القدس المحتلة – ترجمة قُدس الإخبارية: "هاد الحكي عمره ما بجيب سلام، كل يوم في قتيل أو شهيد، لازم تكون حرب فاصلة لأنه اليهود بيجبرونا نتعامل معهم هيك"، كان هذا رد فتىً فلسطينيا من القدس لم يتجاوز عمره (15 عاما) على صحافي إسرائيلي سأله إلى أين تسير القدس، بينما أجاب صاحب مخبز على ذات السؤال "إذا أحضرت قطة وحبستها فستتحول إلى أسد".
كانت القصة التلفزيونية التي عرضتها القناة العاشرة الإسرائيلية، الجمعة، والمعنونة بـ"رحلة إلى أرض الإرهاب في شرقي القدس"، تهدف إلى تصوير أبناء القدس بأنهم "متطرفون"، وذلك لتبرير اجراءات سلطات الاحتلال ضد البلدات الفلسطينية وسكانها، حيث فرّغت القناة العاشرة اثنين من أكبر صحافييها وهما ألون بن دافيد وتسفي يحزكالي لإعدادها، إلا أن ردود أبناء المدينة عليهم حملت في طياتها معاني كثيرة.
فتيان القدس
بدت الصورة متجسدة بشكلها الكامل على مدخل بلدة صور باهر جنوب شرقي القدس، حيث تجثم كتل اسمنتية تحظر حركة المتنقلين، مرفقة بمجموعة من الجدران المتنقلة، وجنود احتلال يرصدون الحركة في البلدة عن بعد. بالتزامن مع هذا المشهد يخرج صوت أحد فتيان البلدة بصوت مرتفع وغاضب، متوجها للصحافي بن دافيد "الأرض هاي إلنا ولجداد جدادنا، وفي التاريخ إلنا، دخلتوا عليها في الـ 48 و الـ67 مزبوط؟"، لتتحول الكاميرا إلى مشهد آخر تاركة تساؤله بلا إجابة.
فتيان القدس بنظر الصحافي الإسرائيلي بن دافيد أصبحوا يشكلون دولتهم في القدس، "لهم خصائصهم وأساليبهم، جلهم ولدوا إبان الانتفاضة الثانية وترعرعوا خلالها، ويوصفون بجيل ما بعد أوسلو". بعد عودتهم من المدرسة يستوقفهم بن دافيد ليسألهم عن تطورات الأوضاع في القدس والحلول المقترحة، فيسكته أحدهم "هذه نهاية إسرائيل قربت"، بينما يقول آخر بكل ثقة "الحل أنه يرجع اليهود إلى المكان الذي جاءوا منه"، ثم يباغته فتىً آخر من نفس المجموعة بقوله، "طخيتوا اسراء عابد وهي رافعة ايديها وما كان معها سلاح وبدكم سلام! وبتقتحموا الأقصى وبدكم سلام".
لم يعلم الصحافي الإسرائيلي بأن فتيان القدس ورغم ما يعانونه من تشديدات أمنية لديهم الجرأة ليتحدثوا أمام الكاميرا بثقة عالية وبردود كهذه، علما أنه تجاوز في مقابلاته مع الأطفال والفتيان أخلاقيات مهنة الصحافة، حيث يمنع إجراء المقابلات مع القاصرين دون إذن أولياء أمورهم وفي غيابهم.
ماذا يريد أبناء القدس؟
يتجول الصحفيان الإسرائيليان بن دافيد ويحزكالي في أحياء القدس، ويصلون إلى بلدة جبل المكبر وقت الظهيرة، حيث تكون المواجهات على أشدها بين الشبان وقوات الاحتلال، وتنهال على المحتجين قنابل الغاز وقنابل الصوت والرصاص المطاطي.
في هذا الوقت يلتقي الصحافيان بهاني سرور الذي يعمل كمقاول ويقارب عمره الستين، يسألونه "ما الذي يريده المقدسيون؟"، فجاءت الإجابة واضحة جدا، " الحل أن يخرج المستوطنون من الأقصى، ويعطوا الفلسطينيين كل حقوقهم للعيش بكرامة، كما تعيش أنت داخل إسرائيل، بعد ذلك لن تكون هناك انتفاضة، ألا نستحق أن يكون لدينا دولة، ونعيش بسلام كباقي العالم؟!".
ويطلب هاني إزالة الجدران الاسمنتية التي أصبحت تكبل سكان المدينة، ويقول، "الأموال التي دفعت على هذه القواطع تكفي لفتح مدارس للسكان هنا، فكيف تتوقع أن يتصرف شاب تضعه داخل هذه الجدران، ستضطرونه وتدفعونه لمهاجمتكم، الشخص الذي يصفعك على وجهك عليك أن تصفعه أيضا".
ويتحفظ الصحافي على تسمية الأحداث بالانتفاضة وهو يتجول في أزقة القدس، لكنه يقول إنها أنعشت سكان أراضي 48"، فنور عفانة صاحب بقالة في الخمسينيات من العمر أجابه عن سؤال "ماذا يريد المقدسيون؟" بالقول، "لا يريدون سوى العيش يهدوء وسلام، لا أريد أن أكون كمقدسي متهما ومشبوها في كل وقت وفي كل مكان".
سياسة الانتقام الجماعي
الصحافيان الإسرائيليان كانا يدافعان عن الاجراءات والقيود الاحتلالية في القدس، وتحديدا في صور باهر وجبل المكبر والعيسوية، على اعتبار أن نسبة عالية من منفذي العمليات في القدس مؤخرا كانوا من هذه البلدات، لكن الرد الفلسطيني عليهم كان حاسما، فناصر الرجبي صاحب أحد المخابز قال لهم بصوت مرتفع وغاضب، "إذا أحضرت قطة وحبستها خلف الباب بعد فترة ستتحول إلى أسد، وهذا ما يجري هنا في القدس".
من جانبه، يقول رائد عبيدات أحد سكان جبل المكبر (40 عاما) بصوت غاضب،"كلما أردت اجتياز الحاجز علي أن أخلع ملابسي، نحن لا نستطيع الدخول للأقصى، وكل يوم نشاهد مقاطع قتل فلسطينيين وفلسطينيات على فيسبوك وأنتم تدوسون عليهم، ليس هكذا تكون الأمور"، لكن ذلك لم يمنع استمرار الصحافي بتبرير إجراءات الاحتلال التي تهدف لمنع تفاقم الأوضاع.
وبالعودة إلى ناصر الرجبي فقد جلس الصحافيان أمام مخبزه، وتناقشا معه حول تأثير الأحداث الجارية على الفلسطينيين في القدس، ليجيب محاولا تلخيص المشهد بالقول، "المقدسيون هم الخاسر الأكبر في كل ما يحدث، لا نتنياهو ولا أبو مازن يعلمون ما الذي يجري في القدس، وفي كل مرة نتلقى صفعة من أبو مازن، وبعدها نتلقى مثلها من نتنياهو"، وفق تعبيره.
وبطبيعة الحال فقد تمت صياغة التقرير بطريقة تهدف إلى القول إن الفلسطينيين لا يريدون تهدئة الأوضاع في المدينة المقدسة، وإنهم يلقنون أبناءهم كراهية المستوطنين، متجاهلا ردود الفعل العفوية لدى الفلسطينيين وتحديدا الأطفال منهم، الناتجة عن جرائم المستوطنين وجيش الاحتلال المتواصلة داخل المدينة وفي بقية المدن الفلسطينية المحيطة بها.