رام الله – خاص قُدس الإخبارية: منذ انطلاق الانتفاضة صبت المخيمات جام غضبها المكبوت على الاحتلال لتشعل أبرز نقاط التماس مع جيشه، وتكون الحاضر والموجه الأبرز لأحداث الانتفاضة المشتعلة منذ مطلع تشرين أول الماضي.
عدد من الشهداء والجرحى وعشرات المعتقلين ومنازل مهدمة، كان هذا الثمن الذي دفعته المخيمات وما تزال تدفعه منذ انطلاق الانتفاضة، ناهيك عن ما يفرض عليها من حصار وإغلاقات كانتقام جماعي يفرض على أهالي المخيمات.
ورغم اشتداد المواجهات والاشتباكات التي تشهدها مداخل المخيمات، إلا أن اقتحامها ما زال عصيا على جنود الاحتلال الذين باتوا يعتبرون اقتحامها عملية انتحارية، لا تنفذها إلا الوحدات الخاصة من جيش الاحتلال.
مخيم الفوار جنوب محافظة الخليل والذي تجاوز تعداده (10) آلاف نسمة، محاصر من مدخليه بمعسكر "ادوريم" والذي يطلق عليه شعبيا "معسكر المجنونة"، ومستوطنة "هداي"، إضافة لإقامة الاحتلال شارع "60" الاستيطاني بمحاذاته، والذي يعتبر الممر الرئيس للمستوطنين إلى المستوطنات المقامة في جنوب المحافظة، وهو ما خلق من المخيم نقطة الاحتكاك الأقوى في الخليل.
أمجد النجار أحد النشطاء في المخيم يبين لـ قُدس الإخبارية، أن المخيم له وضع استثنائي لموقعه الاستراتيجي ومحاصرته بمستوطنة ومعسكر لجيش الاحتلال، قائلا، "مخيم الفوار يمر بانتفاضة واحدة منذ عام 1987 ولم تتوقف حتى اليوم".
ويوضح النجار، أنه خلال فترات الهدوء التي كانت تشهدها الضفة، كان المخيم يشهد مواجهات يومية لا تتوقف على مدخليه، فيما يتصدى أهالي المخيم لأي محاولة اقتحام وفي أي وقت، "يسأل ضباط مخابرات الاحتلال الشبان المعتقلين دائما عن الوقت الذي ينام فيه المخيم، ففي كل عملية اقتحام ليلية يكون هناك تصدٍ قوي لقوات الاحتلال".
حقد الاحتلال على مخيم الفوار وتصعيده من سياساته القمعية عليه، بدأت إثر عملية الاستشهاديين مجدي أبو وردة وابراهيم سراحنة ردا على اغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش، ليصبح المخيم بارزا على الخارطة الفلسطينية، بعد أن كانت أولى تصريحات رئيس الوزراء السابق شمعون بيرس عن العملية الاستشهادية التي قتل فيها أكثر من 28 جنديا، عدم معرفته بمكان المخيم، حيث وصفه حينها بمكان يفتقد للبنى التحتية.
ويضيف النجار، أن سلطات الاحتلال تحرم أهالي المخيم من تصاريح دخول الأراضي المحتلة، كما تحرمهم من تصاريح العمل، ما رفع نسبة البطالة في المخيم وزاد حقد الشبان على الاحتلال، ليواصلوا استيقاظهم اليوم للتصدي لأي محاولة اقتحام.
ويشير إلى أن مداخل المخيم تشهد مواجهات يومية يتخللها تنكيل بالأهالي وطلبة المدارس والجامعات، ما دفع الشاب محمد إسماعيل الشوبكي (19 عاما) لتنفيذ عملية طعن جندي على مفرق المخيم قبل أن يرتقي شهيدا.
وطالت حملات الاعتقال خلال الشهرين الأخيرين 25 شابا من المخيم، إضافة لوجود 15 أسيرا من المخيم داخل سجون الاحتلال قبل الانتفاضة، أبرزهم الأسير محمد أبو وردة صاحب أعلى حكم في محافظة الخليل والذي بلغ 45 مؤبدا.
من مخيم الفوار في أقصى جنوب الخليل، إلى مخيم العروب في أقصى شمالها، تتشابه الظروف وتلتقي المقاومة لتحرس نقاط التماس في المحافظة، حيث قدم العروب شهيدين وعشرات الجرحى والمعتقلين منذ بداية الانتفاضة.
رئيس اللجنة الشعبية في مخيم العروب أحمد أبو الخيران بين لـ قُدس الإخبارية، أن مخيم العروب يشهد يوميا وقبل اندلاع الانتفاضة مواجهات عنيفة ومستمرة، إضافة للاقتحامات اليومية وحملات الاعتقال ونصب الحواجز العسكرية على مداخل المخيم، ليخلق منه نقطة توتر دائمة.
ويوضح أبو الخيران، أن أبرز الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال في المخيم تتمثل في حملات الاعتقال العشوائية في صفوف الأطفال، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال تتعمد اقتحام المنازل واعتقال الأطفال منها ونقلهم لمراكز التحقيق لتفرج عنهم فيما بعد مقابل كفالات مالية وتعهدات ورقية من قبل أهاليهم.
ولفت إلى أن ما يقارب 60 طفلا اعتقلتهم قوات الاحتلال من المخيم منذ بدء الانتفاضة حتى اليوم، فيما طالت حملات الاعتقال عشرات الشبان الذين تم تحويل جزء منهم للاعتقال الإداري، فيما بقي الجزء الآخر ينتظر صدور حكم اعتقال بحقه.
وبين أبو الخيران، أن عمليات المداهمة يتخللها إلحاق أضرار كبيرة في المنازل، حيث تتعمد قوات الاحتلال تخريبها وتدمير محتوياتها بشكل همجي وممنهج كجزء من العقاب الجماعي الذي تفرضه على أهالي المخيم، موضحا، أن قوات الاحتلال تغلق مداخل المخيم العروب بحواجز عسكري وتخضع الأهالي للتفتيش وتنكل بهم أثناء دخولهم أو خروجهم من المخيم، وتغلقها بشكل كامل عند اندلاع المواجهات.
ويضيف، أنه ومنذ بدء الانتفاضة قدم المخيم الشهيدان خالد محمود جوابره، ويحيى هاشم كريرة (19 عاما)، واللذان ارتقيا خلال مواجهات شهدتها مداخل المخيم، ويتابع، "رغم تصعيد الاحتلال من قمعه، إلا أن الأهالي يزدادون حقدا وتحديا لقوات الاحتلال".
وإلى شمال رام الله، حيث المواجهات الأعنف والاشتباكات المسلحة التي يشهدها مخيم قلنديا ومحيطه منذ بدء الانتفاضة، حيث ارتقي خمسة شهداء خلال الشهرين الأخيرين منهم الشهيدان ليث أسعد مناصرة (21) عاما، وأحمد أبو العيش (28عاما) اللذان ارتقيا خلال اشتباك مسلح اندلع داخل أزقة المخيم، تصديا لتفجير قوات الاحتلال منزل الأسير محمد أبوشاهين.
رئيس اللجنة الشعبية في المخيم جمال لافي أوضح لـ قُدس الإخبارية، أن موقع مخيم قلنديا المجاور للحاجز العسكري الذي يربط مدينتي رام الله والقدس، جعل منه نقطة توتر دائمة تشهد مواجهات واشتباكات شبه يومية قبل انطلاق الانتفاضة، لتتصاعد مع الانتفاضة ويرتقي خلالها خمسة شهداء إضافة لعشرات الجرحى والمعتقلين.
ويبين لافي، أن الانتفاضة دفعت مخيم قلنديا ليكون أكثر المناطق تميزا وحضورا في التصدي لقوات الاحتلال، وهو ما حصل بعد تفجير منزل الأسير محمد أبو شاهين، والذي ألحق أضرارا كبيرة بمنازل المخيم، مشيرا إلى أن مبنى مكون من أربعة طوابق بات مهدد بالسقوط في أي لحظة.
ويضيف، أن سلطات الاحتلال تفرض عقابا جماعيا على أهالي المخيم من خلال الاقتحامات والمداهمات الليلة، لافتا إلى أنها تشن حملة مداهمات لعدد من المنازل يتخللها تحطيم وتخريب لتعتقل شخص واحد فقط.
تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت تقارير عديدة تضمنت تحذيرات من خبراء في الشؤون العسكرية من أن المخيمات تعد قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة، محذرين من الخطر الذي يشكله السلاح المنتشر بقوة فيها، خاصة أن أجهزة الأمن الفلسطينية "لا تستطيع" دخول هذه المخيمات، حسب زعم خبراء الاحتلال.