القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: شهور طويلة مضت ولم تجلس أسرة جودة الشاويش على مائدة الطعام، ولم تجتمع كباقي الأسر تحت سقف منزل واحد، فأفرادها مفرقين بين الاعتقال والإبعاد والحبس المنزلي، ولا يوجد يوم جمعة يجمعهم منذ وقت طويل.
ففي 29 نيسان الماضي، تلقى أحمد شاويش نبأ وفاة والده جودة بعد صراع طويل مع مرض السرطان؛ الدنيا تدور حوله وهو ما يزال مصدوما بالنبأ، غير قادر أن يخطو أي خطوة فهو مبعد بأمر من سلطات الاحتلال وممنوع من دخول بلدة القدس القديمة حيث منزله في حي باب حطة.
سارع أحمد وشقيقه محمود للوصول إلى المستشفى لعلهما يستطيعان توديع والدهما، منطلقان من بلدة أبو غوش غرب المدينة التي أبعدا إليها، وعلى إحدى الحواجز أوقف جنود الاحتلال الشابين، وقرروا اعتقال محمود بذريعة مخالفة قرار الحبس المنزلي المفروض عليه، فيما واصل أحمد طريقة ليلقي نظرة الوداع الأخيرة على والده، ويشارك في تشييعه قبل أن يتم اعتقاله في اليوم التالي خلاله استقباله المعزيين.
[caption id="attachment_91826" align="aligncenter" width="451"] اعتقال أحمد من بيت العزاء[/caption]اقترب أحمد من جثمان والده وهمس في أذنيه، "عذرا أبي .. أنت تعلم جيدا أني لم أفارقك إلا مجبرا من الاحتلال". فالأبناء الثلاثة لجودة لم يسندوا ظهره منذ أشهر، لم يصروا عليه كعادتهم على تناول الطعام، ولم يتسابقوا على إعطائه الدواء، كما لم يرافقوه إلى مراجعة الطبيب وأخذ جرعات العلاج الكيماوي، فثلاثتهم كانوا في السجن، وما أن أفرج عن اثنين منهم، حتى حولوا للإبعاد عن منزلهم.
خلال الأعياد اليهودية في كل عام، يصدر الاحتلال أوامر اعتقال وإبعاد لأبناء بلدة القدس القديمة، لمنعهم من التصدي للمستوطنين وانتهاك حرمة المسجد الأقصى، وقد طالت أبناء الشاويش كما كبيرا من هذه المضايقات.
يروي أحمد (25 عاما) لـ قدس الإخبارية، "إجراءات ليست بالجديدة، كل عام يقومون باعتقالي وشقيقي، حيث نخضع للحبس الفعلي في السجن أو يتم إبعادنا عن البلدة القديمة، وأحيانا يفرض علينا الحبس المنزلي".
الساعة الثانية فجرا اقتحمت قوات معززة من جيش الاحتلال منزل أسرة الشاويش، واعتقلت أحمد وشقيقه محمود (22 عاما). يضيف أحمد، " بقينا معتقلين حتى الساعة الخامسة مساء، حيث اعطونا قرارا بالحبس المنزلي لـ 15 يوما يتضمن المنع من دخول باحات المسجد الأقصى".
وما أن مضت عدة أيام حتى تم استدعاء أحمد مرة أخرى، "استدعوني وبعد أن أنهوا التحقيق معي سلموني قرارا بالإبعاد عن مدينة القدس لثلاثة شهور".
لا يذكر أحمد عدد المرات التي اعتقل فيها، فلا تمر مناسبة يهودية حتى يتم اعتقاله ويفرض عليه الحبس المنزلي او الإبعاد، إلا أن هذه المرة تعتبر الأطول والأبعد بحق أحمد، "بالمرات الماضية كان يتم إبعادي عن المسجد الأقصى ومحيط البلدة القديمة .. إلا أن هذه المرة كان الإبعاد عن المدينة".
هو العام الأصعب الذي يمر به أحمد في ظل مرض والده ثم وفاته وهو غير قادر أن يكون بجانبه، فيبين أنه وخلال اعتقاله أصيب والده بمرض السرطان، وما إن نال حريته بعد ستة شهور حتى أبعد عن أسرته. وإن كان أحمد استطاع رؤية والده للحظات فإن شقيقه الأكبر محمد لم يره منذ أربع سنوات، حيث يقضي حكما بالسجن لسبعة أعوام.
[caption id="attachment_91828" align="aligncenter" width="480"] محمد الشاويش خلال اعتقاله[/caption]"هذه المرة الثالثة التي سيمر رمضان فيها وأنا محروم من المسجد الأقصى، وسيمر العيد أيضا دون أن أكون مع عائلتي" يقول أحمد مقهورا. فيما تعلق والدته، "أحمد متعلق جدا في المسجد الأقصى ويحب التواجد فيه أكثر من تواجده في البيت .. رمضان لن يكون سهل عليه أبدا هذا العام وهو مبعدا عنه".
سنة كاملة وآمال الشاويش والدة أحمد (48 عاما) مفروض عليها الحبس المنزلي، أي ممنوعة من الخروج لشراء حاجيات المنزل، وممنوعة من أن ترافق ابنها الصغير إلى الطبيب إذا أصابته انتكاسة صحية، كما حرمت من مرافقة زوجها خلال مرضه إلى المشفى، فالاحتلال يفرض الحبس المنزلي المفتوح عليها، وهي تأمل أن يوضع حد له يوم 30 حزيران المقبل، حيث ستعقد محكمة الاحتلال جلسة للنظر في قضيتها.
آمال تتجاهل الحديث عن ما يفرض عليها من مضايقات، مصرة أن تستعرض ما يعايشه أبناؤها من عقوبات ظالمة من الاحتلال وأذرعه المختلفة، "أحمد عانى كثيرا، لا يمر عيد يهودي دون أن يتم اعتقاله وإبعاده، ضمن شبان البلدة القديمة الذين يتم اعتقاله... ليصدر بحقهم حبس منزلي أو إبعادهم خارج مدينة القدس".
وتشير الشاويش إلى أن نجلها محمود مبعد عن باحات المسجد الأقصى حتى العاشر من أيار، فيما أنهى حديثا الحبس المنزلي المفروض عليه، وتضيف، "يمر علينا ظروف صعبة جدا .. ولكن وجودنا داخل البلدة القديمة وفي جوار المسجد الأقصى يجعلنا نحتمل ونصمد ونصبر، فنحن لا نرضى أن نكون في مكان آخر".
اقتحامات ومداهمات يومية تنفذها قوات الاحتلال بشكل مستمر لمنزل الشاويش في حي باب الحطة، فتقوم بتحطيم الأبواب واقتحام المنزل عنوة على قاطنيه، "يخلعون الأبواب بالمعدات الثقيلة التي بحوزتهم .. ما يصيب من في البيت بالرعب الشديد، وخاصة أم زوجي المصابة بمرض السرطان حيث باتت تشعر بالخوف كلما دق باب المنزل".
وتضيف، "يقتحمون المنزل ونحن نيام، لا يمهلوننا حتى نرتدي ملابسنا أو نهيأ أطفالنا ... في إحدى المرات اقتحموا المنزل فوضعت الغطاء على رأسي، لأني لم أتمكن من ارتداء المنديل"، مشيرة إلى أنه كلما اقتحم منزلهم يتم تدمير محتويات المنزل والعبث فيه وتخريبه بشكل كامل.
ما ترتكبه سلطات الاحتلال بعائلة الشاويش لا يعبر سوى عن انتقامها من أهالي الأسرى. ويوضح الناطق باسم أهالي الأسرى المقدسيين لـ قدس الإخبارية، أن آخر اعتداءات الاحتلال طالت رانيا العباسي زوجة الأسير علاء العباسي المعتقل منذ (14 عاما) ويقضي حكما بالسجن لـ (60 عاما)، حيث اعتقلتها ليلا وأبعدتها عن مدينة القدس، مبينا أن رانيا محرومة من زيارة زوجها منذ اعتقاله.
ويقول أبو عصب، إن ما يفرضه الاحتلال بحق أهالي الأسرى من سياسات هدم منازل، وإبعاد، وحبس منزلي يأتي بهدف تطويعهم واستنزاف قواهم ليردعهم من القيام بأي شيء يضر أمن الاحتلال.
ويضيف، أن الاحتلال خلال الهبة الشعبية التي أعقبت إحراق الفتى محمد أبوخضير؛ شكل خلية أزمة مكونة من كافة الأذرع الأمنية الاحتلالية إضافة لبلدية الاحتلال في القدس، وكل شخص يعتقل يتم تزويد هذه الخلية برقم هويته، وإثر ذلك يلاحق بمخالفات البناء وأوامر الهدم بذريعة عدم الترخيص، والغرامات الباهظة، وتحرير مخالفات السير.
ويتابع أبو عصب، "تم شن حملات شعواء في بلدتي العيساوية وسلوان لحقت خلالها عائلات الأسرى وأصدر بحقهم مخالفات وغرامات باهظة".
ويشير أبو عصب إلى أن الاحتلال أصدر مؤخرا أمرا بهدم منزل عائلة الأسير المحرر عمر الشلبي، وقرر إبعاد زوجته عن القدس، كما أصدر قرارات هدم قبل عدة شهور لمنازل أسرى حاليين وأسرى محررين كعدنان غيث وشقيقه، إضافة لهدم منزل شقيق الأسير سامر العيساوي واستهداف العائلة من قبل بلدية الاحتلال بقطع المياه عنهم.