الخليل – خاص قُدس الإخبارية: لم يغيّر الاحتلال الإسرائيلي نظرته عن مدينة الخليل، بصفتها حاضنة المقاومة على مرّ سنوات الانتفاضة، فتارة يصفها بالأسد النائم، وتارة بمصدر "الفوضى" و"القلق"، لكن على أسلوب التعامل معها تختلف حكومات الاحتلال، بينما يحاول الإعلام الإسرائيلي تصويرها بمدينة "الإرهاب" و"التخريب"، لأنها تصنع من جنازات شهدائها قبلة للمواجهات والمقاومة الحنيفة.
وبلغ عدد العمليات التي ادعى الاحتلال بأن مقاومين من محافظة الخليل نفذوها 23 عملية، بينما بلغ عدد شهداء الخليل 25 شهيدا خلال أحداث الانتفاضة القائمة، أي ما نسبته 35% من مجمل شهداء الانتفاضة، في حين زاد عدد جرحى المحافظة عن 1100 خلال أحداث المواجهات والعمليات، والموزعة على 19 نقطة تماس مع جيش الاحتلال و المستوطنين، حسب ما ذكرت المراكز والمصادر الفلسطينية.
الخليل معقل المقاومة
رصدت شبكة قدس الإخبارية خلال الأيام الماضية كل ما نشره الإعلام الإسرائيلي بمختلف وسائله حول مدينة الخليل، وآلية تعامله مع الأحداث فيها، والانطباعات التي نقلها لجمهوره، لتظهر لنا الصورة جليّة عن أهمية مدينة الخليل وما تشكله من قلق لـ"إسرائيل".
فوصف الإعلام الإسرائيلي المواجهات الدائرة في الخليل بأنها الأعنف في مناطق الضفة، بل وحصلت على أعلى نسبة من العمليات والشهداء، وهو ما يؤكد تصريحات بن غوريون عندما قال إن الخليل هي الشقيقة الصغيرة للقدس.
ولم يُغفل الإعلام الإسرائيلي أن الخلايلة أكثر سكان الضفة فكاهة، فأغلب النكات الفلسطينية للخلايلة نصيب كبير من فكاهتها، حتى أن الأمر وصل إلى عمليات الطعن، حيث يوصف الخلايلة بأن "رؤوسهم يابسة" حتى في التعامل مع الاحتلال. من جهة أخرى ركّز الإعلام على أن الخليل أكبر مدن الضفة من الناحية الاقتصادية، ففيها 30% من الاقتصاد الفلسطيني، إلا أن ذلك لم يمنعها من المشاركة في الانتفاضة القائمة.
وتعود أسباب مشاركة الخليل في الأحداث الجارية من وجهة نظر الاحتلال، إلى الاحتكاك المستمر مع المستوطنين، والتوجه الديني السائد في المدينة، كما أن المدينة تعتبر احدى معاقل حركة حماس، حسب زعم الاحتلال، ووجود الأماكن الدينية والمقدسة مثل المسجد الإبراهيمي فيها يعتبر بؤرة نزاع، إضافة إلى استفزازات مستوطني الخليل، الذين يصفون صوت الأذان بأنه "إرهاب صوتي".
من جهة أخرى فالمدينة تعتبر مصدر قلق للسلطة الفلسطينية أيضا كما يقول الاحتلال، فيدعي الصحافي الإسرائيلي ايهود خيميو أنه على الرغم من كل الاجراءات المتخذة ضدها بالتعاون مع السلطة، سهل أن تجد فيها من هو مستعد لقتل اليهود.
أما موقع واللا الإسرائيلي، فيرى بأن الخليل مصدّرة منفذي العمليات ضد "إسرائيل"، والعقل الأيديولوجي المدبر للعمليات المسلحة، ما يجعل جنود الاحتلال في المدينة لديهم جاهزية القتل على مدار الساعة، بينما يقول أحد الجنود أن الرصاصة في بيت النار، ويعنون الموقع أحد مقالاته "الأصبع على الزناد في الخليل المشتعلة".
في حين أبدى مقدم القناة الثانية استغرابه من تسليم جثامين الشهداء لعائلاتهم واحتفال السلطة بذلك بشكل رسمي، "فهي تكرم الشهداء وتعتقل المخربين المتوقع أن يصبحوا شهداء"، على حد زعمه.
وفي ذات السياق أعدت القناة الثانية تقريرا عن طريق 60 الواصل بين جنوب الضفة وشمالها، والذي يمر من الخليل ومفترقات الطرق عند العروب وبيت أمر و"غوش عتصيون"، والواصل بين أغلب المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، "كان يطلق على هذه الطريق، طريق المحبة، أوستراد المستوطنين، لكن اليوم أصبحنا نسميه طريق الدم والانتفاضة"، تقول القناة.
وقال الضابط الإسرائيليي يهودا شاؤول، "الخليل تظهر فشل سياسة إسرائيل بالضفة، فاستمرار سيطرتها العسكرية على المدينة سيجلب موجات دامية متلاحقة من العنف"، ويضيف "نجحنا بتدمير حياة الفلسطينيين في الخليل، ولكننا لم ننجح في جلب الأمن للإسرائيليين".
ويتحدث يهودا شاؤول في مقال آخر نشره على موقع واللا، وعنونه بـ"الخيل العنف الأبدي"، أن تضييقات الاحتلال في البلدة القديمة وشارع الشهداء، حولت المدينة إلى مدينة أشباح لليهود، إلا أن شاؤول لا يجد حلا للتعامل مع أهل الخليل سوى "استخدام القوة لردعهم، فالسيطرة والاستيطان في الخليل له ثمنه، وعلينا أن نكون متيقظين لذلك".
قضية تسليم جثامين الشهداء
بالرغم من التشديدات الأمنية للاحتلال في مدينة الخليل ومناطق التماس، إلا أن الارتباك الإسرائيلي بدا واضحا في قضية تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين في الخليل تحديدا، فاعتبر البعض أن تسليم جثث شهداء الخليل سيحول الجنازات لمواجهات، وسيثير مشاعر الفلسطينيين ويحرضهم على قتل الإسرائيليين، في حين اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن إعادة الجثث تهدف بالأساس إلى تهدئة الخليل وغضب المواطنين فيها.
واعتبر مصدر أمني إسرائيلي أن إعادة جثامين شهداء الخليل كان خطأً، وجاء بنتائج مخالفة لإرادة الجيش و"الشاباك"، حيث أدى إلى زيادة المواجهات واستمرار العمليات، وهو الأمر الذي صرح به أيضا زعيم حزب "إسرائيل بيتننا" أفيجدور ليبرمان.
وقال ليبرمان، إن خطوة إعادة الجثامين تعتبر مكافأة لمنفذي عمليات الطعن، بينما عارض وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان تسليم الجثامين، كي لا تتحول مركزا "للتحريص والإرهاب"، وأضاف، "يجب تخريب الاحتفالات بمن نفذ عمليات ضدنا".
أما وزير جيش الاحتلال موشيه يعالون فقال إنه "لا يرغب بأن يصبح تاجر جثث"، كما أن تسليمهم قد يهدئ من روع أهالي الخليل، وفق قوله.
ويفسر هذا التضارب في المواقف الشروط التي وضعتها سلطات الاحتلال على تسليم الجثامين أمس، بأن دفن الجثامين في ساعات الليل دون مراسم تشييع واحتفالات، وتحديدا بعد أن شهدت المدينة جنازة تاريخية من حيث أعداد المشاركين ظهر أمس السبت، تم خلالها تشييع جثامين ثلاثة فتيان وفتاتين من المدينة.
كيف تعامل الإعلام الإسرائيلي مع الخليل؟
يعمل الإعلام الإسرائيلي ضمن منظومة فكرية وإعلامية تحددها التوجهات السائدة في دولة الاحتلال، والقوانين التي تجبر المؤسسات الإعلامية على تبني نهج سياسي وفكري وإعلامي موحد تجاه الفلسطينيين "العدو البديهي".
ومن مجمل المواد الصحافية التي نشرها الإعلام الإسرائيلي نستطيع استخلاص عدة محاور ركز عليها فيما يتعلق بمدينة الخليل، حيث كان أبرزها التحريض على الخليل باعتبارها "مدينة الإرهاب"، كما حاولت التأكيد عند ذكر كل الشهداء بأنهم "مخربون ونفذوا عمليات تخريبية".
ويلاحظ الاهتمام الخاص بمدينة الخليل في إعداد قصتين تلفزيونيتين عن المدينة والأحداث التي تدور فيها، فوصفت القناة الثانية الأحداث بأنها "انتفاضة الخليل"، بينما استهجنت بشكل واسع تشييع جثامين الشهداء في الخليل، في تأييد واضح لضرورة عدم تسليم من تبقى من الشهداء.
من جهة أخرى حمّلت كافة المواد الصحافية المنشورة في الإعلام الإسرائيلي المسؤولية عن التصعيد والقتل، للشبان الفلسطينيين بشكل دائم، وتمسك الاعلام بتبرير استخدام جيش الاحتلال للعنف والقتل بحجة الدفاع عن نفسه، وبإظهار جنود الاحتلال على أنهم الضحية، فعلى سبيل المثال، "مقتل مخرب فلسطيني بعد محاولة طعنه جندي" فدائما الفلسطيني هو المهاجم، حتى لو تم اعدامه بدم بارد.
وحاول الإعلام الإسرائيلي تهويل الأوضاع في الخليل، وأنه يتوجب أخذ الحذر من أهل المدينة، فالمنطقة تشكل "بعبع" للشاباك كما يقول، فارتفع مستوى التحريض ومعها القتل بالشبهة، وهو الأمر الذي حدث أكثر من مرة في أحداث الخليل، في حين أن الرواية الفلسطينية والمصادر الفلسطينية في مثل هذه الأحداث تم تجاهلها وتغييبها بشكل كامل.