القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: "دينامو البيت، ومهجة الحارة، وآخر العنقود".. هكذا وصفت حنان العباسي ابنها الشهيد أيمن (17 عاما) وهي تستذكر سيرته بعد أن قتلته قوات الاحتلال الشهر الماضي خلال مواجهات في رأس العامود ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى.
وقتلت قوات الاحتلال أيمن ثم اقتحمت مركزا طبيا نقل إليه بهدف اختطاف جثمانه وإضافته لعشرات الجثامين المحتجزة لشهداء من الضفة بما فيها القدس، لكن رفاقه وأبناء المنطقة أفشلوا المحاولة وأخفوا الجثمان ثم شيعوا شهيدهم إلى مثواه الأخير في مقبرة سلوان عند منتصف الليل.
عاش طفولته رجلا!
حنان مثل أمهات 126 شهيدا قتلتهم قوات الاحتلال خلال الانتفاضة؛ مازالت ترى ابنها في كل مكان ولا تستطيع تصديق أنه رحل مابين غمضة عين وانتباهتها، وتستذكر أبرز صفاته فتقول، "أيمن هو نور المنزل وهو من يحرك الأجواء فيها، فهو دائم الحركة والتنقل من جهة لأخرى يسعد هذا وذاك والجميع يحبه ويشهد بطبعه المرح".
واعتقلت قوات الاحتلال أيمن لعام ونصف انتهت بتاريخ (5/شباط) من العام الجاري، بعد اتهامه مع شقيقه محمد بطعن مستوطن عام 2012، كما أمضى قبل ذلك 10 أشهر رهن الحبس المنزلي في منزل عمته ببلدة سلوان التي كانت شاهدة على استشهاده أيضا.
وخلال هذه الفترة، كانت عائلة أيمن تزوره بين الحين والآخر، وعند كل وداع تذرف الأم دموعها بألم وحرقة شديدين، قائلة، "ما أصعب أن تودع وتستقبل طفلك في منزل آخر يحتضنه ويمثل سجنا له في تلك الفترة".
[caption id="attachment_80734" align="aligncenter" width="600"] حنان العباسي مازالت تسمع صوت ابنها[/caption]وتبين حنان لـ قُدس الإخبارية، أن أيمن وبعد إنهائه الحبس المنزلي عاد إلى دراسته في الصف التاسع، لكن سلطات الاحتلال أجبرت العائلة بعد شهر واحد على إخراجه من المنزل بعد اتصال هاتفي من جهاز المخابرات تضمن تهديدا صريحا وطلبا واضحا بذلك، ليتابع بعد ذلك هوايته في المجال الذي أحبه واهتم به دائما وهو الأجهزة الالكترونية ومنها الحاسوب.
لاحقا تعرض أيمن للاعتقال مع شقيقه، مرت العائلة بعام ونصف كانت من أصعب أيامها على الإطلاق مع غياب الشقيقين محمد أيمن، قبل أن يخرج أيمن ويقضي مع عائلته 9 أشهر في أحضان عائلته، تقول عنها والدته، "استطاع أن يعيد الحب والوئام للمنزل بعد الإفراج عنه بأسلوبه ومزاحه".
وتضيف، "أيمن كان متعلقا بشقيقته أنوار وشقيقه محمد، وبعد اعتقال محمد كان ملازما لأنوار طوال الوقت، وكان يقول لها: تزوجي وأنجبي الأطفال لأضربهم"، وتتابع، "عندما غاب الشقيقان بقيت أنوار مبعثرة تبحث عنهما".
واعتادت حنان العباسي وابنتها أنوار ان تميزا أيمن من صوته، فمن صوته تعرف إذا حضر أو غادر، وتقول، "رحل أيمن وساد الهدوء في المنزل والحارة، أكثر ما تمناه الشهادة ولقاء أخيه الاسير محمد قبل استشهاده".
الساعات الأخيرة
يوم استشهاده؛ غادر أيمن منزله للعمل عند السادسة والنص فجرا، اتصل بوالدته وسألها عن الغداء فأجابته، "مقلوبة"، قبل أن يعاود الاتصال لاحقا طالبا تحضير الطعام لأنه على وشك الوصول للمنزل، وعند الرابعة والنصف دخل منزله وتناول الغداء ثم اغتسل.
تقول حنان، "حضر أيمن ملابسه واغتسل وتعطر، ثم جاء صاحبه وتناولا الأرجيلة معا، وأثناء تحضيري للشاي هم أيمن بمغادرة المنزل فطلبت منه الانتظار لتناول كأس شاي، فقال سأذهب وأعود ضعي لي كأسي جانبا".
بعد مدة من الوقت، عاد أنور أكبر أبناء حنان للمنزل على عجل وأخذ يتنقل يمينا وشمالا وقد بدا الأرق والتوتر باديين عليه، سألت الأم عن الأمر فأجاب بأن هناك شابا أصيب خلال المواجهات ويقال بأنه استشهد.
تضيف حنان، "حينها بدأت دقات قلبي تتضاعف وبدأ الشك يساورني، فقد سمعت صوت انفجار في راس العامود وبالقرب من الحي، سألت الجميع عن ما يحدث فأخبروني بأن أيمن هو المصاب وأنه نقل للعلاج وسيعيدونه لي، لكني بدأت بالصراخ أعيدوا لي ابني الذي خرج مثل الجمل يغني سعيدا أريد رؤيته".
علا صوت حنان ثم عاد صداه فارغا من أي إجابة تطمئن قلب الأم الذي اشتعلت فيه النار، وبعد وقت غير طويل جاء خبر استشهاد أيمن وتوافد المعزون لمنزل عائلته، وتقول، "أحضروه الشبان ووجهه كالورقة البيضاء، فعند خروجه لم يكن وجهه بمثل هذا البياض، وعلى عجل ودعته وشيعناه ثم دفن".
وتشير حنان العباسي إلى أن دعاء ابنها أيمن الثابت طوال الأشهر الأخيرة كان، "يارب يرجع اعتقالي لأشوف أخوي الأسير محمد بعدين أموت شهيد".