فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: فعاليات هذا العام في الذكرى الثامنة والستين للنكبة، تميزت بمشاركة شعبية واسعة، ليس فقط في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 والضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات اللجوء، بل امتدت لتغطي معظم الدول الأوروبية والعربية والإسلامية، وما يميز فعاليات هذا العام، هو الإبداع والتنوع في هذه الفعاليات، التي تعمق وتجذر من انتماء شعبنا وتمسكه بحقه في العودة الى أرضه ودياره التي هجر وطرد منها قسراً على يد العصابات الصهيونية، ففي مخيم الدهيشة شاهدنا قطار العودة والشبان ينادون ويدعون الناس للصعود والركوب إلى قراهم التي هجروا منها، وفي رام الله كانت الباصات القديمة التي كان يستخدمها اللاجئون معدة للانطلاق إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها.
في كل عام يزداد شعبنا تشبثا وتصميما على العودة، والفعاليات بأشكالها وتنوعها تأتي رداً على الروايات الصهيونية التي تنكر على شعبنا حقه في العودة وحتى الوجود فمن مقولات "أين هو الشعب الفلسطيني؟؟؟" الى "كبارهم يموتون وصغارهم ينسون" تسقط على صخرة التصميم والعناد الفلسطيني، أن لا تخلي عن حقه بالعودة.
الصراع مستمر ومحتدم مع المحتل بكل الأشكال، وشعبنا يواجه ليس خطراً سياسيا، بل خطراً وجوديا في ظل حكومة صهيونية يمينية مغرقة بالتطرف، تمارس كل أشكال التهويد والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني، حيث مشاريع التهويد تغطي كل مساحة فلسطين التاريخية، فمن مشروع المتطرف العنصري "أريه كنج" لتهويد الجليل الذي كان السبب المباشر لاندلاع يوم الأرض الخالد في 30/3/1976، حيث دافع شعبنا عن أرضه ووجوده بالدم والتضحيات، إلى مشروع "برافر" التهويدي لمنطقة النقب، والتي كان المهرجان والمسيرة المركزية لهذا العام من نصيبها تأكيداً من شعبنا بأنه شعب حي لا ولن يموت ولن يغادر أرضه في نكبات جديدة، والقدس والضفة الغربية هي الأخرى تتعرض الى "تسونامي" استيطاني يغير من واقعها الجغرافي والديمغرافي جذرياً.
حق العودة يشكل أحد أهم مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني، وهو غير قابل للتأويل ولا يسقط بالتقادم، ولا يمتلك أي كان الحق في التنازل عنه، رغم أننا نشهد الكثير من المؤامرات التي تستهدف إلغاء وشطب هذا الحق، وقد يستغرب البعض من أن الحرب الحالية التي تدور رحاها في سوريا، واحد من أهم أهدافها، الشطب الكلي للقضية الفلسطينية، فتطويع المنطقة بسقوط سوريا والعراق، يعني إعادة رسم خرائط المنطقة، بما يشمل تصفية القضية الفلسطينية حقوقاً وقضية ومشروعاً.
المجتمع الدولي والأمم المتحدة يتحملان المسؤولية كاملة عن استمرار نكبة شعبنا، فإسرائيل كدولة مارقة قامت بقرار من الأمم المتحدة، واستمرت بالتمدد والتوسع على حساب شعبنا الفلسطيني وأرضه، رغم عشرات القرارات الدولية التي اكدت على بطلان إجراءات وممارسات الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، وعلى حق شعبنا في العودة الى أرضه التي طرد وشرد وهجر منها قسراً، ولكن لم نلمس وجود إرادة دولية جدية لتنفيذ أي من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها حق العودة، بل وجدنا أن أمريكا ودول الغرب الاستعماري التي تتشدق ليل نهار بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، شكلت مظلة سياسية "إسرائيل" في الأمم المتحدة تحميها من أية عقوبات او قرارات قد تفرض او تتخذ بحقها نتيجة لعدم تنفيذها لأي من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بل تلك الدول التي رعت وأحتضنت هذا الكيان الغاصب واوجدته في قلب الوطن العربي، جعلت منه كياناً فوق القانون الدولي، في "تعهير" سافر للقانون الدولي وازدواجية في معايره وانتقائية في تطبيق قرارات الشرعية الدولية، حيث جرى ويجري تطبيقها على الأمة العربية والإسلامية بشكل خاص، وبما يخدم "إسرائيل" والقوى الاستعمارية الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
من يعتقد بأن مشاريعه لتصفية القضية الفلسطينية وجوهرها حق العودة قد تنجح، فهو واهم، والبعض قد يستفيد من الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها في محاولته لتمرير مشاريع وإطلاق مبادرات تقوم على تصفية هذا الحق، ولكن أي قيادة فلسطينية قد تتخلى عن هذا الثابت فهي ستنتحر سياسياً، نصف شعبنا موجود خارج الوطن يحمل مفاتيح العودة ويسلمها من جيل لجيل، ووعي بدل أن "يتقزم" ويُطوع، نجد أنه يتجذر ويزداد قناعة وتشبثاً بحقه بالعودة، وكذلك مشاريع السيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا وتشويها عبر اللقاءات والمشاريع التطبيعية تفشل فشلاً ذريعاً، ولا يغير من حقيقة الأشياء "عبرنة" الأسماء للقرى والشوارع والبلدات الفلسطينية، ولا بد من عملية توعية وتثقيف شاملة يستحضر فيها في المنهاج والمحاضرات والندوات والمسيرات والمهرجانات، كل الأسماء العربية لها للقرى والبلدات العربية المدمر منها وغير المدمر، وإنتاج أفلام وثائقية و"فيديوهات" و"يوتيوبات" ومعارض صور ورسوم كاريكاتيرية توثق لعادات وتقاليد والتراث وكل مظاهر الوجود والمعالم التاريخية والحضارية لقرانا وبلداتنا المدمرة.
التشبث والتمسك بحق العودة ليس مسؤولية الأحزاب والقوى، بل هي مسؤولية جماعية، يجب على كل فرد منا تحملها، وأن يكون بمثابة بوق إعلامي لها، حينها فإننا نقصر الطريق على مشروع احتلالنا ونكبتنا.
إن مجابهة المخطط والمشروع الصهيوني القائم على شطب قضيتنا وحقوقنا وتفكيك مشروعنا الوطني، يجب أن يجابه وفق استراتيجية فلسطينية موحدة، استراتيجية تقوم على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية والتحلق حول المقاومة والصمود.
صحيح أن النكبة تولد عنها الكثير من النكبات، في ظل هجوم شامل نتعرض له كشعب فلسطيني يستهدف وجودنا، ونفي حقوقنا، ولكن ما هو أصح بأن الأجيال الفلسطينية التي لم تعايش النكبة او ما يسمى بالنكسة او التي ولدت ما بعد اوسلو_ واحد من أخطر مشاريع تصفية القضية الفلسطينية_ هي الأكثر تمسكاً بحق العودة، وهي من تحرك وتقود الميدان في انتفاضته الشعبية، وهي التي تقول بأن لا حل بدون حق العودة.