كنا طلاب سنة أولى، "سنافر" بلغة الجامعة.
دخلنا بيرزيت نجتاز عشرات أبناء الحركات الطلابية، محتشدين على المدخل بأوشحتهم وحطاتهم وراياتهم، كل يحاول كسب ودّنا في التصويت القادم في انتخابات مجلس الطلبة.
كنا نحمل انتماءات مبطنة للأحزاب والحركات المفضلة، ولو أننا من يومنا الأول توجهنا لصناديق الاقتراع لانتخبنا انحيازاتنا الطفولية.
عدة أيام وسمعنا باسمك.
محمد القيق رئيس مجلس الطلبة
وبعد أيام سمعناك في خطابات ومناسبات كثيرة في قاعات الجامعة. كان يمكننا بسهولة أن ندرك أن تعديلا ما يجب أن يطرأ على طريقتنا في فهم الحركة الطلابية وانتخابات الجامعة.
أهم التعديلات ولك فضل فيها دون أن تدري، أننا ننتخب وفق برامج تنفذها الكتل، لا وفق انحيارات مسبقة. ثانيها أنه يمكننا أن نناصر من نشاء سياسيا وننتخب غير ذراعه الطلابي، فميدان العمل النقابي والطلابي مختلف. ثم بعد ذلك أن العمل النقابي والطلابي تهمة عند الاحتلال، وليس ترفا.
كان تثقيفا ديمقراطيا وطنيا.
في السنة الأولى تكون عاطفتنا جياشة، ولذلك اضطررت لخوض نقاش طويل مع صديق فتحاوي قال لي إنه سينتخبك في الانتخابات لأنه طلب منك شريطا لاصقا وقلت له: "من عيوني"!
تعبت يومها وأنا أقول له إن قرار الانتخاب يجب ألا يُبنى على مواقف بسيطة كهذه، كلها مجاملات، هنالك برنامج ونضال نقابي ووطني، يجب أن نفكر فيه. كنا نحاول أن نكون لائقين بالحركة الطلابية الفلسطينية.
لا أخفي عليك، كان شيئا مريبا أن أقنع فتحاويا ألا ينتخب الكتلة الإسلامية، وقد كنت منحازا لها قطعا. والطريف أنني اتهمت صاحبي يومها بأن سلوكه أنثوي جدا، كان يمكن أن تعجب طالبة بردك اللطيف وعينيك الملونتين، لا طالب فتحاوي!
يمكنني اليوم تذكر عشرات المواقف التي تذكر لك في الجامعة، كلها تحمل دعوة لأن نضع قناعاتنا المسبقة ونحكم على ما نراه من أفعال، عملية توعية وتثقيف مستمرة وبطيئة، نقابيا وسياسيا ووطنيا، وبطريقة مواربة ليس فيها كلام كثير.
أنت وإخوتك أعطيتم حماس فوزها الأخير في انتخابات الجامعات، قبل أن يفتك الانقسام بكل شيء، وتغيب الكتلة الإسلامية عن الصدارة لسنوات. وليس هذا ما يهمني الآن ولا أعتقد اليوم أن كل سجالات الفلسطينيين في الجامعات تستحق جلبتها وضجيجها، هنالك الكثير من الضجيج الذي يُبدده الوعي.
ما أريد قوله لك الآن، أنني منذ أيام وأنت ملقى على سرير المشفى منهارا من الإضراب عن الطعام، وأنا أشاهد الفيديوهات التي بالكاد تتحدث فيها. أفكر في أن ما يبقى فعلا هو "من عيوني".
هذه الأشياء البسيطة هي المهمة، وهي لا تحتاج وعيا، يدركها الإنسان الحيّ بالحد الأدنى من فطرته. كان صديقي الفتحاوي أفهم مني يومها.
لا نستطيع اليوم أن نرد على أي شيء مما تطلبه، بـ "من عيوني". ما تطلبه كثير علينا، والعبارة التي ظننتها أنا أول الأمر مجانية، اتضح لي أنها مكلفة جدا وغير سهلة.
كن بخير،
أتخيلك في بيتك ومع عائلتك، تطلب منهم ما تشتهي ولا يملّون من الرد بـ "من عيوني"