شبكة قدس الإخبارية

الشهيد المحتسب.. رحل مبتسما كما أراد

رنا شحاتيت

الخليل - خاص قُدس الإخبارية: ليست كُل الصباحات واحدة، ففي صباح ما خرج مهدي كعادته للعمل مرتدياً قميصه الأبيض، منتظراً مساء ذلك اليوم لإتمام خطوبته التي لم تتم أبداً.

في منطقة الكسارة بالمنطقة الجنوبية من مدينة الخليل، قضى مهدي المحتسب (23 عاماً) حياته في منزل عائلته البسيط، مع أسرة مكونة من تسعة أشقاء لأب وأم (4 إناث و5 ذكور).

وفي ذلك اليوم بدت الأجواء في المنزل غير اعتيادية، انهمكت والدته  في تعزيل المنزل وفرشه من جديد، وأغلق مهدي حاسوبه الشخصي ومع آخر ضغطة على لوحة المفاتيح، توجه ليستحم ريثما تُعد والدته الفطور، "بحكيلو عليك شغل يما؟ حكالي آه، جهزت الفطور ودخلت عليه المرة الأولى والثانية فوجدته ساجد"، تقول والدته بـ  عيون لا زالت تتلمس آثار مهدي بين جدران ودهاليز المنزل"، وتضيف، "قبل ليطلع لحقتو حكيتلو لسا ما أفطرت، حكالي بدك اشي قبل لأطلع؟! سلام..".

ينفلت الزمن الذي هو أقل من نصف ساعة على خروج مهدي، ينشغل شقيقه بمتابعة الأخبار متنقلا بين الفضائيات على شاشة  التلفاز، يُخبر والدته التي لم تنته لتوها من التعزيل والترتيب عن إصابة شاب بحارة السلايمة "اتصل علي زوجي وابني يسألوني عن مهدي طلع للعمل، بدأت أقلق وقتها لأنو تلفون مهدي ما كان يرد"، حينها سألتها زوجة ابنها، "شو كان لابس مهدي يا مرة عمي؟! قميص أبيض؟!".

شاهدت والدة مهدي الفيديو الذي تم تصويره حينها على شاشات التلفاز، جندي يطلق النار على شاب من مسافة الصفر، ومع حرارة الرصاصة التي اخترقت جسده من مسافة قريبة يتقلب الشاب بقميصه الأبيض وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ليتبعها الجندي برصاصة أخرى اخترقت رأسه.

ببصيرة الأم عرفت أم مهدي ابنها، "حكيتلهم والله هذا  مهدي"، وتضيف، "لما سمعت الخبر توضيت وصليت ركعتين صبر ودعيت ربنا الحمد لله إنه استشهد والله إنه يستاهلها".

أفسدت رصاصات الغدر أحلام مهدي في أن يرى عروسه التي كانت بانتظاره مساء يوم استشهاده، ماذا ظل من أحلام مهدي ليلاً وأحاديثه في النهار، لم تبق إلا صوره تركن على جدران منزله، وسؤال عن من يجلس على ذلك المقعد بعد رحيله؟!. ودع مهدي أمه لابسا الأبيض وعاد به مكفنا.

تقول أم مهدي وهي تستعيد جانبا من ذاكرتها يسكنه ابنها، "كان مهدي يتأثر كثيراً من مشاهد الإعدامات والشهداء، كُل ما يشوف صورة شهيد مبتسم يحكي يما تعالي شوفي ماشاء الله إن شاء الله أكون مثلو".

إعدام المحتسب وقع بتاريخ 29/تشرين أول الماضي عند حاجز 160 قرب المسجد الإبراهيمي، حيث أطلق جنود الاحتلال رصاصتين عليه اخترقتا رأسه ثم جردوه من ثيابه على مرأى جميع من كانوا في المنطقة، ثم وضعوه في كيس أسود ونقلوه بسيارة إسعاف إسرائيلية.

63 يوماً جرت ذيولها ببطء، بقي مهدي محتجزاً في ثلاجات الاحتلال الذي حاول فرض شروطه بضمان ما أسماها "تقليص الخطورة الأمنية خلال التشييع"، والمتمثلة في تنفيذ مظاهرات واندلاع مواجهات خلال التشييع، لكن هذه المحاولة سقطت ليعود الشهيد بداية كانون ثاني الجاري مع 16 شهيدا آخر من أبناء المدينة، ويتم تشييع الشهداء في مشهد مهيب بكت لهوله السماء.

"أول ما شفتو بالإسعاف كان كلو كوم ثلج، أحط إيدي على الثلج لما يذوب يصير دم، كان وجهه يشع نور"، تصف والدته بعد رؤية جثمانه منذ أكثر من شهرين. ارتسمت على محياه ابتسامة قبل أن يوارى جثمانه كما يؤكد شهود وتوثق صور التقطت له، ما يوحي أنه رأى شيئاً مما أعده الله له، وحده الله يعلم سر تلك الابتسامة.

12583864_215020502175631_25552743_n