شبكة قدس الإخبارية

أمام إبرة الانسولين.. يُهزم المحقق وينتصر الطفل عمر 

شذى حمّاد

القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: وقف المحقق أمامه متباهيا يستعرض ثقافته بالطب، يشعل سيجارته ثم يرتشف من زجاجة "الكولا" التي أمامه، ويكمل على مسمعيْ عمر قائمة المضاعفات التي يسببها ارتفاع مرض السكري وتؤدي أحيانا إلى الموت؛ فيما يتصبب العرق من جبين الصغير الذي ظهرت عليه علامات ارتفاع السكري لعدم تلقيه جرعة الأنسولين اللازمة.

تمر سبع ساعات وعمر اشتي (15 عاما) لم يأخذ دواءه، فما يزال في غرفة تحقيق محكمة الإغلاق في مركز توقف "النبي يعقوب" بمدينة القدس، فيما يجلس والده متوترا يقلب بين يديه جهاز التحكم الذي يعطي الأوامر للجهاز الآخر الموصول بجسد طفله، متمنيا لو أن ضغطه على زر الجهاز سيزود جسم عمر بجرعة الأنسولين اللازمة.

في 29 نيسان، اقتحم عناصر من مخابرات الاحتلال منزل جد عمر في بلدة شعفاط، وطلبوا من خالد اشتي إحضار نجله فورا، ثم أخبروا العائلة أن عمر قيد الاعتقال. يروي خالد لـ قدس الإخبارية، "اقتادوه  لداخل السيارة المدنية التي اقتحموا بها المنزل، نظرت للداخل فرأيت سكينة موضوعة بشكل مكشوف في المقعد الخلفي حيث أجبروا عمر على الجلوس".

يصرخ خالد، "تريدون إطلاق النار عليه ثم تقولون أنه كان يمسك هذه السكين"، يرمي السكين خارج المركبة ويصر على مرافقة طفله إلى مركز التحقيق مؤكدا أن ذلك حق له ينص عليه "القانون الإسرائيلي"، فلا أمان عليه مع عناصر المخابرات الذين كان يسعون ربما لإطلاق النار عليه وقتله، كما يقول والد عمر.

"فور وصولنا مركز التوقيف وقبل دخول عمر للتحقيق قمت بقياس السكري له، فكان مرتفعا على غير العادة حيث وصل ما يقارب 400 درجة.. أخبرت المحقق أنه لا يمكنه التحقيق مع عمر وهو بهذه الحالة إلا أنه رفض". فك المحقق الجهاز الموصول بجسم عمر والذي يوصل له الأنسولين، ليدخله إلى غرفة التحقيق وهو بحالة صحية متدهورة دون السماح له بأخذ الجرعة اللازمة من الدواء.

ويوضح خالد، أن ارتفاع السكري لهذه الدرجة مع عمر يعني أنه سيعاني من حالات إغماء وعدم اتزان، ما سيتيح انتزاع اعترافات منه دون وعيه، مبينا أن مركز "النبي يعقوب" لا يحتوي على أي رعاية صحية ولا يوجد فيه أي ممرض يمكن الاستعانة به إذا حصل لعمر شيء، "عدم إعطائه الأنسولين هو جزء من الضغط عليه بالتحقيق، ومساومته على الاعتراف مقابل أخذ دوائه".

13187884_625141540976027_1130296516_n

الساعة الثانية عشر ليلا، خرج المحقق من الغرفة وطلب من خالد بمغادرة المكان، فعمر سيبقى قيد الاعتقال ولن يعود للمنزل اليوم، ليجن جنون الأب. يقول، "سألتهم لماذا عمر قيد الاعتقال .. رفضوا إخباري وطلبوا تعيين محامٍ ليخبروه أنهم متهم بتكوين خلية تقوم بإلقاء المولوتوف على الشرطة الإسرائيلية".

ويعلق خالد، "اتهاماتهم غير منطقية، فعمر مريض يعاني من سكري الأطفال منذ ولادته، وهو مرتفع معه بشكل دائم، ويشعر بالدوار المستمر ولا يستطيع القيام بأي مجهود".

نقل عمر إلى مركز توقيف "المسكوبية" والمعروف أن الرعاية الصحية فيه معدومة تماما. ويضيف خالد، "الساعة الثانية فجرا اتصل علي أحد ضباط الاحتلال وطالبني بإحضار الأنسولين حيث أن الأدوية غير موجودة في المركز، وعمر يعاني من ارتفاع بالسكري... فقلت له إذا أنتم غير قادرين على الاعتناء به فأعيدوه للمنزل".

يعيد ضابط الاحتلال الاتصال بوالد عمر والصراخ مطالبا إياه بإحضار الأنسولين فورا، وقد بدا عليه التوتر الشديد ما يشير إلى أن عمر يعاني من حالة صحية صعبة. قال خالد للضابط: "أنت الآن تتحمل مسؤولية ابني بالكامل عليكم انتم إحضار الأنسولين والعناية به .. أو أعيدوه لي وأنا أعرف جيدا كيف اعتني به"، فكان رد الضابط بأن اتهم خالد بالضغط عليه للإفراج عن عمر، ثم أغلق الهاتف بعد أن أبلغ الأب أنه سيواصل اعتقاله.

للمرة الثالثة، أعاد ضابط ثالث الاتصال بخالد مبينا له ضرورة إحضار الأنسولين فورا. ويقول خالد، "حققوا معه أربع ساعات وهم يعلمون أن السكري مرتفع قبل دخوله غرفة التحقيق.. والتحقيق معه وتخويفه أدى لارتفاع السكري بشكل كبير".

كان خالد يتوقع أن لا يجد صيدلية تعمل في تلك الليلة، خاصة أن الوقت كان فترة أعياد يهودية، لكن الضابط أبلغه بإحدى الصيدليات المناوبة مؤكدا أنها تعمل حتى تلك الساعة، ليرد خالد بأن الصيدلية أقرب لمركز شرطة الاحتلال وأن لديهم الكثير من المركبات ويستطيعون الوصول إليها أسرع منه، وأضاف مخاطبا الضابط، "هذه مسؤوليتكم".

لم يكتف ضباط مخابرات الاحتلال بما وصل له عمر من حالة صحية صعبة إثر اليوم الأول من التحقيق، فأعادوه مجددا في اليوم التالي للتحقيق وأخضعوه لجولة جديدة من الاستنطاق، "اتصل بي أحد الضباط وأخبرني أنه عمر متهم بإلقاء المولوتوف .. مدعيا أنه يوجد اعترافات على عمر وهو ما يدينه"، أوضح خالد اشتي.

محكمة الاحتلال عقدت خلال الأسبوع الأول من اعتقال عمر أربع جلسات للنظر في ملفه، وأبلغ خلالها خالد القاضي بضرورة السماح لعمر باقتناء الجهاز الطبي الذي يفحص له السكري ويزوده بالجرعة التي يحتاج من الانسولين، حيث اعتاد عمر منذ سنوات على فحص نفسه بشكل مستمر وتزويد نفسه بالجرعة التي يحتاج، فأمر القاضي بإعطاء الجهاز لعمر وأن يبقى بحوزته، إلا أن المحققين لم يطبقوا قرار القاضي.13140526_625141297642718_1575942370_n

علامات ارتفاع السكري بدت واضحة على عمر خلال جلسات المحكمة، ما زاد من قلق والديه اللذين باتا لا ينامان قلقلا على طفلهما. ويبين خالد، "عند دخول القاضي قاعة المحكمة تفاجأ من وضع عمر وسأل كيف تحضرون طفل لهنا.. أخبروه أنه يتجاوز 15 عاما فأكمل جلسة المحكمة .. فعمر يعاني من بطئ النمو ويبدو أصغر بكثير من عمره بسبب إصابته بالسكري".

لاعب كرة قدم محترف يسعى أن يصبح عمر، وكان قد حقق جزءا من حلمه مؤخرا بالسفر إلى اسبانيا والمشاركة في التدريب  لمدة أسبوعين مع فريقه المفضل "برشلونة"، أما اليوم وعمر في سجون الاحتلال فقد أصبح حلمه إبرة أنسولين تحفظ حياته.

13115399_625141720976009_1348599379_n