاحب النفوذ في هذه السلطة ولكم أن تختلفوا معي إن شئتم في هذه الحيثية لكني مع احترامي لرأيكم  مصر على رأيي ومؤمن به.

إن الظروف الموضوعية التي تعيشها الحركة، وحجم العبء الضخم الذي تتحمله نتيجة لانسداد الافق السياسي واستمرار الانقسام والوضع العربي الازماتي، ونرجسية أعضاء مركزية أمِّ المشروع الوطني، وفشلهم الذريع في توحيد صفوف الحركة وتصليب عود الاطر التنظيمية لاخراجها من حالة الترهل العميق والمتزامنة مع حالة الإحباط  واليأس وخيبة الأمل التي تسكن نفوس أبناء الحركة على امتدادها في الوطن والخارج، وانتشار ظاهرة الحردانين والغاضبين والمغضوب عليهم وتكريس واقع الشللية والمناطقية والمحسوبيات واستمرار صراعات مراكز القوة الحركية والخلافات الشخصية بين اعضاء المركزية وقيادات مؤثرة في حركة فتح والنفس البطريركي الذي يسيطر على أعضاء المركزية وقيادات الصف الأول  كونهم الافهم والأكبر منا جميعا ودونهم المسوخ.

ولا أريد أن انزلق لمستوى ذكر الاسماء والمسميات والصفات لأنني لا أتحدث عن شخص محدد أو أمور مخفية وخافية على احد ولا أبوح بسر غير معلن فالقاصي والداني والكبير والمقمط في السرير يعرف جيدا عن أي واقع نتحدث.

في نظري فإن الشيء المهم والتاريخي في المؤتمر السادس لم يكن سوى انعقاده فقط أما مخرجاته وبعد ثماني سنوات على انعقاده وبإجراء عملية تقييم سريعة ودون الغوص في الأعماق الحركية المؤلمة فان مخرجاته لم تكن بمستوى تطلعات جماهير وكوادر الحركة التي تستحق اعضاء مركزية وثوري من طراز أخر طبعا مع احترامنا لكل أعضاء المركزية والثوري المنتخبين في ليلة سوداء ستبقى تداعياتها وإرهاصاتها تنخر في جسد العاصفة إذا لم يصار لعلاجها.

 إن العملاقة  تستحق قيادة تكون صمام امان لديمومتها وليس قيادة لا نستطيع في ظلها  الفوز في أي انتخابات حتى لو كانت بمستوى مجلس طلبة جامعة بيرزيت وتخيلوا أن تعقد انتخابات الرئاسة او المجلس التشريعي في ظل أعضاء المركزية الحاليين والذين يبدعون في الخطابات والشعارات الرنانة والحديث عن تاريخهم في معركة احد والخندق والشقيف وليس لديهم أي انجاز أو إعجاز حاضر أو مستقبلي للحركة وللمصيبة وبدلا من حث كوادر الحركة جماهيرها على التفاؤل تجدهم أكثر الناس محبطين ومتذمرين ومختلفين وغير مؤتلفين.

لقد باتت المركزية في وضعها الحالي المنسجم والمتوائم مع حالة الترهل التنظيمي وفي ظل فشلها الذريع في توحيد صفوف الحركة ومعالجة معيقات ديمومتها وقدرتها على الحفاظ على دورها الطليعي في ريادة كل المؤسسات الوطنية من مجالس الطلبة والنقابات والبلديات.

وفي ظل  الخلافات التي تسيطر على الأطر التنظيمية، والتي أصبحت هي السمة الغالبة والعلامة الفارقة أضحت اللجنة المركزية عبئا ثقيلا على كاهل حركة فتح، لا بد من الاستراحة منه لكن بشكل ديمقراطي ينسجم مع أنظمة فتح الداخلية من خلال التسريع في عقد المؤتمر السابع للحركة، والذي آمل أن يتم التحضير له وفق اليات حركية تحترم دور الخبرات والكفاءات وليس باليات تعطي لاصحاب مراكز القوة وان كانوا سببا في أزمة فتح القدرة على الفوز والعودة للمركزية من جديد، فنحن لا نريد مؤتمرا سابعا يعيد انتاج الواقع الحالي لقيادة الحركة وانما نريد مؤتمرا بمثابة الدواء للداء.

في اعتقادي وحتى نصل لمخرجات مؤتمر سابع تكون مخرجاته  بمستوى  تطلعاتنا فان هناك محركين أساسيين  لا بد أن يكون لهما دورا ايجابيا وحقيقيا في تحقيق انتصار لفتح العملاقة  وليس انتصار للشخوص والمحاور والأعباء الازماتية   .

المحرك الاول هو دور القائد العام للحركة بتكريس لجنة تحضيرية شخصيات حركية مقبولة للجميع وتمتلك آليات تساهم في عدم إنتاج الواقع الحركي الحالي مرة أخرى، وهنا سيخرج علينا من يقول انه تم تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر وجاري التحضير له طبعا ومع احترامي لأعضاء هذه اللجنة أقول نحن لا نريد لجنة تحضيرية فقط وإنما نريدها أن تعمل أيضا وتفتح أبوابها وقلبها للجميع.

على كل؛ أنا شخصيا مقتنع بان اللجنة المركزية الحالية ليس عبئا على الحركة فقط، وانما عبئا على القائد العام للحركة أيضا الذي يعاني ما يعانيه  من خلافات أعضاء المركزية الحاليين فيما بينهم، والذين يعيقون بنرجسيتهم وإعلاء ذاتهم ومصالحهم ومصالح محاورهم المقيتة عمله ومهمته الحركية باعتباره رئيس الحركة وقائدها الأعلى وفي هذا السياق كم مرة سمعنا ان طوشات اعضاء المركزية خلال اجتماعاتها والتي تشبه في كثير من الاحيان طوشات مجالس الطلبة في الجامعات أو طلبة المدارس وذلك بالطبع يزعج ويؤلم جمل المحامل أبو مازن ويشوش عليه وللأسف سيعلق المتربصين ظلما وافتئاتا كل إخفاقات اللجنة المركزية على شماعة قائد الحركة وضميرها الأخ الرئيس أبو مازن الذي يحمل على ظهره أمانة عظمى عرضت على الجبال فأبتها وهو على قدرها بإذن الله وبنفس كل الفتحاويين الأشاوس  .

المحرك الثاني هو دور اعضاء وكوادر حركة فتح الميدانيين، وهؤلاء يجب أن يكون لهم دور محوري وهام وطليعي في مساعدة القائد العام على إنقاذ حركة فتح، وعليهم ان يناضلوا ويكافحوا من اجل انتزاع حقهم في المشاركة والتغلب على محاولات اقصائهم واستثنائهم، فهم المظلومين وهم اصحاب الحق في التغيير وهم صمام الأمان للحركة وهم الوحيدون الضمانة لعقد مؤتمر سابع لاختيار قيادة جديدة قادرة على العبور بالحركة ومستقبلها إلى بر الأمان، وقادرة أيضا على مواجهة كل التحديات التي تواجه العاصفة على الصعيد الاحتلالي والوطني والإقليمي والدولي.

وقادرة ايضا على إعادة الاعتبار والثقة الشعبية والجماهيرية بحركة ابوعمار وأبو جهاد وقادرة أيضا على معالجة كل أسباب الإحباط واليأس والتذمر المستشرية في أوساط كوادر وأعضاء وأنصار الحركة.

وقادرة على لملمة جراح الحركة وتوحيد صفوفها لتبقى فتح العملاقة عصية على كل المؤامرات ورائدة المشروع الوطني ومستمرة في دورها الطليعي لشعبنا العظيم حتى تحقيق كل أحلامنا بالنصر والعودة والاستقلال.

لقد آن الأوان لعقد مؤتمر سابع للحركة مفعم بقيم الإخوة الفتحاوية وقبول من نختلف معه بالرأي وتغليب ديمومة الحركة ومصلحتها على المصالح الشخصية والمحورية القاتلة وناضج لانتخاب الكفاءات واعطاء دور اكبر لجيل الشباب والمرأة لان الانتظار أكثر سيودي بحركتنا في غياهب الجب وسيشمت بنا كل المتربصين والخصوم ولن تعود لنا قائمة إذا لم يسارع كل الغيورين على العاصفة والمؤمنين بها لمعالجة الواقع الحركي الحالي والذي لا نحسد عليه لذلك وحتى لا يأتي اليوم الذي نقرا فيه السلام على عاصفة الشهداء فإننا على مفترق طرق جد خطير: إما أن نتحرك لحماية حركة فتح، وإما أن نبقى أسرى لحالة الترهل التنظيمي والفشل القيادي لأعضاء المركزية.