رام الله - خاص قُدس الإخبارية: لم يكتف التطرف الإسرائيلي بحرق الرضيع الفلسطيني علي دوابشة ووالديه في تموز الماضي، بل دفعتهم كراهيتهم لجعل صورة علي رمزا لجريمتهم يرقصون ويتفاخرون بها، لتتجلى أسمى أشكال الكراهية واللا إنسانية، في مجتمع تربى وتأسس على التطرف تجاه كل ما هو فلسطيني.
الرقص على الدماء
وكشف "الشاباك" الإسرائيلي عن تصوير يوثق أحد حفلات الزفاف لمستوطنين متطرفين قبل نحو ثلاثة أسابيع في مدينة القدس المحتلة، يظهر فيه المستوطنون وهم يرقصون على أنغام أغنية تدعو للانتقام من الفلسطينيين، ويرفعون بأيديهم الأسلحة الرشاشة، والسكاكين، والزجاجات الحارقة، إضافة إلى صورة الرضيع علي دوابشة، في دلالة على التفاخر والتباهي بجريمة حرقه وإعدام عائلته، كما حاولوا طعن صورة علي بالسكاكين، وكأنهم لم يكتفوا بحرقه حتى الموت.
وحسب القناة العاشرة الإسرائيلية، فإن حفل الزفاف أقيم في ذات القاعة التي عقد فيها محامو المتهمين بقتل عائلة دوابشة مؤتمرا صحفيا، ادعوا فيه أن المتهمين تعرضون للتعذيب داخل السجن، منتقدين ظروف اعتقالهم والتحقيق معهم، للضغط على "الشاباك" والرأي العام الإسرائيلي بهدف الإفراج عنهم.
صاحب حفل الزفاف زعم عند مراجعته عن زفافه الذي تحول لحفل تحريضي، أنه لم يشاهد صورة دوابشة في الحفل، وقال لمراسل القناة العاشرة، "لا أدري عن ماذا تتحدث"، بينما نفى والداه أن يكون هذا حدث في حفل زفاف ابنهم، علما أن صورة علي كانت واضحة في الفيديو التوثيقي.
من جانبه علّق جدّ الشهيد علي، حسين دوابشة قائلا، " إنهم يحتفلون بلا خجل، هذا مسموح له أن يحمل الزجاجات الحارقة والأسلحة، أين الشرطة والشاباك من ذلك"، مضيفا، " فقط أقول اخجلوا على أنفسكم، هل أنتم سعيدون لأنكم ترقصون على دماء طفل عمره عام ونصف ليس له ذنب؟! المطلوب اعتقالهم وزجهم في السجن فورا". وأشار أحد المستوطنين الذين حضروا حفل الزفاف إلى أن هنالك الكثير من الحفلات اليهودية التي تقام بهذه الطريقة، وهذا ليس الأول من نوعه.
كيف استغل الإعلام الموقف
الإعلام الإسرائيلي بعد أن حصل على الفيديو من "الشاباك"، كان واجبا عليه القيام بدوره في تجميل صورة دولة الاحتلال، فأولى اهتماما كبيرا للقضية على مدى اليومين الماضيين، وأجرى التقارير الصحافية والتحليلات للحادثة، منتقدا إياها ومعتبرا أنها تأتي في سياق الإرهاب اليهودي الذي هو دخيل على المجتمع الإسرائيلي.
وأظهر الإعلام الإسرائيلي أن جميع الأطياف الإسرائيلية تنكر الحادثة، وتعتبرها عملا منبوذا، ونشر تصريحات سياسية تنتقدها. في حين يرى محللون أن "الشاباك" دفع بالفيديو إلى الإعلام لهدفين، الأول تسكين الرأي العام الفلسطيني واليساري الإسرائيلي بأن التحقيق في قضية قتلة عائلة دوابشة مستمر، والتغطية على اتهامات المتطرفين اليهود لـ "الشاباك" بأنه استخدم التعذيب للحصول على اعترفات من المتهمين بمقتل عائلة دوابشة حيث ما زال يعتقل بعضهم.
وزعم ايتمار بن غفير محامي المتهمين بقتل عائلة دوابشة، والذي كان أحد الحاضرين في الزفاف وظهر في الفيديو، "أنه كان يحاول تهدئة الشبان في الاحتفال"، وأشار إلى أن الشاباك يحاول افشال محاولاته القانونية في مساعدة المتهمين المتطرفين، مؤكدا أنه "سيستمر بالعمل من أجل حقوق الإنسان" حسب زعمه.
بينما اعتبر المراقب للإعلام الإسرائيلي محمد أبو علان، أن نشر الفيديو جاء في إطار تصفيات إسرائيلية داخلية، وليس في إطار الحريات الإعلامية والديمقراطية.
من جانبها، لم تتردد المعارضة الإسرائيلية واليسار في استغلال الواقعة التحريضية وإدانتها وتحميل اليمين الإسرائيلي المسؤولية عنها. حيث جاء على لسان زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ، أن المستوطنين والمتطرفين أصبحوا متوحشين ومقززين، ودعا إلى ضرورة القبض عليهم وزجهم داخل السجون في أسرع وقت.
من جهتها ادعت المتحدثة باسم شرطة الاحتلال لوبا السمري إن شرطة الاحتلال ستفتح تحقيقا في الحادثة، علما أن جميع التحقيقات في أعمال التحريض على الفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد مرت دون أي عقوبة تذكر.
من يغذي التطرف الإسرائيلي ؟
يبدو جليا أن الزيادة في التطرف الإسرائيلي لا تأتي من فراغ المستوطنين والمتطرفين، وإنما هي منظومة كاملة تشارك فيها كافة الأطياف الإسرائيلية، حيث تشكل داعما وظهرا حاميا للتطرف الديني تجاه الفلسطينيين وكل من يمثلهم، هكذا علق الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي أحمد رفيق عوض.
وأضاف عوض، أن التطرف الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، وإنما تاريخه طويل وتغذيه ثقافات الجماعات اليهودية، والتلمود المتطرف، والعقيدة القائمة على العنصرية، وفكرة شعب الله المختار، كما تغذيه أيضا الزعامات الدينية والسياسية في "إسرائيل"، والقانون الذي يجد دائما طريقا لافلات المتطرفين من العقاب.
وتابع، " الدولة الإسرائلية نفسها قائمة على التطرف وتغذيه بكل مؤسساتها، وبالتالي فإن التطرف الحالي هو نتيجة لكل هذه الينابيع والروافد التي تحميه وتشكل ظهرا له".
وأكد عوض لـ قُدس الإخبارية، أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ليست معنية بفتح تحقيقات والكشف عن رؤوس الإرهاب الحقيقيين في" إسرائيل"، وهذا ما يجعل الإرهاب شرعيا وغير مستهجن إسرائيليا، مضيفا، "وحتى إن تم اعتقال بعضهم، بعدها يبحثون عن أسباب للإفراج عنهم كأن يكونوا مريضين نفسيا، ويظهرونهم على أنهم أبطال، كما حدث مع باروخ غولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي، وتتم زيارة قبره بشكل دوري ورسمي".
وأشار عوض إلى أن كل ما ينشر على وسائل الإعلام ما هو إلا إستهلاك إعلامي للحدث، ولكن على أرض الواقع فإن "الشاباك" يحاول تبرئة المتهم الأول في قتل عائلة دوابشة بأنه غير متزن نفسيا، وهنا يظهر أن الإعلام والجهات الإسرائيلية المختلفة تظهر التطرف الإسرائيلي لكنها في نفس الوقت تستثمره لصالحها، ولن تجرؤ على محاسبة التطرف؛ لأنه جزء من مكونات المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، والتصريحات الإعلامية ما هي إلا نوع من النفاق الإسرائيلي.