شبكة قدس الإخبارية

يسمع صوت الرصاص في جسده ولا يسمع أحد أنينه!

شذى حمّاد

القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: أنينه لا يتوقف، فالرصاص ما زال يشق طريقه بين عظام جسده، مستغلا برد الزنزانة ليلا ليصعد من تعذيبه، فيما فقدت المسكنات تأثيرها؛ الوجع يزداد وأنينه يرتفع، ليستقيظ الأسرى حوله متمنين أن ينزل الله بين أيديهم معجزة تشفيه.

ففي السادس من آب الماضي، خرج رائد أبو بدوان (52 عاما) من منزله بخطواته الواثقة وهدوئه المعتاد، واعدا عائلته أنه لن يتأخر بعد العمل؛ يشغل مركبته وينطلق إلى هدفه المدروس، الهدف الذي شده من قرية بدو شمال غرب رام الله إلى شارع 60 الاستيطاني حيث سينفذ عملية دهس لمجموعة من الجنود المتمركزين بمحاذاة قرية سنجل.

أربعة جنود أصيبوا بينهم جنديين وصفت إصابتهما بالخطيرة، قبل أن يمطر آخرون رائد بالرصاص الحي فتستقر خمس رصاصات في جسده، ليفقد إثرها سيطرته على مركبته التي انقلبت وبقي محاصرا بداخلها لساعات دون أن يسمح للإسعاف الفلسطيني بتقديم العلاج له، فيما تجاهله المسعفون الإسرائيليون.

ramallah

أكثر من 20 يوما ولا معلومات تصل العائلة عن أبو بدوان المحتجز في مستشفى "شعاري تصيدق" الإسرائيلي، قبل أن تتمكن خولة عبد الرحمن من الحصول على  تصريح لزيارة زوجها والاطمئنان على حاله.

وتقول خولة، "كان في حالة غيبوبة طيلة الأيام الماضية، ولكن عندما زرته كان مستيقظا وتمكن من الحديث معي، وأخبرني أنه لم تقدم له سوى الاسعافات والرصاص ما زال مستقر فيه".

الأسير رائد خضع لتحقيق قاس دون مراعاة وضعه الصحي على مدار 15 يوما؛ عقد اثرها الاحتلال أربع جلسات محاكمة لتدوال قضيته، فيما رائد لم يعترف بعد بأي من التهم المنسوبة له، ليستدرجه أحد عملاء الاحتلال داخل ما يسمى "بغرف العصافير" وينتزع منه كامل التفاصيل التي أقر فيها أنه نفذ عملية الدهس.

العملية الفدائية التي نفذها الأسير أبو بدوان جاءت بعد أيام قليلة من ارتكاب المستوطنين مجزرة حرق عائلة الدوابشة في قرية دوما في مدينة نابلس، ويعتقد أنها كانت الدافع الرئيسي لتنفيذه العملية للثأر للشهداء الثلاثة.

"نعيش حالة من التوتر والخوف الكبير عليه، وأنا اصبت بارتفاع الضغط والآن أقضي نصف وقتي بين عيادات الأطباء، والنصف الآخر بين مكاتب المحامين والمؤسسات الحقوقية"، تضيف خولة. ولا يقتصر الأمر هنا فقط، فالاحتلال قرر إنزال انتقام جماعي على أبناء وأشقاء الأسير بدوان بمصادرة تصاريح العمل منهم ومنعهم من دخول الأراضي المحتلة عام 48.

أبناء الأسير الستة يفتقدون والدهم في كل تفاصيل حياتهم، فرغم أنهم كبروا واستقر كل منهم في منزله الخاص، إلا أنهم بقوا الأقرب من والدهم الحنون، فتقول خولة، "كان يزور ابنته الكبرى في كل وقت، وبقي يخصها بما يتوفر في جيبه من مال، هي الان تفتقده في كل دقيقة، وكلما تذكرته تبدأ بنوبة من الصراخ والبكاء والنداء على والدها"، مبينة، أن زوجها الأسير كان حنونا على أفراد العائلة، وكان من عاداته اليومية أن يرسل الفطور لشقيقته كل يوم قبل ذهابه للعمل.

أما أحفاد الأسير الثمانية، فكلما مرت سيارة ينادون، "جاء سيدي، جاء سيدي"، فيما لا تنتهي أسئلتهم عن سبب غياب جدهم، "أين سيدي؟ متى يعود للبيت؟"، وترجع الجدة إصابة أحد أحفادها بضرر بأعصاب عينه، نتيجة حزنه على غياب جده المفاجئ.

وليبقى ذكر رائد لا يغيب عن منازل العائلة، بدأ أفرادها بمنح موالديهم اسم "رائد" نسبة إلى الأسير، فيبين محمد بدوان ابن شقيق الأسير، أنه وابن عمه سميا ابنيهما اللذين ولدا حديثا بهذا الاسم، حتى لا يغيب ذكر الأسير عنهم، وتتناقل الأجيال قصة ابن عائلتهم الفدائي البطل الذي ثأر لدماء الشهداء.

702785_587308921425956_470561272_n 12714148_587308494759332_1563122070_n

ويقول محمد أن عمه رائد، كان محبوبا في العائلة كما كان شخصا مؤثرا فيها، فلم يكن يتوانى عن مساعدة أحد ولو كان على حسابه وأسرته، "نفقده في كل لحظة، كان ينادينا لنشرب الشاي أو القهوة معا، وكان يعزمنا على الغداء، كما كان يعيرنا مركبته .. لقد كان محبوبا للعائلة ولأصدقائه ولأهل القرية".

وعن علاقته بالقدس والمسجد الأقصى، يروي محمد أن عمه كان يستغل كل فرصة تتيح له انتزاع تصريح من سلطات الاحتلال لزيارة مدينة القدس، ليقضي كل وقته فيها وفي باحات المسجد الأقصى، فيما كان حريصا دائما على اصطحاب صغار العائلة والإلحاح على باقي أقاربه للحضور.

ويقول، "كنت أراه سعيدا بحق وهو في باحات المسجد الأقصى، سعادته لم تكن توصف، فيما كان يشعر بالقهر والحزن الكبير عندما يتابع أخبار اقتحامات الأقصى والاعتداء على من فيه".

وبالإضافة للرصاصات التي ما زالت مستقرة في جسد الأسير أبو بدوان، فهو يعاني أيضا من رزمة من الأمراض، فتبين زوجته أنه يعاني مرض السكري والضغط وارتفاع الكولسترول واسنداد في الشرايين، موضحة، أنه ورغم وضعه الصحي الصعب تتجاهله المؤسسات الحقوقية التي لا تبذل الجهود المطلوبة منها لإيصال الدواء له وتحسين أوضاع احتجازه.

وتضيف، "زاره أحد المحامين بعد إلحاح العائلة، للاطلاع على وضعه والضغط على الاحتلال يجري له العمليات الجراحية اللازمة"، مبينة، أن ما يطالب به الأسير أبو بدوان الآن هو إدخال ملابس دافئة له حيث أن البرد يضاعف آلامه، "إلا الجهات الحقوقية التي توجهت لها العائلة لم تبذل جهودها حتى في هذا الأمر البسيط"، حسب ما تقول خولة.

وتتهم عائلة أبو بدوان المؤسسات الحقوقية والرسمية بالتقصير مع أسيرها، وتحمل المسؤولية لوسائل الإعلام الفلسطينية التي لم تحاول الوصول لمنزل الأسير الذي داهمته قوات الاحتلال إثر تنفيذه العملية الفدائية وحطمت محتوياته وإخضاع أفراد العائلة للتحقيق.