شبكة قدس الإخبارية

عروة حماد ... شهيد يحيا كل يوم

شذى حمّاد

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: أسقطوا أيديهم على الطبول مجددين الوعود التي قطعوها في ذواتهم قبل عام، تحديدا في ذاك اليوم حين اختطف رصاص الاحتلال صديقهم.

 ترى أصدقاءه يقلبون نظراتهم في الحشد باحثين عنه، فربما أيقظه قرع طبولهم التي جابت بلدة سلواد شرق رام الله؛ توقفوا هنيهات أمام منزله كما اعتادوا قبل عام، ينادوه، يطل عليهم ويخبرهم أنه سيلاقيهم بعد قليل.

صفعة من الذاكرة أيقظتهم أن صديقهم عروة حماد (14 عاما) لن يطل عليهم مجددا اليوم أو غد أو حتى بعد غد، ليكملوا مسيرهم إلى مثواه الأخير حيث تركوه في مقبرة شهداء بلدة سلواد.

[caption id="attachment_76901" align="aligncenter" width="600"]عرض كشافة أمس السبت إحياء لذكرى استشهاد عروة عرض كشافة أمس السبت إحياء لذكرى استشهاد عروة[/caption]

ففي 24/تشرين أول/2014، أصيب الطفل عروة برصاصة اخترقت رقبته وشقت الوريد الأيمن خلال المواجهات الأسبوعية التي تشهدها البلدة كل يوم جمعة، ليرتقي شهيدا بعد عرقلة جنود الاحتلال وصول الإسعاف إليه.

عروة ترك أقرانه يكبرون عاما بدونه، دون أن يقف ليشاكسهم في الطابور الصباحي، أو يجادل معلمه محاولا أن يظهره على خطأ مجددا، دون أن يدخل النادي مرة أخرى ليتدرب على رياضته المفضلة "الملاكمة"؛ إلا أن روحه بقيت تكبر فيهم.

يروي جهاد الطويل صديق عروة، أنه في يوم استشهاده تلقى منه اتصال عصرا طلب منه الحضور إلى النادي لمناقشة موضوع بينهم، "لا أعلم ماذا حصل لي عندما تلقيت اتصاله، كنت في منطقة بعيدة فعدت مباشرة إلى البيت ثم ذهبت إلى النادي".

ويضيف جهاد، "وأنا في طريقي للنادي، اتصل بي عروة مرة أخرى، وأخبرني أنه ذهب للمواجهات فذهبت إليه هناك"، في كل مرة كان يحاول جهاد أن يعود وعروة من منطقة المواجهات إلا أن هذه المرة طلب منه عروة العودة ليلقاه بعد صلاة العشاء ليخبره "بالموضوع" الذي سيناقشه فيه.. يتابع جهاد، "لم أصر عليه ليعود معي في ذاك اليوم، تركته ووعدني أن يذهب للبيت و يلقاني في النادي".

لم يصل جهاد حتى تلقى اتصالا آخرا من أحد الأصدقاء يخبره أن عروة أصيب واحتجزه الاحتلال، ثم جاءه اتصال آخر بأن عروة نقل للمشفى، "لم أصدق فعروة وعدني أنه سيروح وسيلقاني بعد العشاء".

"وصلت المشفى حيث كان كل أهل البلد هناك، صدمني نبأ استشهاده، تمالكت نفسي بعد وقت وودعته الوداع الأخير"، كان دم عروة ما زال ينزف وغطى يدي جهاد فامتنع عن غسلهما، متعلقا بما تبقى من صديقه".

صداقة عروة وجهاد لم تكمل عامها الخامس، على الرغم من أنهما تعاهدا أن لا يفترقا، "لم اتعرف على شخص كعروة، لا يوجد أحد لديه طيبة قلبه وصفاوته وحنانه"، مضيفا، "كان يضحك دائما وابتسامته لا تغيب، كان متعلقا بالوطن ويرفض أن يشتم أحد فصيلا أو حزبا".

ويستذكر جهاد إحدى محادثاته على "الفيسبوك" مع عروة، "سألته إلى أي مدرسة سينتقل، فقال لي، "سأذهب إلى مدرسة الأنبياء والصالحين عند الله".

أحمد عياد صديق عروة قال من جانبه، "لا وصف لشعور فقدان عروة، خسرنا جزءا من أنفسنا عندما استشهد"، ويروي أحمد أنه كان مع عروة قبل نصف ساعة من استشهاده، مضيفا، "عندما اختفى قلقنا عليه كثيرا، وارتاح قلبنا عندما اتصلت عليه وسمعت صوت كلام باللغة العبرية، فقلت يعتقل أهون علي أن أفقده .. لكن عندما عرفت أنه أصيب، أقنعت نفسي أن الإصابة بالرصاص المطاطي وأن عروة سيكون بخير إلا أنه استشهد".

ويصر أحمد أن جنود الاحتلال اغتالوا عروة وتعدموا قتله، ويقول، "أفتقده كثيرا، كان يعني كل شيء لنا، كنا نعتبره زعيمنا".

فيما يروي عامر معروف أنه كان يختلف وعروة دائما، إلا أنهما سريعا ما يتصالحا، "لم أكن استطع النوم عندما كنا نتخاصم أنا وعروة، وكنت أذهب إليه في اليوم الثاني ونتعذر لبعضنا ونعود كما كنا".

قبل استشهاد عروة بيومين، جلس مع عامر وحيدين بعيدا عن أصدقائهم ولأول مرة، "قال لي عروة أن لا أبقى متوتر ومعصب، تحدثنا كثيرا، ومر وقت طويل ونحن نلعب قبل أن نعود للمنزل، واتفقنا أن نلتقي مجددا في المدرسة في اليوم التالي".

ويتحدث عامر عن يومه الأخير مع عروة، مبينا، أنه وأصدقاءه أقاموا عرسا لعروة في الصف وحملوه على أكتفاهم، ويضيف، "منذ الصباح ونحن نلعب سويا ونضحك، وفي حصة الدين طلب عروة من الاستاذ أن نأخذ الحصة خارج الصف ووافق الأستاذ".

[caption id="attachment_76899" align="aligncenter" width="600"]تشييع جثمان عروة العام الماضي تشييع جثمان عروة العام الماضي[/caption]

ويوضح أنه ألتقى بعروة في صلاة الجمعة، وفي الظهيرة بحث عنه في النادي وأخبروه أنه في المواجهات، "استغربت عندما علمت أنه في المواجهات فقد مضى وقت طويل على آخر مرة ذهب فيها إليه، إلا أنه أصر على الذهاب هناك في ذلك اليوم".

ويتابع عامر، "لا أصدق أن عروة استشهد، لم أتوقع أن اخسره في يوم من الأيام، فأنا معتاد أن نبقى سويا ونلتقي كل يوم، لم أكن أعلم أن يومنا الحافل بكل ذلك الضحك واللعب سيكون اليوم الأخير لعروة بيننا .. كان ينظر للسماء ويتمنى أن يستشهد، وقال لي يوما ما، لو استشهدت أوصيك بأمي وعائلتي".

[caption id="attachment_76900" align="aligncenter" width="600"]رفاق عروة يزورون قبره أمس رفاق عروة يزورون قبره أمس السبت[/caption]