يغطون وجوههم بملابسهم، أو بكوفية سوداء، ليست لأنها شاخت بل بحثاً عن مشاهد جديدة علها تغيرت منذ التسعينات.
هم شبان بالعشرينات من العمر صنفتهم حكومة الاحتلال بأنهم "إرهابيون" أو "مخربون"، لكن في الحقيقة هم خرجوا لإنهاء آخر احتلال في التاريخ المعاصر.
سكين، وحجارة، وكوفية، وإطارات مشتعلة.. هذا سلاحهم، مقابل ترسانة عسكرية لم تلتزم يوماً بأي وثيقة لحقوق الإنسان في العالم.
أتسموا جميعهم بأنهم ولدوا في ظل اتفاقية أوسلو و"مسيرة التسوية" وما رافقها من إحباط سياسي، أخذوا يعبرون عنه برفضهم للواقع بإعادة القضية لمربع الكفاح الأول.
نتساءل عن الأسباب التي دفعتهم للانتفاض دون توجيه فصائلي؟
إذا قدر مجتمع حاجته للثورة فهل يتوجب عليه انتظار وقوع كارثة مروعة كي تنقدح شرارة الغضب؟! وهل من العدل أن يُطلب من الجماهير الفلسطينية بالضفة والقدس أن تصنع معادلة دفعة واحدة خاصة ضمن ظروفها المعقدة الراهنة؟!
أشارت دراسة أعدها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يؤكد أن الشباب الفلسطيني الذي أطلق انتفاضة القدس بات اللاعب الأكبر في تحديد مسار الأحداث، وتحولها من مواجهات إلى انتفاضة شعبية تعم أرجاء فلسطين.
يروي أهالي منفذي العمليات أنه لم يكن يبدو عليهم أي نية مسبقة للتنفيذ، وقد جاء معظمهم من انتماءات سياسية واضحة ومنهم من قضى فترات في سجون الاحتلال، ومن بينهم مستقلون لا ينتمون لأي فصيل.
وفي تحقيقات كشفت عنها حكومة الاحتلال خلال تحقيقها مع معتقلين نجوا من الإعدام بعد تنفيذهم عمليات أو محاولة تنفيذهم، تبين أن عددا من هؤلاء قرروا بشكل مفاجيء تنفيذ العملية، وأن الوقت بين اتخاذ القرار والتنفيذ لم يزد عن ساعة.
ويقول ما يسمى بالقائد العسكري لمنطقة الخليل يسرائيل تال، إن أفراد الشرطة والجنود في حالة استنفار على مدار الساعة منذ مايزيد على الشهر، مضيفا، "كل ما يشغل بالنا محاولة معرفة أين وكيف ستأتينا العملية القادمة، فليس هناك قواسم تمنحنا القدرة على تحديد المنفذ القادم بالضبط".
رغبتهم بالتمرد والتغيير لإيجاد منهج بديل عن التفاوض المستمر منذ 22 عاما، وهذا يعد حالة متقدمة من الوعي، فلم يعد يقبل هؤلاء بثقافة الهزيمة والانكفاء والهم الفردي، كل المحاولات فشلت في إخراجهم من دائرة الهم الوطني المشترك.
فالحركة الشبابية الأخيرة تعيش حالة وعي سبقت وعي كل القيادات والحركات السياسية الفلسطينية التي عجزت عن رسم استراتيجة سياسية وبناء ركائز لحماية الانتفاضة، ولهذا فإن الشاب الفلسطيني أخذ يرسم ملامح جديدة للثورة الفلسطينية على الواقع الصعب، مسقطا مقولة الاحتلال بأنها "انتفاضة فيسبوك".