على الرغم من أن العلاقات التي تربط "إسرائيل" بدول الخليج لم تأخذ طابعاً رسمياً وعريضاً حتى الآن، إلا أنها على الاقل تأخذ منحاً متصاعداً بشكل لافت سواء في المجال الاقتصادي أوالاستخباراتي أوالدبلوماسي.
لا يمكن الكتابة في هذا الموضوع دون الاعتماد على مواد تعتبر سرية إلى حد ما. وهو ما يعقد مسألة البحث بشكل أو بآخر. لذا فإن اتباع طريقة معينة في تتبع الروايات المختلفة التي نشرت بالفعل ثم البحث في خلفياتها وأهميتها يعد وسيلة ذات مصداقية أكبر، بالإضافة إلى اصطياد تصريحات المسؤولين .
العلاقات السرية
قد يكون وصف العلاقات بالجيدة بشكل عام جواباً كافياً هنا، لكنه لايزال بحاجة أكبر إلى التوضيح والشرح ومزيد من التفاصيل. فعلى الرغم من القلق المشترك الذي يجمع دول الخليج مجتمعة و"إسرائيل" من برنامج إيران النووي وطموحات طهران في المنطقة، إلا أن ردود أفعال دول الخليج على الاتفاق النووي جاءت محبطة لـ"إسرائيل" بشكل أو بآخر.
فعندما تم الإعلان عن الاتفاق النووي بتاريخ 14/تمور من العام الجاري في فيينا أعربت الدول العربية الست (السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، عمان) عن تأييدها لحل أوباما لهذه الأزمة رغم تحفظهم على بعض التفاصيل طالبين الاستيضاح بشأنها.
إلا أن "إسرائيل" على الطرف الآخر، رفضت الاتفاق جملة وتفصيلاً واعتبرته سقطة من الإدارة الأمريكية، ولعل موقف دول الخليج هذا أعاد تذكير دوائرالحكم في "إسرائيل" أن حجم الروابط مع دول الخليج يجب أن يكون أكبر ويتمتع بصيغ أكثر حيوية، على الأقل لتفادي هذا التضارب الحاصل بقضية تربط الجانبين مصيرياً.
ومن هنا يتضح لنا أن شكل العلاقات التي تجمع الطرفين يشهد صعوداً وهبوطاً بشكل متردد. فلا يمكن تصور عملية اغتيال الموساد للقيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010 قد مرت مرور الكرام دون أي تأثير أوتنسيق حتى.
ومع ذلك فإن العلاقات والروابط الاقتصادية والتجارية تشهد نمواً مضطرداً. حتى أنها تعتبر في بعض البلدان الخليجية علاقات هامة وأساسية. ولعل بعض الإحصاءات التي تتداولها أجهزة الحكم الخليجية عن معدل التبادل التجاري مع "إسرائيل" تبعث الإندهاش والصدمة.
وتتمثل الكثير من معالم التبادل التجارية في الخمور الإسرائيلية التي تغزو أسواق دول الخليج والعراق حتى، والتي تنتج دون أي إشارة إلى أن مكان انتاجها هو "إسرائيل"، وفي حادثة متكررة تحدث العديد من الصحافيين عن استخدامهم لبيرة "جولد ستار" الإسرائيلية، حتى أن أحدهم أورد قصة حدثت معه بعد أن تمكن من الحصول على هذا المنتج قرب أحد معاقل مليليشيا بدر الموالية لإيران في البصرة. وكذلك وجدها في الكويت والإمارات غيرها من دول الخليج.
الدبلوماسية الأمريكية
وفر الصيف الماضي بسبب كثافة أحداثه حصاداً جيداً لقياس علاقة "إسرائيل" وطبيعتها بالدول العربية وخاصة دول الخليج. وكان السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة مايكل أورن قد كتب عن هذه العلاقات قائلا، "إحدى أهم الامتيازات التي يحظى بها السفير الإسرائيلي في واشنطن تتمثل في قدرته على لقاء عدد كبير من الشخصيات العربية والدبلوماسيين العرب دون أي سجل أو متابعة إعلامية. وباستثاء السفير السعودي، فإن كل نظرائه كانوا على استعداد للتحدث معي، بل والجلوس في جلسات نقاشية وتسلية. لقد كانوا استثنائيين."
وكانت "الهافينغتون بوست" قد ركزت أنظارها على سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية يوسف العتيبي تحت عنوان "مدينته"، حيث أشار السفير إلى مدى توافق وجهات النظر الذي يجمع بين الإمارات و"إسرائيل" في ما يتعلق بالتشكيك بنوايا إيران.
ووصف تقرير الصحيفة علاقة العتيبي بالسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة رون ديرمر بالعلاقة القوية والقريبة جداً وأنهم متفقون على كل شيء باستثناء بعض النقاط المتعلقة بالفلسطينيين.
وحسب الصحيفة، فقد أكد مسؤول رفيع في السفارة الاسرائيلية على أهمية هذا التحالف الاستراتيجي لـ"إسرائيل"، فعلى حد قوله، "إسرائيل والعرب يقبعون سوياً في نفس المكان والتحديات، عندما تقف إسرائيل والدول العربية في صف واحد فهذا قوة للعرب وإسرائيل على حد سواء."
ووفق تقرير الهافينغتون بوست نفسه فإن ديرمر دعا العتيبي لحضور كلمة ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، لكن العتيبي رفض حضور هذه الكلمة المتعلقة بإيران بسبب ماوصفه التقرير بالحساسيات السياسية في الوطن.
وكان متحدث باسم السفير الإماراتي قد نفى وجود أي علاقة صداقة بين السفيرين، وأن هناك قيود على التعامل الدبلوماسي بين الإمارات و"إسرائيل".
ووفقاً لنفس التقرير أيضاً فإن نتنياهو وأثناء لقائه وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في يوليو الماضي بغية بحث الاتفاق النووي مع إيران، أعرب عن تذمره بسبب التدخل الذي قامت به أمريكا في صفقة أسلحة متطورة عقدت بين بعض الدول الخليجية و"إسرائيل".
ووفقاً لتقارير إسرائيلية أكدها مسؤول أمريكي، فإن العلاقة المتنامية هذه تثير العديد من التساؤلات والشكوك خاصة أن الدول الخليجية في الوقت ذاته لم تقم بتبادل الاعتراف مع "إسرائيل" علانية حتى الآن، وهو ما يعني أن ما يمر تحت الطاولة ودون علم المجتمع الدولي أو وسائل الإعلام أكبر بكثير من مجرد ما يظهر بين الحين والآخر.
العلاقات الإسرائيلية - السعودية
ولعل أحد أبرز الأحداث خلال الصيف الماضي كان الإنفراج في العلاقات السعودية الإسرائيلية من خلال مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن أوائل يوليو الماضي. وكان دوري غولد، وهو أحد المقربين من نتنياهو وتم ترشيحه لمنصب مدير عام في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قد شارك في لقاء لهذا المجلس جمعه مع الجنرال السعودي أنور عشيقي والذي يعد أحد أهم مستشاري الملك السعودي ورئيس مركز دراسات استخبراتية في جدة. وعقب الاجتماع تبادل الرجلان أطراف الحديث وتبادلا وجهات النظر حول الشرق الأوسط والأحداث الدائرة فيه.
ويبدو أن إدارة أوباما قد أيقنت في هذه الظروف أن "إسرائيل" و السعودية تملكان مصالح مشتركة فيما يتعلق بإيران والتطورات الأخيرة هناك. وعلى الرغم من أن دوري غولد يحظى بدور أكبر في إسرائيل من الدورالذي يمثله عشيقي في المملكة، إلا أن الأخير لا يمكن أن يتحدث علانية مع شخصية سياسية إسرائيلية دون موافقة دوائر الحكم في السعودية وتحديداً الملك نفسه.
ووفق العديد من التقارير فإن الاتصالات السعودية الاسرائيلية بدأت في وقت مبكر من عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، واستمرت في عهد أخيه سلمان، ما يعني ضمنياً موافقة الملك الجديد على هذه الخطوات، خاصة وأن عشيقي نفسه قد ذكر في أكثر من مرة أنه لم يواجه أي مشاكل في السعودية بعد انتشار الأخبار عن اجتماعه مع المستشارين الإسرائيلين او ذكر الاتصالات التي اشرف عليها بين الطرفين.
وتعود بداية الاتصالات السعودية الاسرائيلية الحقيقية إلى فترة السبعينات، حيث كان مدير المخابرات السعودية العامة كمال أدهم (1965 حتى 1979)، في تلك الفترة قام بترتيب بعض الاتصالات الدبلوماسية بين الطرفين بعد الضغط الامريكي على السعودية، وشملت المحادثات في تلك الفترة نقاشاً عاماً حول مستقبل المنطقة والسياسات الخاصة بكل منقطة فيها.
ولعل تعاظم العلاقة هذا قاد أحد المسؤولين الإسرائلين ذات مرة لزيارة الرياض بهدف الاجتماع مع القيادات السعودية هناك،المعلومة وفق ما صرح به المسؤول نفسه للصحفي في جريدة واشنطن بوست "سايمونهندرسون"، حيث تم خلال اللقاء تبادل وجهات النظر حول المنطقة ولم يحتوي الحوار على كثير من التفاهمات كما هو الحال الآن بقدر ما احتوى على بداية بناء قناة للتواصل بين الطرفين وكسب الثقة.
بعد أوسلو
تبدو مسألة تداخل المصالح الذاتية هي القوة الدافعة الأساسية في مسألة بناء العلاقات بين الطرفين، ويمكن وصف الفترة التي اعقبت اتفاق أوسلو بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية بالفترة التي شهدت النموالأكبر في العلاقات بين الطرفين.
وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحاق رابين قد قام بزيارة سلطنة عمان عام 1994 والتقى هناك بالسلطان قابوس. وبعد اغتيال رابين، قام وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بزيارة القدس، والتقى هناك بالقائم بأعمال رئيس الوزراء - بعد اغتيال رابين- شيمون بيريز. وفي 1996 وقعت الدولتان اتفاقاً لفتح مكاتب تمثيل تجارية مفتوحه. وفي العام نفسه وافقت قطر على فعل الأمر ذاته مع "إسرائيل".
زار بيريز العاصمتين، الدوحة ومسقط، وتمكن من فتح علاقات واسعة هناك وأنشأ مكاتب تمثيلية في كلا الدولتين، إلا أن المكتب المتواجد في عُمان تم إغلاقه عام 2000 والمكتب المتواجد في قطر أغلق في العام 2009. ومع أن إغلاق المكتب التمثيلي في عمان سبق إغلاق نظيره في قطر، إلا أن علاقة "اسرائيل" بعمان تتمتع بحيوية مستمرة أكثر من علاقة قطر بـ"إسرائيل".
ويواصل الفنيون الإسرائيليون التعاون مع مسقط في مجال تحلية المياه، أما الدوحة فكانت قد بدأت علاقتها مع "إسرائيل" كوسيلة لتحسين علاقتها بواشنطن، عبر التماس الدعم من الكونغرس الأمريكي .أما الآن فيبدو أن معالم السياسة القطرية شهدت تغييراً في ذات الموقف خاصة بعد الازمات الداخلية في الوطن العربي ومواقف قطر الأخيرة.
وباستثناء عملية اغتيال المبحوح في دبي عام2010، فإن "إسرائيل" حالياً تتمتع بعلاقة قوية جداً مع الإمارات يمكن وصفها بالأفضل بين دول الخليج. ففي عام 2013 استضافت الإمارات مؤتمراً للطاقة المتجددة شاركت "إسرائيل" فيه بقوة. وعلى الرغم من قيام الكويت بمقاطعة هذا المؤتمر بسبب مشاركة إسرائيل فيه، إلا أن مايكل أورين يؤكد وجود اتصالات سرية تربط الكويت بـ"اسرائيل".
وكان موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية قد نشر سابقاً بنداً في ميزانة العام 2013، خصصت فيه مبالغ لفتح 11 مكتب تمثيلي في جميع أنحاء العالم، أحدها في منطقة الخليج لم يفصح عنه الموقع، لكن صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أكدت أن المكتب التمثيلي هذا متواجد في أبوظبي. إلا أن الخبر هذا تم حذفه لاحقاً من موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية.
لا يموكن وصف العلاقات الاسرائيلية الخليجية بالبسيطة، بل يتمتع الطرفان بعلاقات قوية على مختلف الأصعدة سواء في الجانب الدبلوماسي أو العسكري أو الاقتصادي وربما حتى في الجانب الاستخباراتي والأمني، وجميع المؤشرات تتحدث عن نمو مضطرد في هذه العلاقة التي تجمع بين الطرفين ولعل السنوات القادمة ستكشف لنا مزيداً من الحقائق عن طبيعة العلاقات بين "إسرائيل" ودول الخليج.