شبكة قدس الإخبارية

عبدالرحمن رداد.. أبلغ الجميع باستشهاده واحتفل معهم ليلة الرحيل

شذى حمّاد

سلفيت – خاص قُدس الإخبارية: متجاهلا الاعتقاد بأن الاحتفال بعيد الميلاد قبل موعده فأل سيء، دعا عبد الرحمن – ولأول مرة - أصدقاءه للاحتفال بعيد ميلاده السابع عشر قبل يوم من تاريخ ولادته، فالاحتفال غدا (في يوم ميلاده) لن يكون ممكنا.

حتى لا تفضحه عيناه، اختار عبد الرحمن رداد الاحتفال مع أصدقائه تحت أشجار الزيتون بعيدا عن الأضواء؛ قهقهاتهم تعلو وتعلو، الوقت يمضي بسرعة إلا أنهم أستأذنوا من عائلاتهم أن الليلة خاصة للاحتفال بعيد صديقهم، فلا يمكن المساس بها أو فرض شروط العودة باكرا للمنزل عليهم.

صباح اليوم التالي؛ أعدت أم عبد الرحمن الفطور لأطفالها وخرجت لاحتساء القهوة مع جاراتها، "نادى عليّ عبد الرحمن وأصر أن نشرب الشاي معا، وشاهدنا الأخبار والتي كان من ضمنها إعدام واحدة من مرابطات المسجد الأقصى"، تقول والدته متحدثة عن اللحظات الأخيرة قبل أن يغادر الشهيد منزله.

اغتسل عبد الرحمن وارتدى أجمل ملابسه وخرج لرؤية أحد أصدقائه كما أخبر والدته، "طبخت بامية لأنه يحبها، إلا أنه تأخر ولم يحضر ليتغدى مع أشقائه .. لم يتصل علي عبد كعادته، انقبض قلبي وشعرت بشيء غريب تجاهه حتى بكيت عليه دون أي سبب".

ساعات مضت على غياب عبد الرحمن قبل أن يصل نبأ استشهاده بعد تنفيذه عملية طعن في "بتاح تكفا" الواقعة شرق "تل أبيب". وتفيد الأنباء أن عبدالرحمن تسلل من الجدار الفاصل المقام على أراضي قريته، ثم طعن مستوطنا فأصابه بجروح متوسطة وارتقى شهيدا.

توضح أم عبدالرحمن، "قبل أيام من استشهاده، كان عبد الرحمن يتساءل كيف يدخل العمال من هذه الفتحة للوصول إلى الأراضي المحتلة"، وتضيف، "عندما كنا نقطف الزيتون، كان يقف عبد الرحمن ويتأمل الجبال والطريق التي يسكلها العمال.. كان يخطط من فترة طويلة وأنا لم أشعر به".

12895260_608752899281558_688564878_n

تتذكر والدة عبد الرحمن كلماته اليوم، وتجد أنه هيأها وأصدقاءه لتلقي نبأ استشهاده، لكن أحدا لم يأخذها على محمل الجد، "كان يصبيني الجنون كلما قال لي لا تبك علي إذا استشهدت... أعصب عليه وأخبره أنه أغلى ما أملك في الدنيا فيقلب الحديث إلى المزاح"، تروي والدة عبد الرحمن.

قبل أيام من استشهاده؛ دعا عبد الرحمن أحد أصدقائه وأقام له حفلة شواء في الخلاء وأخبره أنه سيتركها ذكرى له.. قال صديقه، "سأردها لك وأدعوك مرة ثانية"، فأجابه عبد، "لا يوجد أيام قادمة لتردها لي". تعلق الوالدة، "كان يلمح لنا جميعا لكن لا أحد منا كان يفهم ماذا يقول".

16

عبد الرحمن أحد الطلاب المتفوقين في قرية الزاوية قضاء سلفيت، وكان حلم والده أن يعلمه "هندسة كهربائية" في جامعة النجاح، ليصبح معينا له في عمله.

تبين أم عبدالرحمن، "في الفصل الأول تم تكريمه في المدرسة وأهدوه ملابس، فطلب من المدير التبرع بها لأحد الطلاب المحتاجين في المدرسة .. لم أعلم أنا ووالده عن هذا التكريم إلا من أحد أصدقائه، وعندما سألته عن الهدية قال لي أنه تبرع بها ولا يريد أن يعرف أحد".

وعن هوايات عبد الرحمن، تروي والدته، أنه كان مغرما بالألعاب الالكترونية وخاصة التي تتضمن إطلاق النار، "مرة حاول أن يعلمني كيف ألعبها إلا أنني لم أستطع، فطلب مني ان أجلس بجانبه وأشاهده كيف يطلق النار على الأعداء في اللعبة".

فخورة ومعتزة بنجلها تروي أم عبد الرحمن التي استعادت قوتها أخيرا؛ بعد بقائها أياما تحت تأثير الصدمة التي أصابتها عند تلقيها الخبر، حيث أصيبت بحالات إغماء متتالية قبل أن تتعافى، تقول، "رغم سنه الصغير إلا أنه رجل، كان هادئا وخلوقا ومهذبا جدا.. لايوجد شخص في الزاوية زعلان من عبد".

"حبيبي عبود لم يكن يرفض لي ولوالده طلب، وكان يذهب مسافة بعيدة ليسقي أغراس الزيتون الجديدة دون أن يشتكي... كان طويعا لنا، ولم يكن يؤجل شيئا مجرد ما طلبنا منه يقوم وينفذ فورا". هكذا حاولت أم عبد الرحمن تلخيص شخصية ابنها، كما أشارت إلى أنه التزم من تلقاء نفسه النوم في بيت جدته حتى لا يتركها وحدها. واليوم تنام الجدة ودموعها لا تجف على فراق حفيدها الحنون المميز.

1-1

يصرخ عبدالرحمن كلما شاهد اعتداء جنود الاحتلال على المرابطات، "لا يوجد أحد يمنعهم ويتصدى لهم؟". وتقول والدته إن مشاهد اعتداء المستوطنين وقوات الاحتلال على المرابطات والنساء بالقدس كانت أكثر شيء يستفزه.

وكلما انتشر خبر عن مقتل أحد جنود الاحتلال إثر عملية طعن او دهس، كان عبد الرحمن يشتري الحلوى من مصروفه الشخصي يوزعها على عائلته وأصدقائه، وهذا ما جعل والدته تعيش في قلق دائم عليه خوفا من اعتقاله.

"نيال الشهيد، سيذهب عند الله إلى الجنة"، يعلق عبد الرحمن كلما سمع خبر ارتقاء أحد الشهداء، وتقول أم عبدالرحمن، "كنت أجلس وأتأمله..  كنت سعيدة داخليا لاهتمامه وانتمائه ولكن لم أكن أعلق على كلامه".

وتواصل سلطات الاحتلال احتجاز جثمان عبد الرحمن منذ ارتقائه، أما أمه فلم تجف دموعها منذ ذلك الحين ألما لاحتجاز جثمان نجلها في ثلاجة، "أريد أن أراه وأودعه.. إلا أنني أؤمن أنه الآن في جنان الفردوس عند الرحمن". ومن حين لآخر يزور عبدالرحمن والدته في أحلامها، "آراه في أحلام مبتسما وسعيدا ويقول لي لا تحزني ولا تبك فأنا في الجنة".

1-6