لا يمكن تخيل أن يصل العقاب الجماعي لمعاقبة قرية كاملة لأن أحد أبنائها نفذ هجومًا ضد مستوطن إسرائيلي. هذا بالضبط ما يحدث الآن وهو ما تقوم به حكومة الاحتلال. حيث لم تتوانى قوات الاحتلال عن محاصرة قرية كاملة في إطار حملتها الأمنية بالضفة الغربية للرد على عمليات استهدفت مستوطنين وجنود إسرائيليين.
خلال الأسابيع الماضية، تكررت الإجراءات هذه مرتين، كرد على هجمات استهدفت الاسرائيليين.على سبيل المثال، فرضت قوات الاحتلال حصارًا على قرية نحالين بعد أن اشتبهت بقيام فلسطيني بطعن أحد المستوطنين. وقبل ذلك فرضت حصاراً مشابها على بلدة قباطية بعد أن نفذ ثلاثة شبان فلسطينيين عملية في القدس.
وكانت قوات الاحتلال قد وضعت رام الله تحت حصار جزئي خلال شهر كانون ثاني الماضي في خطوة لمعاقبة منفذي عمليات إطلاق النار على حواجز الاحتلال.
وتأتي هذه الطريقة الجديدة في التعامل مع الفلسطينيين ضمن أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، والتي أودت بحياة 165 فلسطينيًا و26 إسرائيليًا منذ تشرين أول الماضي.
من منظور أمني أدت هذه الإجراءات إلى نتائج عكسية، لأنها ينظر إليها حتما كعقاب جماعي، فما علاقة قرية بأكملها لتعاقب على هجوم نفذه أحد أبنائها؟ ولماذا يجب محاصرة شعب بأكمله ردًا على "أعمال عنف" قد لا يكونوا قد شاركوا بها؟ وكيف يمكن للإحباط والخنق والإذلال إلحاق نتائج غير زرع الكراهية والعداء في نفوس الفلسطينيين؟
ورطة الاحتلال تقوم على الحواجز والأسوار لا في حلول تعتمد على أرض الواقع، هي نزاع حول الأرض والمواد والتحرر من الاحتلال، والناس سيجدون دوما وسيلة أخرى للالتفاف بعيدًا عن هذه الحواجز للوصول إلى ما يريدون.
وفي رد من نتنياهو على التهديدات التي تحيق بـ"إسرائيل" من الخارج، قال نتنياهو أنه ينوي إحاطة "إسرائيل" بسياج لحمايتها مما وصفها بـ "الحيوانات البرية" المحيطة بها.
هذا التصريح يكشف بشكل واضح الدوافع الإسرائيلية وراء سياسات الحواجز والحصار، وهذه كانت سياستها مع الخارج منذ البداية بدل التعامل مع الجوار. وهي وجهة نظر لخصها ايهود باراك سابقا بشكل أفضل حين وصف "اسرائيل" بالفيلا المحاطة بغابة ويجب حمايتها.
هذا ليس شعور خاص بـ"اسرائيل" فحسب، بل تشاركها فيه الكثير من الدول الأوروبية التي تقوم على هستيريا كبيرة بشأن أزمة اللاجئين. واستعاروا عن ذلك بحشد نظريات عن جحافل المسلمين الذي يحتشدون في الدول الأوروبية واصفين إياهم بأوصاف إرهابية وعنيفة. وحين يتحدث نتنياهو عن جيرانه العرب على أنهم "وحوش برية" فهو بهذا يبرز بعض الشعور الأوروبي السائد حول الآخرين.
لكن ضمن السياق الإسرائيلي، فإن عمليات العزل هذه تأتي ضمن منطق الحدود المضافة للدولة. وهو في كثير من الأحيان أمر غير مرئي يقود إلى فصل وتقسيم المجتمعات اليهودية وغير اليهودية.
هذه قناعة تتواجد في داخل عقل الإسرائيلي، فعمليات غربلة اللاوعي والفرز على مستويات المجتمع الاسرائيلي، والأسئلة دومًا تحتاج إلى إجابات، هل أنت واحد منا أو منهم؟ هل لديك لهجة مختلفة؟ هل تبدو وكأنك من الأعداء؟
وبطبيعة الحال هناك حدود واضحة من الجدران والحواجز والحصار والجدران وأبراج المراقبة والأسلاك الشائكة التي ترمز إلى الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها في الوقت نفسه تحصر "إسرائيل" ضمن حدود صغيرة. وهو ما أشار إليه المهندس المعماري الإسرائيلي إيال وايزمان في كتابه عن تعريف المباني التشغيلية لسياسات "إسرائيل" التي تنحصر داخل الطوب والمتاريس وحواجز الاحتلال. المشاعر السياسية التوجيهية هي جزء من الهيكل الأساسي لـ"اسرائيل" وباتت تشارك الآن في المناظر الطبيعية المادية لـ"إسرائيل".
المشكلة في هذا ليست في سياسات الحواجز فحسب؛ بل انها تؤثر على محاولات الاحتواء التي يقوم بها الاحتلال، فهو من خلال عمليات الاغلاق هذه سيحصر عدد المشاركين في عمليات التنمية والتطوير بمن هم داخل المناطق المسموح بالتواصل عبرها وهو ما سيدمر أي جهد للتواصل الإنساني.
وبعد هذا؛ ما هو القادم؟! كتب أشير شيشتر في عموده بصحيفة "هآرتس" واصفا النتجية لتصرفات نتنياهو بالملجأ المحصن من القوات الجوية الألمانية.
المصدر: ميدل ايست اي - ترجمة: هيثم فيضي