شبكة قدس الإخبارية

محمد عياد... عريس اختار الشهادة

شذى حمّاد

رام الله - خاص قُدس الإخبارية: ما عاد محمد يخطط لزفافه المقرر بعد أسبوع، لم يشتر بدلته بعد، وبات يتجاهل أسئلة أصدقائه، لكنه ترك والدته تكمل استعداداتها، تنهي خياطة ثوبها وشقيقاته، تحضر الهدايا التي ستوزعها على المهنئين، وتجلب الحنة التي ستجبل على شرفه وعروسه، ثم اختار احتفالا آخر.

في الرابع من كانون أول، وبينما كان محمد عبد الرحمن عياد (21 عاما) من بلدة سلواد شرق رام الله في عمله في الولايات الأمريكية، تلقى اتصالا من أحد أصدقائه ليخبره أن صديقهم أنس حماد ارتقى شهيدا بعد تنفيذه عملية دهس قرب المدخل الغربي للبلدة، يسكت محمد هنيهات، ثم يبدأ بتهدئة صديقه، "كلنا على هذا الطريق، ما تزعل، الله يرحمه".

حجز محمد تذكرة عودته لفلسطين على الفور، ليشد من أزر عائلة صديقه الشهيد، وأصدقائه المجروحين، "جلسنا معا في عزاء أنس ولم يفارقنا، كان موجوع لكن لا يتكلم، سألناه مرة واحده عن زفافه، فأخبرنا أنه ألغاه"، يروي صديق الشهيد، عبد الحميد حامد.

في الجمعة الثانية على فراق الشهيد أنس حماد، وتحديدا يوم الجمعة بتاريخ 18 كانون أول، تقدم محمد بمركبته وصولا إلى مكان عملية الدهس التي نفذها صديقه، لينفذ عمليته المشابهة التي استهدفت عددا كبيرا من جنود الاحتلال، ليرتقي على إثرها شهيدا إلى جوار صديقه، "أنس كان يقول لنا دائما أنه سيستشهد، بينما محمد كان غامضا بشكل كبير لم نشعر يوما أنه سيستشهد، حتى بعد استشهاد أنس، لم نتوقع أن ينتقم لأنس"، يقول عبد الحميد.

منذ أن عاد من سفره بعد غياب امتد ثمانية أشهر في ولاية أمريكية، حيث كان يعمل في ورشة تصليح المركبات، ووالدته تصر على أن تطبخ له كل يوم واحدة من الوجبات التي يعشقها، فأعدت له المقلوبة، والملوخية، والشيش برك، وكانت تخطط لإعداد المزيد قبل سفره مجددا، فيما واصلت التحضير بعناية فائقة لعرس نجلها الذي تسعى أن يتحدث به أهالي البلدة كافة.

الأم التي كانت تلمس في كل لحظة حزن نجلها على استشهاد صديقه، أخبرته أنها ستذهب لإحضار بعض المستلزمات  للعرس، على أن يلتقيا في المنزل مساء، ليغيب العريس إلى الأبد، تقول، "استأجرنا له شقة مؤقتة قبل أن يسافر وعروسه مجددا، أنهينا تحضير الأثواب التي طرزناها لنرتديها انا وشقيقاته في عرسه".

والدة محمد لم يغفل عن بالها شيء حتى اشترت سلال جميلة، خصصت إحداها للذهب، وأخرى للحنة، وثالثة للهدايا التي ستوزعها على الحضور في حفل الزفاف، إلا أنها اليوم توزعها على  المهنئين باستشهاد نجلها.

[caption id="attachment_81960" align="aligncenter" width="600"]والدة الشهيد محمد توزع الهدايا والحلوى التي أعدتها للزفاف والدة الشهيد محمد توزع الهدايا والحلوى التي أعدتها للزفاف[/caption]

خفيف كنسمة كان الشهيد محمد، لا يؤذي أحد ويبادر بالمسامحة، "اجتماعي ومرح، كان يحبه الصغير والكبير، والكل كان يعرفه" يعلق طارق حامد الذي جمعته مقاعد الدراسة واللهو في حارات البلدة بصديقه الشهيد، ليكبرا معا بصداقتهما. مضيفا، "لا أنسى كيف كنا نفضفض لبعضنا البعض، لا أنسى الرحلات والأوقات الجميلة التي قضيناها معا".

 محمد أول أصدقائه اتخاذا لقرار الزواج، وقد بدأ التحضير بلهفة لهذا العرس، "أول صديق لنا سيتزوج، كان كلنا يخطط كيف سنسعده ونعمل له عرسا مميزا، فيما كان يخطط الشهيد أنس أن يحلق له ليكون "عريس مرتب" كما كان يقول"، يضيف طارق.

"انسان غالي وصديق حبيب كان محمد، شخص محترم وخلوق وصاحب مبدأ" يقول صديقه وليد حماد، مضيفا، "عندما سافر لأمريكا ودعناه ونحن واثقون أنه سيعود، فكان وداعنا عاديا، إلا أننا لم نحظى بتوديعه الوداع الأخير، لم نتوقع أنه سيستشهد ولم نشك حتى بأنه يفكر بتنفيذ عملية دهس".

مذهولا بهما كان وسيبقى صديق الشهيدين عبد الحميد، فيعلق، "الشهداء شيء صعب، صعب الوصول إليهم، صعب أن نكون مثلهم، هم كالحلم"، مبينا، أن الشهيدين لم يلقيا حجرا يوما على جنود الاحتلال إلا أن ما قاما به غير مجرى المواجهات وخلق رعبا لجنود الاحتلال.

"أنس ومحمد عندما نفذا عمليتيهما، نفذاها ضد جنود مستعدين للمواجهة في ساحة معركة، لم يأبهوا لقوتهم وأسلحتهم، كما لم تردعهم تهديدات الاحتلال بهدم منازل منفذي العمليات".  ويتابع عبد الحميد، "أنس ومحمد هما شعلة أوقدت ليس فقط سلواد بل في المنطقة الشرقية كلها، وهو ما يجب أن يفهمه السياسيين".

ويضيف، "كانا يحبان الحياة، ويسعيا للوصول لكل ما يفرح قلبيهما، فيما قرار نيل السعادة ينفذ فورا، كانا الشهيدان مرحان جدا، يحبان إسعاد نفسيهما، لم نكن نفكر كثيرا عندما نجتمع، نتخذ قرارات سريعة ونستمتع باللحظات .. كان الشهيدان يعتبران الحياة بسيطة، كما الوصول إلى السعادة".

سلطات الاحتلال واصلت احتجاز جثمان الشهيدين حتى الأول من تشرين ثاني، لتسلمهم قوالب من الجليد لعائلاتهم، لكن وليد يعلق، "نحن نؤمن أن الشهيد هو روح تغادر للسماء، ولا يهمنا احتجاز جثامين الشهداء بل تزيدنا إصرار وتحدي"، فيما يقول وليد فيما يعلق عبد الحميد، "إن تكون صديق شهيد هو فخر لنا، ولكن الفراق موجع جدا وصعب".

تعتيم كبير فرضه الاحتلال على عملية الدهس التي نفذها محمد، واكتفى بالزعم أن العملية لم توقع أي إصابات، فيما يؤكد كل من رأى العملية أنه من المحال عدم مقتل جندي واحد على الأقل، كالعملية التي نفذها الشهيد أنس وقلل الاحتلال من أهميتها، فيما توافد المستوطنون مرات عدة لمكان العمليتين وأشعلوا الشموع ما يؤكد أن الشهيدين قتلا في عمليتهما عددا من جنود الاحتلال.

ويوضح عبدالحميد، أن محمد بقي على قيد الحياة لدقائق بعد أن دهس عدد من جنود الاحتلال، واستطاع لف سيارته ودهس مجموعة أخرى، ومن المستحيل أنه لم يوقع قتلى أو إصابات كما يدعي الاحتلال، مؤكدا أن سياسية التعتيم التي فرضتها سلطات الاحتلال على العمليتين هدفها ردع الشباب الفلسطيني عن تنفيذ عمليات الدهس.

وكما تخطيا السنين معا، ترجل الصديقان أنس حماد ومحمد عياد معا، ليتجاورا إلى الأبد في مقبرة الشهداء، بعد أن سطرا بطولة في قلب ساحة المعركة، بطولة لن تتغاضى عن توثيقها كتب التاريخ، يوما ما.

944072_1063680423708858_408611486187270143_n 1009931_1063680420375525_7777766188043453192_n 1173689_1063680227042211_1803197030586731932_n