رام الله – خاص قُدس الإخبارية: رغم بساطة الأسلحة خلال الانتفاضة الفلسطينية الجارية، إلا أنها استطاعت أن تضرب عمق الجبهة الإسرائيلية الداخلية معنويا ونفسيا، وقد عبّرت أوساط إسرائيلية عن ارتفاع منسوب القلق والخوف والصدمات النفسية التي سببتها عمليات الطعن وفيديوهات إعدامات جيش الاحتلال لفلسطينيين.
وكشف تحقيق صحفي أن "إسرائيل دولة تعيش في صدمة نفسية"، بينما أجرى مركز هرتسيليا التخصصي تجربة علمية أثبتت أن الصدمة النفسية تنتشر بين الإسرائيليين مثل الفيروس.
أمراض نفسية
وقال يائير ليفي أحد مستوطني القدس المحتلة للقناة العاشرة الإسرائيلية، والذي كان شاهدا على عملية وقعت في باب العامود قبل شهرين، "أصبحت مصابا بالذعر، حتى الآن أجد صعوبة في العودة إلى الحياة الطبيعية، في داخلي شعور عميق لا يمكن أن تلاحظوه"، وأضاف، أنه يحتفظ بفيديوهات العملية ولم يستطع منع نفسه من مشاهدتها مرارا وتكرارا.
وتابع ليفي، "دائما أفكر وأفكر وأفكر على نفس الحدث، أشعر أنني لست حيا ولا ميت، لا أعرف ما هي تسميته هذه الحالة، منذ شهرين لا أستطيع العيش من دون كلونيكس (مسكن الأعصاب) هو الشيء الوحيد الذي يساعدني"، مبينا، أنه لن يستطيع مقاومة هذا الشعور بشكل يومي طوال حياته، حيث قرر في نهاية الأمر أن يجمع حقيبته ويغيير الواقع الإسرائيلي بالسفر لمكان آخر.
من جانبها رفضت احدى حالات الصدمة النفسية الكشف عن اسمها وصورتها، وقالت، "حتى الآن صرفت 200 ألف شيقل على العلاج النفسي، وأستطيع أن أدفع كل ما أملك لأجل التخلص منه". في حين قالت أخرى، "الاصابات والجروح يمكن أن نتعافى منها بعد الحادثة، لكن الصدمة النفسية تستمر معنا منذ حرب غزة الأخيرة"، فيما يوضح معلق القناة العاشرة أن جزءا كبير من الإسرائيليين يخجلون من الاعتراف بأنهم تلقوا علاجا نفسيا.
"إسرائيل" تعيش في صدمة
وحسب المؤشرات الإحصائية الإسرائيلية، فإن نسب الخوف الإسرائيلي والصدمة النفسية ارتفعت حتى من مجرد مشاهدة فيديوهات تحوي مشاهد عنيفة من منطقة العملية، وقالت وزارة الصحة الإسرائيلية، إن "إسرائيل" تحظى بأعلى نسبة قلق من بين الدول المتقدمة في العالم، وأنه في الأسابيع الأخيرة لوحظ ارتفاع الطلب على مضادات الاكتئاب والقلق للبالغين بمقدرا 10% مقارنة بالأعوام والأشهر السابقة.
وتحدثت رئيسة قسم العلاج النفسي في جامعة بار ايلان رفكا مشيخ، "إسرائيل دولة تعيش في حالة الصدمة، والخوف والاحباط بشكل مستمر، وعندما نشاهد مشاهد أليمة ومتكررة بسبب الأحداث فإنه من الطبيعي أن نتأثر ويصبح لدينا اضطرابات"، مضيفة، "للأسف من الصعب إعادة الوضع لما كان عليه سابقا".
بينما قال الخبير النفسي في جامعة بنغوريون البروفيسور جولان شاخر، "أحد الأسباب الأساسية للصدمات والإضطرابات النفسية هو الضغط النفسي الذي تعيشه الحالة، الصدمة النفسية كالفايروس بامكانها أن تغير كل شيء".
وأضاف شاخر، أن هناك ارتفاعا كبيرا في عدد الفيديوهات المنتشرة، "علما أنه ظهر لدينا في دراسة أجريناها على مصابي حرب غزة، أن مشاهدة فيديوهات القتل في وسائل الإعلام بإمكانها زيادة الاحباط النفسي، وهذا يعني أن الإعلام يحقنهم من تحت الجلد، أصبحنا نخاف على عائلاتنا وأبنائنا"، حسب قوله.
الصدمة النفسية في أرقام
وكشف مختص في أحد مراكز هرتسيليا الطبية البروفيسور عساخي عين دور، أنه من بين 100 شخص شاهدوا حادثة العملية، ستجد 99 شخصا لديهم استجابة فسيولوجية نفسية مباشرة سلبية، وأعراض على جسده كالإثارة والخوف والقلق يمكن أن تنتهي بعد بضع دقائق، ولكن هناك 60 شخص من الـ100 يستغرقون فترة تقدر بـ 48 ساعة لنسيان الحادثة والعودة إلى حياتهم الطبيعية، نصفهم أي 30 شخصا يتعرضون خلال هذه الفترة إلى ضغط نفسي حاد.
إضافة لذلك، فإن 20 شخصا من الـ100 سيعانون من أعراض الذعر والاضطراب العقلي مدة 48 ساعة خلال الشهر، وهذا ما يؤدي إلى أزمة نفسية، وإذا بقي هذا التأثير لأكثر من شهر يمكن اعتباره حالة مرضية ستعاني من اضطرابات نفسية يرجح أن تستمر مع الشخص لسنوات، وعلاجها معقد جدا، "نستطيع القول بأن 10 أشخاص أي ما نسبته 10% من الإسرائيليين يعيشون هذه الحالة"، حسب المعطيات الإسرائيلية.
وقال عوديد همرمان الطبيب النفسي المشرف على الجرحى والمرضى في غرف الطوارئ بمركز شعاري تسيدك الطبي، "هناك عشرات الجرحى بحاجة لاهتمام في نفس الوقت، وهذا ما يضطرنا لاخراج المرضى وعلى مسؤوليتهم الشخصية، علما أنهم ما زالوا يعانون مشاكل نفسية".
وأضاف، "استقبلنا مئات الجرحى الإسرائيليين خلال الانتفاضة الحالية، قسم الصدمات النفسية يعمل مثل الآلة لكثرة الحالات والحاجة للعلاج النفسي، بعض الطاقم انضم حديثا ولا يملك معطف طبي أو حتى سماعة طبية".
تجربة علمية: الخوف ينتشر كالفايروس
وأجرى البروفيسور عساخي عين دور تجربة علمية في أحد مراكز هرتسيليا الطبية المتخصصة، أثبت فيها أن الصدمة النفسية لا تطال فقط شهود العيان، وإنما أيضا كل من يشاهد فيديوهات العمليات التي تنشر في وسائل الإعلام والإعلام الإجتماعي.
وعمل الباحثون خلال التجربة على إدخال 80 زوج من الأشخاص إلى غرف مشاهدة منفصلة، بحيث يشاهد أحد الأشخاص فيديو يحتوي مشاهد مؤلمة وعنيفة، بينما يشاهد الآخر فيديو سليما، ثم ذهب الأشخاص إلى غرفة انتظار وتحدثوا عن ما شاهدوه، حيث كانت غرفة الانتظار بحد ذاتها الاختبار الحقيقي لتصرفاتهم دون علمهم.
وحسب البروفيسور عساخي عين دور، فإن الأمر لا يتوقف على الشخص نفسه، فهو ينقل الشعور بالخوف والصدمة إلى الأشخاص الذي يحيطون به، فالأشخاص الذين شاهدوا فيديو سليما ظهرت عليهم علامات الخوف والقلق والشعور السلبي بعد حديث الأشخاص الذين شاهدوا الفيديو العنيف معهم، وبهذه الطريقة يتم نقل الصدمة إلى الأشخاص الآخرين المحيطين بالمصاب ويتحدثون معه لفترات طويلة.
وأشارت القناة العاشرة إلى أن 36% من الإسرائيليين تعرضوا أو يتعرضون لعلاج نفسي،و 64% لم يتعرضوا له حتى الآن، في حين أن جزء كبير من الإسرائيليين رفض التصريح حول تلقيهم علاجا نفسيا.