رام الله – خاص قُدس الإخبارية: تعرّضت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل خلال الأسابيع الأخيرة إلى موجة مضايقات شديدة، كانت بداية للُعبة نتنياهو الفعلية والهادفة لحظر الحركة بالتزامن مع بداية الانتفاضة القائمة، حيث ادعى نتنياهو أن الحركة تقود التحريض ضد "إسرائيل"، ثم تبع اتهامات نتنياهو اجراءات قانونية وأمنية كان آخرها حظر الحركة بالكامل، رغم تخوفات "الشاباك" من خطورة ذلك في المرحلة الحالية.
وقرر المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" برئاسة نتنياهو الثلاثاء، الإعلان عن الفرع الشمالي للحركة الإسلامية في الداخل المحتل تنظيما محظورا، وأي اقتراب منه أو مساعدة له يعتبر مخالفة جنائية يعاقب مرتكبها بالسجن الفوري، حيث جاء القرار استكمالا لمجموعة قرارات بحق الحركة ورئيسها الشيخ رائد صلاح، وهو ما احتفل به وروّج له الإعلام الإسرائيلي طيلة اليوم.
لعبة نتنياهو بالتّدرّج
تظهر التحليلات الإسرائيلية أن نتنياهو كان لديه خطة منذ بداية أحداث الانتفاضة القائمة، تهدف لحظر الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، حيث نوقش الموضوع على مدار سنوات سابقة، ولكن لم توجد البيئة المناسبة لتطبيقه، فنتنياهو يحاول استغلال الانتفاضة الراهنة منذ بدايتها لتنفيذ مخطط الحظر، وقد خرج في الثامن من تشرين أول الماضي وأعلن أنه سيتخذ اجراءات صارمة ضد الحركة الإسلامية، بسبب تحريضها الدائم، واتصالها بحركة حماس حسب ادعاءه.
وفي اليوم التالي اجتمع مع وزرائه وناقش فرض اجراءات قانونية على الحركة، وفي اجتماع آخر في 16/تشرين الثاني حمّل مسؤولية العمليات التي وقعت في الداخل المحتل لتحريض الحركة الإسلامية، وأن بعض المقاومين كانوا على علاقة بالحركة، إضافة إلى تنظيمها مظاهرات في الداخل المحتل، إلا أن جهاز "الشاباك" أخبر نتنياهو وقتها بأن حظر الحركة يعتبر خطأ فادحا له آثار جانبية كبيرة.
وقال رئيس جهاز "الشاباك" يورام كوهين إنه لا أدلة على مشاركة الحركة الإسلامية في موجة المواجهات الحالية، واعتبار الحركة خارجة عن القانون خطوة ستكون أضرارها أكثر من منافعها. إلا أن نتنياهو لم يستمع لأقوال "الشاباك" حسب الادعاء الإسرائيلي، وقرر بتاريخ 20/تشرين أول في جلسه مع الكابينيت وقف التحركات المالية للحركة الإسلامية وتجفيف التمويل الخارجي، وفي 25/تشرين أول أعلنت وزارة القضاء أنه لا يوجد مخالفة قانونية تمنع حظر الحركة الإسلامية.
وفي 27/تشرين أول حرّض أفيجدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" على الحركة الاسلامية، ونادى بادخال الشيخ رائد صلاح إلى السجن مدى الحياة، وهو ذات اليوم الذي قررت محكمة للاحتلال فيه رد استئناف في قضية ضد الشيخ صلاح، بتهمة التحريض في احدى خطبه في عام 2007، وحكمه بالسجن مدة 11 شهرا، وهو ما اعتبرته الحركة محاولة لتكبيل قيادتها.
ردود فعل إسرائيلية
لاقى قرار حكومة الاحتلال بحظر الحركة الإسلامية ترحيبا كبيرا، فوزير الأمن الداخلي جلعاد أردان قال محرضا، "أيديولوجية الحركة الإسلامية في الداخل هي نفسها أيديولوجية داعش، ورائد صلاح يسعى لتأسيس خلافة، وعلينا محاربة الإسلام الراديكالي".
أما وزير المعارف نفتالي بينيت فاعتبر القرار جزءا من "حرب العالم الحر على الإسلام المتطرف، حرب تمتد من باريس إلى القدس"، مضيفا، "الآن تم الانتقال من الأقوال إلى الأفعال".
واعتبر عضو الكنيست يعكوف بيري وهو الرئيس السابق لجهاز "الشاباك"، أنه رغم تحفظات الجهاز على القرار بسبب توقع زيادته من سخونة وغضب الجمهور العربي في الداخل، إلا أن إسكات الحركة الإسلامية يعتبر أمرا ضروريا.
من جهة أخرى قالت مصادر أمنية إسرائيلية، إن أجهزة الإستخبارات لم تستطع جمع أدلة دامغة على توريط الحركة الإسلامية في التحريض والعنصرية وزعزعة الاستقرار الإسرائيلي، وأبلغت نتيناهو بذلك.
أما وزيرة القضاء الإسرائيلية إيليت شيكيد، فاتهمت الشيخ رائد صلاح والحركة الإسلامية بالتسبب بقتل إسرائيليين من خلال اعلانهم بأن الأقصى في خطر، وهو ما حفز مشاعر الفلسطينيين وأشعرهم بالقلق حول الأقصى، مشيرة إلى أن القرار اتخذ بعد مناقشات عديدة وبمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين، والقانونيين، برئاسة النائب العام والمدعي العام لدولة الاحتلال.
وأشار الوزير زئيف ألكين إلى أن القرار اتخذ منذ أسبوعين، ولكنه كان حبيسا في مكتب نتنياهو، وقد بارك الخطوة وعبر عن سعادته بوجود حكومة مازالت قادرة على اتخاذ قرارات صارمة وبهذه السرية، حسب قوله.
ورد الشيخ رائد صلاح على قرار الحظر والادعاءات الإسرائيلية بإعلان رفضه له، والتأكيد على استمرارية الحركة الإسلامية في أداء رسالتها وواجبها الوطني وتحديدا تجاه القدس.
وأضاف، أنه يناله الشرف أن يكون رئيسا لحركة إسلامية تدافع عن القدس، كما اعتبر أن حكومة الاحتلال هي الارهابية، في حين اعتبر نائبه كمال الخطيب بأن حكومة الاحتلال ارتكبت حماقة من خلال قرارها، وأن القرار دليل على الخوف والوهم الذي تعيشه.
تحريض الإعلام الإسرائيلي
وشكّل الحدث بالنسبة للإعلام الإسرائيلي محط اهتمام كبير، فحجم التغطية الصحافية للحدث وصل مرحلة الاحتفال والبهجة، فتصدرت صور رائد صلاح وإغلاق مكاتب الحركة، وصور الاقتحامات لمؤسساتها ومصادرة محتوياتها كافة المواقع والصحف الإسرائيلية، وهو الأمر الذي أثار أيضا ردود الفعل الإسرائيلية التي ركز عليها الإعلام الإسرائيلي، بأن الخطوة تعتبر انجازا داخليا.
وربط الإعلام الإسرائيلي تسريع اتخاذ قرار الحظر بأنه نتيجة للأجواء الدولية الداعية لمحاربة ما أسمته "الارهاب الإسلامي" بعد تفجيرات باريس، بزعم أن الحركة الإسلامية تمثل جزءا من الامتداد الإسلامي في الداخل المحتل للحركات "الارهابية"، في حين اعتبر أعضاء فلسطينيون في الكنيست القرار استغلالا سفيها لأحداث باريس.
موقع "واللا" وصف القرار بالضربة المميتة التي تلقتها الحركة، وحاول إلصاق تهمة التحريض بها، ولم يخلو خبر أو مادة صحافية من كلمة "التحريض" على قتل إسرائيلي و"العنصرية" و"زعزعة الاستقرار" الإسرائيلي، فيلاحظ بأن الدور بين الحكومة والإعلام الإسرائيلي تكميلي، فالحكومة تخلق القضية والتهمة، والاعلام يروج لها.
والتزم الإعلام الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة بنشر مواد تحريضية مطابقة لأقوال نتيناهو، حول تمويل الحركة الإسلامية ونشاطاتها وتأثيرها، وما أسمته تحريضها على أن الاحتلال ينوي تغيير الوضع الأمني في الأقصى، واليوم تم تعميم بيان الحظر على كافة الأجنحة الإعلامية من وكالات وصحف وتلفزيونات وإذاعات ودوائر حكومة في الوزارات، ومواقع اللوبيات الإسرائيلية في العالم.