مخيم قلنديا – خاص قُدس الإخبارية: متفحصان الصور، صورة صورة، تجول الطفلان في المعرض ثم توقفا أمام صورة مسلح مثلم في تشييع أحد الشهداء في مخيم قلنديا، مشيرا أحدهما إليه قال، "لما أكبر بدي أصير فدائي".
على غير العادة، المعرض أصبح مزدحما بالأطفال من إناث وذكور، يتوقفون مرة أمام صور المسلحين الملثمين، ومرة أخرى أمام صور الشهداء، ومرة ثالثة عند مجموعة من المقتنيات الخاصة بالعمل الصحفي.
يمد أحدهم يده ليلمسها فقط، يأتي تحذير من الخلف فيسحب يده، فهذه المقتنيات مقدسة، كيف لا وهي ما ورثهُ المخيم من الشهيد أحمد جحاجحة (21 عاما) الذي ارتقى بتاريخ 16/كانون أول الماضي.
أحمد جحاجحة أحد طلاب الكلية العصرية والذي كان متوقعا تخرجه هذا الصيف، اعتاد أن يوثق يوميات مخيمه بالصور، وقرر أن يكون مشروع تخرجه معرضا يحتوي هذه الصور، ليُنظم اليوم هذا المعرض بعنوان "الفجيعة والأمل"، تلبية لحلم الشهد.
الصور وإن كانت متكررة لحياة الفلسطيني السياسية والاجتماعية، فهي ليست بالعادية فقد التقطت بعدسة شهيد، فأنت ستسطيع أن ترتدي عيني الشهيد أحمد جحاجحة وترى مثل ما كان يرى، بشاعة جنود الاحتلال وبنادقهم، جمال الثائر الملثم، ودمعة وداع الشهداء.
مؤمن مطر (12 عاما) يتنقل من صورة لصورة وقد أرخى لعينيه لتفحصها، يقول، "جئت لأرى صور الشهداء، شهداء المخيم كليث الشوعاني وأحمد أبو العيش، وأهم شيء الشهيد جهاد أصلان... أتمنى أن يدخلوا الجنة جميعا"، ويضيف مؤمن، "يقتلون الأبطال لكي ننسى الوطن، ولكن نحن لن ننسى وطننا فلسطين يوما".
"جئت على المعرض لأرى ماذا يفعل الفلسطينيون وهم يقاومون الاحتلال" يقول الطفل أحمد أصلان (13 عاما)، مضيفا، "سأكون في المستقبل فدائيا وطنيا حتى أدافع عن فلسطين".
ويتابع أصلان، "لن ننساهم ولن ننسى ماذا قدموا، وأتمنى أكون شهيدا مثل شهداء المخيم الذين ارتقوا، وأصبح شقيقهم في الجنة".
وتعلق ميساء عياد أحد أعضاء مركز قلنديا الإعلامي القائم على المعرض، "أطفال مخيم قلنديا من أكثر الفئات في المخيم التي تعاني من اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته"، مضيفة، "كل الأطفال الحاضرين للمعرض، يعرفون كل الشهداء الملتقطة صورهم هنا، كما يعرفون أزقة المخيم، ويعرفون كل صورة أين التقطت".
الكثير من أطفال المخيم فقدوا أشقاءهم وآبائهم برصاص الاحتلال، وتعلق ميساء، "مخيم قلنديا يتعرض بشكل مستمر لاعتداءات الاحتلال وانتهاكاته اليومية، وهؤلاء الأطفال هم أول من يتعرض لهذه الاعتداءات".
وعن معرض "الفجيعة والأمل" وتسميته، توضح ميساء، أن الفجيعة لرحيل الشهداء، والأمل في الحياة، مشيرة إلى أن العنوان اختاره أحمد قبل استشهاده وكان حلمه، "المعرض يضم صور الشهداء، صور الحياة اليومية في المخيم، كما يوجد زاوية خصصناها لصور أحمد مذ كان طفلا، وزاوية أخرى لمقتنياته".
كوفية ملطخة بدماء أحمد وضعت ليراها الحاضرون للمعرض، فيما تتحدث ميساء عن الشهيد قائلة، "أحمد كان بشوشا صاحب ابتسامة لا تغيب، كان شابا طموحا ومتميزا .. اخترنا إقامة هذا المعرض بالتزامن مع عيد الأم، لتكون هدية بسيطة نقدمها لأم الشهيد".
حريصة أن تبقى روح أحمد تحوم حولها؛ علقت والدته صورته في عنقها، لتصل هناك قرب قلبها، ويسمع أحمد لدعواتها، واشتياقها له، وحزنها على فراقه، بفخر يملأ عينيها وقفت تستقبل القادمين للمعرض وتقول، "كل هذه الصور صورهم أحمد قبل أن يستشهد".
وتضيف، "كان يحمل الكاميرا بكل الأوقات ويقوم بتصوير كل شيء في المخيم، تحضيرا لمشروع تخرجه الذي كان مقرر أن يكون في الصيف .. كان يحب العمل الصحفي كثيرا، وقبل أن يلتحق بالكلية أخذ دورة تصوير وكان مبسوط .. الله يرضى ويرحمه".
وعن أحمد، تقول، "كانت شخصيته قوية، ويستطيع عمل كل شيء، كان مجتهد في الكلية، وحنونا في البيت، وأي شيء بحاجة لتصليح يقوم بتصليحه.. كما كان متطوعا في مركز قلنديا الإعلامي"، مؤكدة أن السائل عن أحمد لن يجد شخصا في المخيم أغضبه أحمد يوما، "فقد كان محبوبا للجميع ومقربا منهم".
ربيع امطير أحد أصدقاء الشهيد أحمد يقول، "الشهيد كان مؤدبا وخلوقا، كان التصوير هوايته كما كان أحد مؤسسي مركز قلنديا الإعلامي.. كان دائما متواجدا في كل الأحداث التي تدور في المخيم ومحيطه ليوثق بكامرته كل ما يدور"، مضيفا، "أحمد خسارة كبيرة للمخيم، فقد كان فعال ونشيط .. وكل الصور الموجودة في المخيم تثبت ذلك".
ويتابع ربيع، "أحمد كان شخص أنيق جدا وجميل، كذلك أخلاقه، وكان فاعلا اجتماعيا وترك بصمته الخاصة فقد كان متميزا في كل المجالات".
وكان أحمد يطمح بأن يصبح أحد الصحفيين الكبار والمؤثرين، كما كان يحلم أن يكون له معرضه الخاص، لكنه ارتقى قبل تحقيق الحلم الذي أصر أصدقاؤه ومخيمه أن يقيموه ليورثوا شجاعة أحمد للأطفال مخيم قلنديا والأجيال القادمة.