القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: ضم تراب المسجد الأقصى قطعا منه، وكم كان هذا حلم كثيرين لم ينالوه. فأحدهم (نتحفظ على كشف هويته) جمع قطعا من لحمه تناثرت في موقع استشهاده، وأخذها سرا ليدفنها في تراب المسجد الأقصى، بعد أن اختطف الاحتلال جثمانه ونقله إلى ثلاجاته.
ظهر الثامن من آذار استيقظ فؤاد أبو رجب التميمي المنهك من العمل ليلا، على صوت شقيقه التوأم يناديه بلقبه الذي يحب "أبا"، نفض النعاس عن عينيه متوجها إلى المطبخ حيث أعد فنجان القهوة المعتاد على احتسائه مع والدته، فيما أذاب حبة الدواء في كأس ماء قدمها لجدته المريضة التي حرص أن يطعمها بيديه كما اعتاد أن يفعل كل يوم.
انتشر نبأ استشهاد المرابطة فدوى أبو طير، بعد تصفيتها قرب باب الحديد في بلدة القدس القديمة، ليصل إلى فؤاد أثناء خروجه إلى العمل، وقبل أن يكمل طريقه ذهب لإلقاء التحية على والده، "سمعت يابا كيف قتلوا مرابطة على أبواب الأقصى؟" سأل فؤاد (21) عاما والده، "صحيح يابا، دير باك على حالك وما تروح على البلدة القديمة" أجابه والده.
"أوصيته ألا يذهب للبلدة القديمة خوفا من افتعال الجنود المشاكل معه، لأني أعرفه جيدا أنه لا يعمل مشاكل مع أحد، ولكن هم من يضايقونه دائما"، يقول ألكساف التميمي والد فؤاد، مضيفا، "بعد أن ذهب بوقت قصير حاولت الاتصال عليه، إلا أنه ولأول مرة يغلق هاتفه ولا يجيب على اتصالي".
في تمام الساعة الخامسة مساء، قلب فؤاد شارع صلاح الدين إلى ميدان معركة ثأرا للشهيدة أبو طير، فخاض اشتباكا مسلحا مع قوة من جيش الاحتلال، ارتقى على اثرها شهيدا بعد أن أصاب جنديين أعلنت مصادر إسرائيلية عن مقتل أحدهما ثم تراجعت عن الخبر، قبل أن يتم إعلان حظر النشر حول العملية ونتائجها.
تلقى والد فؤاد اتصالا هاتفيا من جهاز المخابرات استدعاه فيه الضابط فورا إلى أحد مكاتبه وسط القدس، "سألني أولا عن أبنائي، وأخبرته أنهم في المنزل فيما فؤاد ذهب إلى العمل، وطلب مني الحضور لمكتب شرطة البريد بأسرع وقت".
بدأت جولة التحقيق مع أبو فؤاد الذي اعتقد في البداية أن الأمر متعلقا بأوراق لم الشمل التي يسعى لاستكمالها، فيما نبرة المحققين ورغم أسئلتهم الروتينية تشير لغير ذلك، فقد كان الجنود يتهامسون "هذا والد المخرب".. فيما يحاول والد فؤاد إبعاد كل الشكوك التي تتسلل لعقله، وإقناع نفسه بأن كل أبنائه بخير ولن يفقد أحد منهم.
"في الساعة الثامنة مساء نُقلت إلى سجن المسكوبية لتبدأ جولة تحقيق جديدة امتدت لأكثر من ثلاث ساعات معي ولكن هذه المرة عن فؤاد فقط"، في اليوم التالي وخلال جولة تحقيق جديدة تلقى ألكساف نبأ استشهاد نجله بعد تنفيذه عملية فدائية، ليواصل الاحتلال اعتقاله لـ 11 يوما، "حققوا معي على أساس أني بعثت فؤاد لتنفيذ العملية، وذلك لأني حاولت الاتصال عليه عدة مرات في ذاك اليوم حيث لم يجب على أي اتصال".
بدأ الاحتلال يبحث عن عقاب يوقعه بعائلة فؤاد، فوجد أنها تمضي في أوراق لم الشمل ضمن إجراءات قانونية منذ عدة سنوات، "ضباط المخابرات وخلال اعتقالي استدعوا كل أفراد العائلة، وأبلغوا زوجتي أن أبنائي الكبار مبعدين عن مدينة القدس، فيما تستطيع وأبنائي الأربعة الأطفال البقاء في المدينة.. وهو ما رفضته زوجتي مصرة أن تبقى الأسرة مع بعضها".
خرجت ميساء وأبناءها الثمانية من بيتهم من قرية العيساوية شمالي القدس، وهم لا يحملون سوى بعض قطع من ملابسهم حيث أن قوات الاحتلال حطمت كل محتويات المنزل، ثم استقرت العائلة في منزل الجدة بمنطقة كفر عقب.
فؤاد كان معيل العائلة ورجلها الثاني، حيث يساعد والده على الحياة المعيشية الصعبة التي تمر بها الأسرة في ظل واقع القدس الاقتصادي، يقول والده، "انسان بسيط ولكن شجاع، رجل بمعنى الكلمة.. محبوب، خلوق، مطيع لوالديه، حنونا على أشقائه وكل من حوله"، مضيفا، "كان يقول لي يخي، فهو كان سندي وصديقي وأخي وابني وكل شيء".
لم يكن هاتف ميساء التميمي يتوقف عن الرنين إذا خرجت من المنزل، ففؤاد يخاف على والدته كثيرا، "وانا في طريق عودتي للمنزل كان فؤاد يبقى معي على الهاتف حتى أصل"، تقول والدته.
كان فؤاد الأب الثاني لأشقائه يفيض بحنانه عليهم، واليوم كلما دق الباب ركض شقيقيه عمرو وعمر ليفتحاه متوقعان أن فؤاد قد عاد. تضيف والدته، "في أحد الأيام قال لي أنه يريد أن يتزوج، وبدأ بالإدخار، إلا أنه وبعد مرور وقت من الزمن أخبرني أنه يدخر ليحسن وضع العائلة المادي".
فيما تروي جدته، أنه كان يداوم على زيارة أقاربه يوميا، "عز علينا جميعا، كان بسيط وحنون علينا، كان يعامل جيرانه كما يعامل أشقاءه... كان مميزا بين أحفادي كل الكل بالكل بالنسبة لي"، تنهار باكية مجددا، "فخورة فيه لأنه شهيد، ولكن الفراق صعب... والله الفراق صعب، أشتاقه وافتقده كثيرا".
[caption id="attachment_88433" align="alignnone" width="600"] جدة الشهيد فؤاد ووالدته[/caption]قبل استشهاد فؤاد بثلاثة أسابيع وأثناء تواجده في بلدة القدس القديمة، مر عن مجموعة من جنود الاحتلال وقد أوقفوا فتاة استنجدت به وكانت خائفة، "تدخل فؤاد مدافعا عن الفتاة، ليتعرض للضرب المبرح من قبل الجنود.. جاء على المنزل وعلامات الضرب والكدمات في كل جسمه وأخبرني بما حدث معه"، يقول والد الشهيد فؤاد.
ولمرات عديدة مؤخرا أوقف جنود فؤاد خلال مروره في شوارع القدس، وأخضعوه للتحقيق الميداني وتأكدوا من الأوراق الثبوتية التي يحملها، يقول والده، "ضابط المخابرات وخلال التحقيق معي أخبرني أنه لم تكن هناك أي شبهات أمنية أو جنائية على فؤاد؛ فكيف قرر القيام بعمليته؟! أجبته أن ما يراه على التلفاز من قتل وتصفية هو ما أغضبه، فاتهمني أنني سمحت له بمشاهدة ذلك، ولامني لأنني لم أمنعه".