شبكة قدس الإخبارية

مرة أخرى.. إلى العزيز القيق

هاجر شويط

العزيز القيق .. لم أتوقع أن أكتب لكَ رسالة أخرى، هل تتذكر رسالتي قبل أشهر قليلة، .. نعم لقد كتبتُ لك كما كتب لك الكثير من البؤساء غيري، الكثير من الذين لا يملكون غير حزنٍ متفحمٍ وأصابع مهترئة تعينهم على اجتراره مع كل فاجعة، نعم .. نحن من نعاني أحيانا من تكدر الدماء، ولكنها لا تتحول إلى ماءٍ بل إلى سوائلَ تمنع ممارسة أي فعلٍ، نحن –الجبناء->

لقد كنا مقتنعين تماما أننا نعيش البؤس على شكلِ درجات أنت أرفعها ونحن أسفلك ولكنكَ أثبت لنا اليوم كم نحن في آخر القدر تلفحنا النيران أولًا وخرجتَ أنت، خرجتَ ليس لأنك على حقٍ –فقط- هذا العالم الحقير يحتو على أكثر من تسعين بالمئة من قضايا الشعوب العادلة ضد الاستبداد، لكنه مثلنا يجلس في قدرٍ كبيرة ويُشوى على مهل، بينما نشتم رائحة شواء جلودنا ظنا منا أننا نحتفل بحريتنا، إنسانيتنا أو تعبنا على سبيل الهراء.

لقد كنا كما الآن تماما، نفتح أصابعنا متباعدة لتمر الأيام مفلتة معها كل حقوقنا وحرياتنا، ولا نحاول حتى منعها المرور بهذه السرعة، عندما كتبتُ/نا لك أول مرةٍ، كنا على يقينٍ تامٍ أن الجنة في بيتِ الله الواسع أجمل، أنقى لأمثالك الذي رفض الخنوع على أمعائه الخاوية، لقد اصطفاك الله ممن يتشردون ويعذبون ويستغلون كالدواب في حرث أرضٍ قاحلة، لتكون بجانبه في جناته الملونة، ومياهه المحلاة، لأنك بعقلٍ ممتلئ بل مكتظٍ بطريقة لاسترجاع مفتاحًا حقيقيا لقيده، لذلك رحنا نتفوه بمرثيات، وفجأة انقلب السحر على الساحر.

وحدكَ تحررت، وحدكَ رفعتَ فكركَ عاليا كعلامة النصر التي ظهرتَ بها، أتذكر حين كنت لا تقوى على حملِ أصابعكَ، فما بالكَ بحملِ قضية وإيمانٍ، وكنا نخجل لأننا بكفاءة حملها عنك، وكنا كذلك نخجل رفع رؤوسنا.

عزيزي القيق، وحدكَ انتصرت، وحدكَ تحررت، وحدكَ أثبت أن حريتكَ (فكرة والفكرة لا تموت)*، وحدكَ ضحكتَ في النهاية، بينما مازلنا في الدرك الأسفل.

عزيزي القيق، أعلم أن آخر ما قد تنتبه له هذه الرسالة.

* أرفع الآن صورتك، فالسعادة لا يُتاجر بها كذلك الأفكار والحريات، بينما رفضت رفعها من قبل ظنا أنني سأتاجر بأمعائك الخاوية كهوياتنا الآن، إنها تسقط من عالٍ دون أن نمسكها، ترتطم .. ترتطم .. ترتطم.