شبكة قدس الإخبارية

"إليك أمي".. قصة نجاح كتبت بالدماء!

رغيد طبسية

نابلس – خاص قُدس الإخبارية: بلمسات إبداعية فلسطينية شبابية تحول "إليك أمي" من مشروع تخرج للشابين ياسر جود الله وأحمد البظ في قسم الإذاعة والتلفزيون بجامعة النجاح الوطنية، إلى فلم يتوج في مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية الذي أقيم نهاية شهر تشرين ثاني الماضي.

ويعتبر ياسر المشاركة في مهرجان جامعة النجاح الخطوة الأولى في تحقيق الفيلم لأهدافه مضيفا، أن تفاعل المشاهدين عقب عرض الفيلم ومناقشته هي الفائدة التي جنوها رغم تحقيقهم المركز الثالث في المهرجان.

وتحدث ياسر بفخر وسعادة عند حديثه عن الفوز بجائزة الجزيرة الوثائقية كأفضل فيلم عربي شارك في المهرجان، قائلا، إن التجربة كانت حلماً راوده وزميله أحمد طويلاً، وأن الفوز هو نقطة الانطلاق الثانية نحو المستقبل في عالم الإخراج التلفزيوني معلناً طموحه بأن يطرق أبواب المحافل السينمائية العالمية.

12431243_727816220651243_1977498415_n

ويضيف ياسر، "في لحظة فوزنا في مهرجان الجزيرة كانت المشاعر مختلطة بين الحزن والفرح، الحزن لأن هذا الموقف المهيب  كان جزءًا من صناعته أمي التي رحلت إلى الله شهيدة مذ كنت طفلاً،  والفرح لأني وزميلي أحمد استطعنا المنافسة والفوز في هذه الجائزة".

والمتابع لعروض فيلم "إليك أمي" المتكررة يلاحظ كيف يجهش الحضور بالبكاء في كل مرة يعرض فيها الفيلم، وهذا ما دفعنا للاستفسار عن السر الذي مكن المخرجين من التأثير عاطفياً على المشاهد، فرد ياسر، " اولنا خلال كتابة السيناريو أن نصنع اتصالاً وجدانياً بين المشاهد والقصة من الدقيقة الأولى للفيلم، إضافة لكون الفيلم يزخر بالمشاعر فتضاعف تفاعل الجمهور مع القصة كأنه يعيش فصولها".

قصة شهيدة

ويتناول فيلم "إليك أمي" بعمق حياة أحد مخرجيه وهو ياسر الذي عاش في كنف أسرة قدمت تضحياتٍ كبيرة في مقاومتها للمحتل، وتبدأ القصة بولادة ياسر الذي جاء على عكس رغبة والديه اللذين أرادا أن يكون بنتاً بعد مجموعة من الأطفال الذكور.

ويروي ياسر قصة كتبت بدماء أمه وأخيه اللذين استشهدا عندما كان عمره (11 عاما) ليكمل حياته ظمآناً في غياب نبع الحنان، ويحكي بحرقة المعاناة التي عاشتها العائلة مع الاعتقال المتكرر تارة في زنازين الاحتلال وأخرى في سجون السلطة الفلسطينية، قبل أن ينعش التفاؤل في نفوس المشاهدين حينما يصنع من عائلته شاهداً على أن الفلسطيني يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا، كما يقول محمود درويش.

12431253_727816567317875_1436906204_n

ويوضح ياسر أن رسالة الفيلم ركزت على قدرة الإنسان الفلسطيني على تجاوز كافة الصعوبات التي تحول بينه وبين أهدافه، فيقول، "لا احتلال ولا انقسام ولا قتل ولا سجن يستطيع أن يوقف مسيرة الأسرة الفلسطينية".

ولم يكن إخراج ياسر لفلم يتحدث عن حياته بالأمر السهل؛ حيث لم يستطع المزاوجة بين كونه مخرجاً للفيلم وعنصراً أساسياً في القصة، لكن هذه العقبة أزيلت بوجود زميله أحمد، "الفضل كُله هنا يَعود لزميلي المخرج أحمد البظ الذي استطاع أن يُخرجني من الصندوق لكتابة السيناريو سوياً ولأسجل حكاية الأسرة بموضوعية وصدق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً".

وواجه المخرجان الشابان صعوبات كبيرة خلال فترة إنتاج الفيلم، أبرزها اعتقال الأجهزة الأمنية لياسر لمدة 20 يوماً، كما أنهما اصطدما بعدم توفر مادة مرئية خاصة بالقصة للفترات ما بين مطلع التسعينات وأواسط انتفاضة الأقصى، نظراً لمصادرة هذا الأرشيف خلال التفتيشات المتكررة لمنزل ياسر.

ولأنه من المؤلم أن يفتش الإنسان في دفاتره العتيقة إن كانت مليئة بالحزن، فإن ياسر لم يستطع وصف مشاعره خلال إنتاج الفلم، فيقول، "البحث في الذكريات وماضي الطفولة لربما يفتح المواجع التي لم تغلق يوماً، إلا أنه أعطاني فرصة ولو لسويعات للعودة لذلك الزمن الجميل وتوثيقه حتى يكون حاضراً في كل الأزمان".

وأنتج أحمد وياسر الفلم بتكلفة بلغت 150 دولار فقط، إلا أن الصديقين استطاعا التفوق على مخرجين أتيحت لهم إمكانيات مادية كبيرة، وعلى ذلك يعلق ياسر بأن صناعة القصة بشكل موضوعي كان أبرز أسباب النجاح، مضيفا، "الأموال قد تصنع جمالاً فنياً في الفيلم لكنها لن تغير شيئا في جوهر القصة التي هي العنصر الأساسي في بناء الفيلم".

وعن تجربته وجهود زملائه المهرجين يقول ياسر، "مستقبلنا سيكون باهراً بإذن الله إن التزمنا بالأسلوب العلمي السليم في البحث وكتابة السيناريو، الإنتاج بأفضل صورة ممكنة وفقاً لما تعلمنا، والدقة في المونتاج وعدم التهاون مع أي خطأ، تلك هي ثلاثية الوصول إلى النجاح الحقيقي الذي يؤدي بنا إلى المستقبل الذي ننشد".

"من قلب الألم يولد الأمل.. إليك أمي أهدي هذا العمل" هذه الكلمات كانت نهاية فيلم إليك أمي الذي لم يوثق قصة ياسر المؤلمة والمفعمة بالأمل، بل كان رسالة بأن في فلسطين مخرجون شبان يصارعون الألم ويملكون الأمل في أن يبلغوا الحلم.