منذ أن اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 كعضو مراقب فيها، والمنظمة تنشط في إقامة ممثليات لها في الدول التي تسمح بذلك، وبلغت تلك الممثليات قرابة المائة في مختلف أنحاء العالم. ولم ترتق أي من الممثليات إلى مرتبة سفارة إلا عام 1979 عندما طردت إيران السفير الصهيوني من طهران وحولت سفارة الصهاينة إلى سفارة فلسطين. ونشطت حركة افتتاح السفارات بعد قيام السلطة الفلسطينية التي رأت أنها أصبحت كيانا تعترف به العديد من الدول، فتكاثرت السفارات ومعها تكاثرت الممثليات. ويبلغ عدد السفارات أو البعثات الدبلوماسية الفلسطينية المنتشرة في العالم الآن حوالي 94 بعثة وفق الإحصاءات المتوفرة لدي، وهي موزعة كالتالي: 25 بعثة في أفريقيا، 25 في آسيا، 32 في أوروبا، 5 في أميركا الشمالية، 6 في أميركا الجنوبية، وواحدة في أوقيانوسيا. هذا فضلا عن الوفود والمكاتب التمثيلية التي تمثل السلطة الفلسطينية في بعض الدول التي لا تعترف بدولة فلسطين أو تعترف بها جزئيا، وهناك وفود ومكاتب تمثيلية في عدد من المنظمات الدولية.
"السفارات الفلسطينية في عمومها فاسدة وتدار بطريقة "فهلوية" معتمدة على الوساطات والمحسوبيات والتمييز بين الفلسطينيين، هناك سوء إدارة وعجرفة من قبل الموظفين تلحق الكثير من الأذى بأفراد الجاليات الفلسطينية"
تقدر نفقات البعثات والممثليات الفلسطينية بحوالي 200 مليون دولار سنويا، ونحن ننتظر إعلانا رسميا حول الميزانية المرصودة للتمثيل الخارجي. سمعة سيئة تناول العديد من الكتاب الفلسطينيين السفارات الفلسطينية في الخارج محاولين تلمس مستوى أداء هذه السفارات ومعاملتها مع الفلسطينيين المراجعين. فمثلا كتب عدلي صادق منذ زمن حول أداء هذه السفارات موجها عددا من الانتقادات، وكتب رؤوف أبو عابد حول ما سماه الفساد بعيون وقحة في هذه السفارات. وكتب أيضا محمود عريقات مقالا في المستقبل بعنوان: "الطفيليات في السفارات الفلسطينية،" شارحا فيه بعض أوجه الفساد والتقصير. وكتب آخر مقالا بعنوان: "سفاراتنا: الفساد بأظافر وأنياب،" وكتب هشام ساق الله في طوابق: "الشعب يريد تغيير السفراء." وكتب آخرون حول ذات المسألة مثل سامي الأخرس ومحمود جودة ورشيد شاهسن.
أما الدكتور فهمي شراب فقد كتب عددا من المقالات منها "بعض سفارات فلسطين وصمة عار،" تحدث فيها عن فساد سفارات فلسطين في الخارج، وعن إهمال السفراء وإساءاتهم للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. وقد قرأت عددا من الردود على هذه المقالات ولم أجد فيها ردا علميا يقارع الحجة بالحجة، ووجدت فقط كما من السباب والشتائم والاتهامات بالخيانة للوطن والشعب. الدكتور شراب أورد وقائعا، بينما لم يورد شاتموه ما يفندها. لقد استمعت للعديد من الفلسطينيين الذين درسوا في دول كثيرة تتواجد فيها بعثات دبلوماسية فلسطينية، ولاحظت أن هناك شبه إجماع بين الطلبة الفلسطينيين على التنديد بالسفراء والسفارات، فقط هناك شخص واحد ذكر هذه السفارات بخير. ووجدت من خلال المقالات التي قرأتها والأقوال التي استمعت إليها أن السفارات الفلسطينية تتميز بالأمور التالية: 1- السفارات فاسدة في عمومها وتدار بطريقة "فهلوية" معتمدة على الوساطات والمحسوبيات والتمييز بين الفلسطينيين، هناك سوء إدارة وعجرفة من قبل الموظفين تلحق الكثير من الأذى بأفراد الجاليات الفلسطينية. 2- السفارات الفلسطينية -وفق وصف المتحدثين- أوكار للفاسدين والفاشلين والمتعصبين لتنظيم معين، وهم يستعملون السفارة لتحقيق مآرب شخصية هي في الغالب شهوانية. 3- موظفو السفارة يعملون في الغالب بالتجارة، ويستغلون مناصبهم وتمثيلهم لتمرير مصالحهم التجارية التي تتعمق مع الزمن مع تجار محليين. 4- السفير مشغول غالبا باللهو والمتع، وقلما تشغل باله القضية الفلسطينية. وبعض السفراء لا يكلفون أنفسهم حتى عناء حضور محاضرات وندوات حول القضية الفلسطينية. 5- يتميز الموظفون عموما بسوء السلوك وبأخلاقيات على درجة منخفضة جدا مما يسيء للفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وبعض الموظفين يعملون بالتهريب ويسيئون لاقتصاد البلد المضيف. 6- قلما يكترث موظفو السفارات بالمراجعين الفلسطينيين، ويتعاملون معهم بنوع من الخشونة والجلافة. 7- قدرة الموظفين عموما على إقامة العلاقات العامة القويمة مع السكان ضعيفة مما يؤثر سلبا على فهم الآخرين للقضية الفلسطينية. 8- بصورة عامة، هناك تذمر واسع من أداء السفارات الفلسطينية، وهي وفق الأقوال التي تكرر سماعي لها تعطي صورة سلبية عن الشعب الفلسطيني.
"يشير تخطي المحرمات الفلسطينية والولوج إلى الموبقات الوطنية إلى أن الوطنيين الفلسطينيين وأصحاب الأخلاق الراقية لا يمكن أن يتعاملوا مع اتفاق أوسلو. تطبيق اتفاق أوسلو والدفاع عنه يتطلب أخلاقا غير وطنية وممارسات ترتقي إلى الفساد"
وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي ينفي الأقوال التي تنتقد السفراء والسفارات ويقول إنه لا يوجد فساد في السفارات. وهنا أضيف تعليق بعض أعضاء الكنيست الصهيوني الذين زاروا موسكو يوما ودعاهم السفير الفلسطيني إلى طعام العشاء. قالوا إنهم جلسوا في المطعم ونظروا بذهول إلى أنواع وكميات الأطعمة التي أخذ عاملو المطعم يضعونها على الطاولة. قالوا أيضا إنه لم يكن على طاولة العشاء سوى ثلاثة، والطعام الذي وضع يكفي لأكثر من عشرين فردا، وهو من أشهى الأنواع. احتج أحدهم على الوضع قائلا إن هذا الطعام مكلف ويكفي عددا كبيرا من الناس، ولا يجوز أن يتحمل الشعب الفلسطيني التكاليف، فرد عليه السفير قائلا إن هذا الطعام من أموال الصمود، فكلوا واستمتعوا لكي تصمدوا مع الصامدين. جدلية أخلاق أوسلو تجاوزت القيادات الفلسطينية في اتفاق أوسلو كل المحرمات الفلسطينية، وداست على المواثيق والقرارات والشعارات الفلسطينية وعلى دماء الشهداء، وعلى كل ما هو مقدس لدى الشعب الفلسطيني.