في جوف الأرض؛ حيث الغبار والأتربة وقلة الهواء والساعات الطويلة من العمل، هناك حيث التعب الشديد ينشد الشباب للتسلية عن أنفسهم أعذب الكلمات والأناشيد، وكلما واجهتهم صخرة تكاتفوا لكسرها، يقودهم إصرارهم وإرادةٌ مثل الحديد. هؤلاء الذين يشقون في الصخر طريقًا نحو الحرية لا نعرفهم إلا بعد رحيلهم، ولا نعرف حجم مشقتهم وتعبهم وساعات وظروف عملهم، فهم يعملون في الظلام بعيدًا عن أعين الناس، ويمكثون معظم يومهم يحفرون وينقلون دون كللٍ أو ملل، وقد تكون المسافات التي يمشونها ويحملون خلالها الأدوات والمستلزمات الثقيلة تقدر بآلاف المترات في ظل ظروف غير صحية مع ارتفاع مستوى الرطوبة وضعف الأكسجين. ناهيك عن الحوادث العرضية التي قد تعترض عملهم كانهيارات التربة ومواجهة الصخور الكبيرة، أو حدوث ماس كهربائي، وغيرها من الأشياء التي قد تصيب العاملين بإصابات أو تؤدي إلى استشهادهم كما جرى في العديد من المرات، كما أنهم يواجهون مشكلات فنية كبيرة تتعلق بمدى توفر المواد التي تلزمهم في عملهم، نتيجة الحصار الذي تعيشه غزة، ويقومون بابتكار أو استخدام بدائل مختلفة. معظمهم فتيةٌ في العشرينيات من عمرهم لم يفقدوا شغف الحياة، بل وجدوا حبهم مبكرًا، وجدوه في الشهادة والشوق للحرية والعيش بكرامة، إنهم يعرفون أن نهاية كل حيٍّ هي الموت، إلا الشهيد وجدوه يبقى حيًّا خالدًا عند الله، فاختاروا الطريق المحفوف بالمكاره نحو الغاية الغالية والجنة العالية. من الصعب إدراك فحوى طمأنينة تسكنهم وراحة تعشش في نفوسهم، لا يعرفون الكآبة، وحتى عند رحيلهم تستشعر في ملامحهم الرضا والسعادة، كان الهدوء شيمتهم، وكانت البسمات لا تغادر مُحياهم في مَحياهم، وجهادهم، وعند مماتهم؛ لأنهم كانوا يعيشون الأمل والتفاؤل بكل لحظة من لحظات حياتهم. يصلون الليل بالنهار، أجسادهم في الأرض، وهمتهم في السماء، يصلون اليوم والغد بمجد الأمس، يحفرون ليغرسوا لنا شيئًا من حبهم المتعب، يدلنا على الطريق، يحفرون بإيمانٍ وفأس، دافعهم الأمل لا اليأس، وفي آخر النفق نورٌ يقودهم نحو القدس.