رام الله – خاص قُدس الإخبارية: رفض أحمد الذهاب إلى الروضة، وقد استيقظ مبكرا ولبس أجمل ما لديه من الملابس مستعدا لاستقبال والده عاطف روحي الصالحي بعد ست سنوات على غيابه، وتمسمر على عتبة المنزل منتظرا أن يكون أول من ينال القبلة الأولى، والحضن الأول.
أخذت عقارب الساعة تدور ببطء، فيما أحمد يرفض التزحزح من مكانه ولم يمل الانتظار، ليرى عمه يعود وحيدا، "ربما بابا خلفه ويريد أن يمازحني"، فكر أحمد، لكن عمه أخبره أن قوات الاحتلال اعتقلت والده.
ساعتان بين الافراج والاعتقال
في الرابع من أيار، توقفت مركبة في "عقبة يبرود" شرق مدينة رام الله، وفُتح صندوقها الأمامي وبدأ صاحبها بمحاولة صيانتها، وما أن أصبحت المركبة التي تقل عاطف الصالحي (43 عاما) بمحاذاتها، حتى أشهر عناصر من وحدة المستعربين أسلحتهم مهددين بإطلاق النار، قبل أن يقيدوا عاطف ويعتقلوه ثم يقتادوه بمركبتهم لجهة مجهولة.
كانت فاطمة تعد الطعام الذي طلبه زوجها عاطف مستعدة لاستقباله بعد ست سنوات من غيابه في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية، حيث أدين وإسلام حامد بعملية إطلاق نار تجاه مركبة تقل مستوطنين عام 2010، "كنا نتوقع أن يتم اعتقاله ولكن ليس بهذه السرعة .. كما أن عاطف كان لديه الأمل في أن يصل المنزل وينام ليلة على الأقل برفقة أطفاله".
بالسجن لثلاث سنوات حُكم عاطف، وهو أب لستة أطفال، وبعدما مضت الثلاث سنوات رفضت الأجهزة الأمنية الفلسطينية الإفراج معللة ذلك بحمايته من الاحتلال، فواصلت اعتقاله لثلاث سنوات أخرى ثم أفرجت عنه بشروط.
وتقول فاطمة: "أخبرونا أنهم يخشون عليه من الاغتيالات أو الاعتقال واقنعوه أنهم يقومون بحمايته"، مبينة أن زوجها ما عاد يحتمل الاعتقال دون تحديد سقف زمني، لينتهي الأمر بالإفراج عن عاطف لكن بعد التوقيع على إقرار من العائلة ينص على إخلاء مسؤولية السلطة عن ما قد يحدث له بعد الإفراج عنه.
الأب الغائب
ست سنوات مضت وفاطمة تبذل أقصى طاقاتها لتكون الأم والأب لأطفالها الستة، وزادت المهمة صعوبة بعد إصابتها بالسرطان وخضوعها لرحلة علاج امتدت لعامين قبل ان تتماثل للشفاء. عامان مرا دون أن تجد فاطمة بجانبها زوجها تستند عليه، "كنت أحتاج أن يكون بجانبي وأنا مريضة، ويساعدني على تربية الأطفال، كان حمل ثقيل علي... في كل لحظة نستفقده ونشتاق له".
دينا (11 عاما) طفلة عاطف، أرادت أن تستقبل والدها بطريقتها، فحضرت له هدية، "حضرت له دبدوب جميل أردت أن أهديه إياه .. ولما جاء عمي بدون والدي دخلت إلى غرفتي وبكيت كثيرا". وتضيف، أنها أخذت تفتش بملابس والدها التي أحضرها عمها لعلها تجد بداخلها رسالة من أبيها، إلا أنها لم تجد شيئا.
عاطف كان يمتهن الحدادة ويعيل أسرته قبل أن يتم اعتقاله، ليرث نجله روحي مبكرا لقب رب الأسرة، مضطرا للخروج من المدرسة والعمل لإعالة أسرته ومساعدتها.
عاطف كسر ظهر والديه
وفقد فاطمة خلال اعتقاله والديه اللذين فصل بين موتهما خمسة شهور فقط، ليحرم من وداعهما والمشاركة في مراسم تشييعهما، "زاد مرضهما اعتقال عاطف وما مر به من ظروف، وكان أمه تقول دائما إن ما يجري لعاطف كسر ظهرها"، مشيرة إلى أن عاطف استطاع إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهما حيث حُمل نعشيهما إلى داخل السجن.
"أمه كانت تغسل كلى ولم تكن تستطيع المشي على قدميها، وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياتها دخلت مرحلة الخطر.. كانت تزوره رغم أوضاعها الصحية المتدهورة، وكانوا يسمحوا له برؤيتها لدقائق معدودة داخل السيارة بعد أن تدخل حدود السجن، كما سمحوا له بزيارتها وهي بالمشفى".
وأضافت، أن وصية والدته الوحيدة كانت أن يقوم عاطف بتكفينها، إلا أن مواصلة اعتقاله حرمه من تنفيذ وصية والدته كما طلبت، "عندما أخذ جثمانها إليه ليقوم بتوديعها، قام بفك جزء من الكفن، وأعاد لفه مجددا محاولا أن ينفذ وصية والدته .. كان مقهورا جدا لأنه لم يستطع أن يقف بجانب أمه وابيه خلال مرضهما".
محامي عاطف يتوقع أن تصدر محكمة الاحتلال حكما بحقه يصل لسبعة عشر عاما، علما أن السنوات التي قضاها داخل سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية لن تحسب ضمن الحكم.
اسلام حامد.. الشريك بالمقاومة والاعتقال
بتاريخ 23/تشرين أول/2015 نشر الإعلام العبري خبر اعتقال إسلام حامد (30 عاما) في منطقة جنين، إثر مداهمة أحد المنازل، وذلك بعد ثلاثة شهور من الإفراج عنه من سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية حيث قضى خمس سنوات. "حدثنا اسلام أنه تم الاعتداء عليه بالضرب المبرح خلال الاعتقال قبل أن يحول إلى سجن المسكوبية، حيث احتجز لشهر كامل في زنازين مليئة بالحشرات سببت له الحساسية"، تروي رنان زوجة إسلام.
وتبين رنان أنه ومنذ اعتقال زوجها حتى هذا اليوم، ومحاكم الاحتلال تعقد جلسات محاكمة لم يصدر عنها سوى قرارات تمديد اعتقاله وتأجيل البت في قضيته، "يمنعني الاحتلال من زيارة زوجي منذ اعتقاله، ولا يسمح إلا لطفله ووالديه فقط بزيارته"، مشيرة إلى أنه وبعد اعتقال زوجها، تم استدعاؤها للتحقيق، حيث تمحورت معظم الأسئلة حول زوجها.
وتقول رنان: "كنا متوقعين أن يتم اعتقاله بسبب ما نعيشه في ظل التنسيق الأمني المتواصل بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، وكان ذلك واضحا خلال اعتقاله لدى الأجهزة الأمنية، حيث تم إبلاغه أن الاحتلال سيسعى لاعتقاله أو اغتياله فور الإفراج عنه".
وتضيف أن إسلام نقل للعائلة أنه وخلال التحقيق معه لدى مخابرات الاحتلال، أخبروه أن اعتقاله كان خطأ وأنه كان من الأجدى لهم اغتياله، فيما توعده آخر بأنه سيقتل في يوم من الأيام.
افراج الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن إسلام لم يحدث بسهولة، فقد استطاع اسلام انتزاع قرار الإفراج عنه إثر خوضه الإضراب المفتوح عن الطعام لأكثر من 100 يوم، وبعد أن فشلت كل محاولات الدبلوماسية من قبل السفارة البرازيلة كونه يحمل جنسيتها، والمحاولات القانونية التي بذلها محاميه حيث انتزعوا من القضاء قرار الإفراج عنه فيما تعنت الأجهزة الأمنية في تنفيذه.