رام الله – خاص قُدس الإخبارية: لم يعد جديدًا الحديث عن الجهود الكبيرة التي تبذلها الماكينات الإعلامية الإسرائيلية على أعلى مستوى في إطار التحريض على الفلسطينيين، لكن واحدة من أنجح أشكال هذا التحريض تأتي من استغلال هفوات الفلسطينيين سلطة وشعبا.
فبل خمسة أيام، أطلق مستوطنون النار على الطفل أحمد مناصرة من القدس وتركوه ينزف وسط سيل من الشتائم، قبل أن ينقل إلى المستشفى لتلقي العلاج، وبعد ساعات حضرت هذه الجريمة في جانب من خطاب مقتضب للرئيس محمود عباس، حيث استخدم وصف الإعدام في حديثه عن الجريمة، لتستنفر كل أذرع الاحتلال محاولة استغلال هذا الوصف في إثبات ما تصفه "بنشر أبو مازن للأكاذيب".
عمل ممنهج
بدأت حكومة الاحتلال وأذرعها التحضير لحملة اعلامية بعد خطاب عباس مباشرة، للرد على ما يمكن وصفه بالهفوة أو الوصف المقصود، باعتبار ما حدث مع مناصرة يهدف فعلا لاعدامه كما أكدت عائلته، فسارع مكتب نتنياهو لإصدار بيان قال فيه إن كلمة عباس تضمنت الكثير من الكذب والتحريض، ودليل ذلك أن الطفل أحمد مناصرة على قيد الحياة ويتلقى العلاج في مستشفى هداسا عين كارم.
الخطوة الثانية من الحملة كانت بقرار من وزير الصحة في حكومة الاحتلال يعقوب ليتسمان، الذي أمر بدخول الصحفيين والمصورين إلى غرفة أحمد في مستشفى هداسا عين كارم وتصويره، رغم عدم قانونية ذلك ورفض العائلة له، وقد وصفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية الأمر بأنه "معركة خلف الكواليس" بين الوزير المتطرف وعائلة الطفل المصاب، في حين ادعى مقرب من ليتسمان، بأن العائلة على علم بما تحدث به الرئيس من قبل.
وفي الخطوة الثالثة خرج نتنياهو في اليوم التالي لكلمة الرئيس بمؤتمر صحافي قال فيه "حديث عباس كان مليئا بالأكاذيب والإفتراءات، ودليل ذلك أن الصبي أحمد مناصرة على قيد الحياة، وهو في المستشفى يتلقى العلاج رغم طعنه أحد الإسرائيليين"، ورافق مؤتمر نتنياهو فيديوهات وصور انتشرت على وسائل إعلام تقليدية واجتماعية "تحرض على دولة الاحتلال"، حسب ادعائه.
وأكد نتنياهو أن الوسيلة الوحيدة "لمكافحة أكاذيب عباس" هي قول الحقيقة، بينما أضاق أغلب السياسيين في "إسرائيل"، بأن "عباس خيّب أملهم بكذبه، وأنه لا يشعر بالمسؤولة عن ما يقوله"، وشدد على ذلك يائير لبيد زعيم حزب "هناك مستقبل"، ورئيس "المعسكر الصهيوني" يتسحاق هرتصوغ، (اللذان يعتبران في نظر حكومة الاحتلال الحالية معتدلان)، بالإضافة لوزراء في حكومة الاحتلال.
الخطوة الرابعة كانت بإصدار بيان من المكتب الإعلامي الإسرائيلي عن الموضوع مرفقا بالصور والفيديو وصل لكافة وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، باللغة العبرية والعربية والإنجليزية، لينشرها الناطقون الإعلاميون الإسرائيليون على صفحاتهم الإجتماعية ومواقعهم، وعشرات المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي في غضون ساعات بسيطة بشكل منظم.
تغطية بطابع تحريضي
تزامنا مع هذا العمل المنظم على المستوى الرسمي، حرصت التغطية الإعلامية الإسرائيلية على تشكل انطباعات سيئة عن قيادة السلطة الفلسطينية، واتهامها بالكذب الواضح، بالإضافة إلى نشر اعترافات نسبت للطفل مناصرة، بأنه كان ينوي تنفيذ عملية طعن برفقة ابن عمه.
صحيفة "يديعوت أحرنوت" ركزت على أن عباس غير تصريحاته في البيان الذي نشر باسم منظمة التحرير باللغة الإنجليزية، حيث قال إطلاق النار بدم بارد على الطفل مناصرة ولم يقل إعدامه، وعنونت خبرها "استبدال الكذبة بكذبة أخرى"، مشيرة إلى أن هناك فجوة في الخطابين باللغة العبرية والإنجليزية.
وحرصت الصور التي نشرت للطفل مناصرة على إظهار حجم الرعاية الصحية المزعومة التي يحظى بها، من حيث الاهتمام به وتقديم وجبات طعام له وتحسن حالته الصحية، ووضعه في غرفة منفصلة، ووجود ممرضة بجانبه تطعلمه بيديها.
وفي الوقت ذاته صرح نائب مدير مستشفى هداسا عين كارم الدكتور"أشر شلمون" أن حالة أحمد ما بين متوسطة إلى طفيفة وسيتعافى في الأيام القريبة ويخرج من المشفى.
وقد تناولت شبكة قدس الإخبارية في تقرير أعدته اليوم الكذب الإسرائيلي الفاضح في الصور والفيديوهات المنشورة، وتضمن شهادة للمحامي طارق برغوث بعد التقائه بالطفل يفند فيه كل المزاعم الاسرائيلية.
وخصصت القناة الثانية حلقة خاصة لإثارة قضية الطفل أحمد، استضافت خلالها العضو العربي في الكنيست أحمد الطيبي وثلاثة محللين إسرائيليين، وسأل مقدم القناة الطيبي، "الرئيس عباس يجلس أمام الكاميرا ويكذب! ويقول بأن مناصرة قد مات وهو ما زال على قيد الحياة" ما قولك؟ لكن الطيبي رد عليه بأن الرئيس عباس أخطأ ولم يكذب، فهو قصد ابن عمه الشهيد الذي كان برفقته، ولم يكن يعلم بأن أحمد على قيد الحياة".
وأضاف الطيبي، "الذي يكذب هو نتيناهو، على الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم لماذا قد يفكر طفل مثل أحمد بطعن إسرائيلي؟ الذي يدفعه لذلك هو الاحتلال، والجندي على الحاجز، وهدم البيوت، والكراهية التي ولدتموها لديهم"، وأشار إلى أن "إسرائيل" نسيت كل جرائمها وهي الآن تطالب بادانة أقوال عباس.
من جهة أخرى أشار موقع "واللا" العبري إلى أنه حسب القانون الإسرائيلي لا يمكن اتخاذ إجراءات قضائية ضد الطفل أحمد مناصرة، كونه لم يبلغ السن القانونية وهي (14 عاما)، لكن أحمد سيبقى تحت التوقيف لمدة 20 يوما، وبعدها قد يتم الإفراج عنه، وإعادة اعتقاله ليحتفل بعيد ميلاده الرابع عشر في الأسر، وفق الموقع.
[caption id="attachment_76425" align="aligncenter" width="600"] احدى الصور التي تم نشرها وتداولها[/caption] [caption id="attachment_76426" align="aligncenter" width="600"] الصورة على صفحات اسرائيلية كتب عليها دليل كذب عباس[/caption] [caption id="attachment_76427" align="aligncenter" width="600"] توثيق ما قاله الرئيس مناصرة حسب ما عرضه نتنياهو[/caption] [caption id="attachment_76428" align="aligncenter" width="491"] صفحة رئيس الوزراء الاسرائيلي وناطقه الرسمي يعلق عليها بالعربية[/caption] [caption id="attachment_76430" align="aligncenter" width="600"] فيديو الطفل مناصرة وهو في المستشفى يتلقى العلاج على مواقع التواصل الإجتماعي الإسرائيلية، صفحة لنقف مع اسرائيل[/caption] [caption id="attachment_76431" align="aligncenter" width="545"] نشر اعتراف للطفل بأنه كان يحمل سكينا مع ابن عمه لتنفيذ عملية طعن[/caption] [caption id="attachment_76432" align="aligncenter" width="591"] يديعوت احرنون عنونت خبرها أبو مازن يغير الكذب بكذب[/caption]