غزة-خاص قدس الإخبارية: ما إن ترتفع درجات الحرارة صيفًا حتى يلجأ الناس لتشغيل المكيفات والمراوح واستخدام وسائل التبريد للتخفيف من وطأة الجو وحرقته، هذا في الوضع الطبيعي بدول العالم، لكن في ظل انقطاع التيار الكهربائي اللازم لتشغيل أجهزة ووسائل التبريد فإنه يستلزم البحث عن وسائل ناجعة بشرط عدم امتثالها لوجود الكهرباء.
وإذا كنا نتحدث عن وضع غير طبيعي، وعن انقطاع للتيار الكهربائي بشكلٍ كبير، فهذا يعني أننا نتحدث عن "غزة" وعن براعة أهلها في إيجاد البدائل عن أغلب الأشياء التي أجبرتهم ظروف الحياة الصعبة إلى افتقادها وخسارتها.
لم يجد أهالي غزة بديلًا أكثر جمالًا من الذهاب إلى شاطئ البحر للتخلص من ارتفاع درجات الحرارة وموجة الرطوبة العالية، التي تضرب قطاع غزة منذ أيام، والتي تتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
الأجواء الحارة جدًا، والتي وصلت أشدها اليوم بزيادة 10 درجات عن معدلها الطبيعي، دفعت بعشرات الأهالي بالقطاع إلى الهرب نحو شاطئ البحر منذ ساعات الصباح الباكرة، وقضاء أوقات طويلة في البحر.
أم بهاء الطويل جلست برفقة أسرتها باستراحة على شاطئ بحر غزة، قالت،" البحر هو الملجأ الوحيد في ظل ضيق العيش والحر الشديد خاصة مع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة قد تتجاوز الـ 18 ساعة".
وأضافت لـ قدس الإخبارية، " جئنا من حي الشعف شرق مدينة غزة باحثين عن متنفس لنا، الأطفال اشتكوا طويلًا من قلة الخروج والتنزه وتضايقوا من الحر وقلة الوسائل الترفيهية أو انعدامها، حتى الكبار وافقوا الصغار شكواهم"
كثيرون من العائلات بغزة حالهم كحال العائلة السابقة، فنزار الحلبي الذي اعتاد على الجلوس بالبيت قد رضخ أخيرًا لطلب أطفاله وأحفاده بتناول طعام الغذاء عل شاطئ البحر، على أن يعودوا للمنزل بعد العاشرة مساءً وهو التوقيت المحلي لعودة الكهرباء حسب الجدول المنتظم.
على الجانب الآخر، أناس لم يأتوا للتنزه أو للاستجمام، إنما "لسعتهم" الشمس وأذاقتهم الويل ويلات، وأعطتهم من حرها ما هو مضاعفًا، فلقمة العيش باتت أكثر سخونة من الشمس وخيطان أشعتها الدافئة، بائعو مشروبات وعجلات مائية وحاجيات أطفال خطت أقدامهم الشاطئ ذهابًا وإيابًا حتى أوشكوا أن يكرهوا البحر.
فنانو غزة كانوا متواجدين على الشواطئ كذلك، فربما كان في كل موجة توارد فكرة جديدة، وفي انبساط وجه الشاطئ استيضاح لهدف أو مشروع مبتكر، فيما بقيت أيديهم تأخذ من الرمال رسومًا بعثوها هدية من غزة إلى القدس.
على شاطئ بحر مدينة غزة، ارتسمت قبة الصخرة بأبعادها الثلاثية لتزيده جمالًا فوق جماله، فيما يبدو المظهر خرافيًا أن تلتقي أمواج البحر مع قبة الصخرة، تضاعف الجمال جمالين، حتى ازداد الأهالي هناك شوقًا فوق شوقهم، واختلطت الامواج بدموع الحنين، والزبد بالدعوات.
وبما أن الفن لا يقتصر على الرسم والنحت المائي، فالمساء هو فرصة لأولئك الذي يمارسون ألعاب الحركة والقفز، إضافة إلى المصورين الذين يرصدون هؤلاء الشبان وتحركاتهم مع غياب الشمس التي تبدو كأنها تجليات الشفق الأخير، ترسل من خيوطها الوهاجة ما يدفع الموجودين إلى مدّ أيديهم لتلمس ما سترسله إحساسًا منهم أنها ترسل لكل منهم شيئًا خاصًا.
الصيادون وظروفهم ومعاناتهم، قد تبدو حديثًا إعلاميًا روتينيًا، لكن ما هو ليس معروفًا هو نضال هؤلاء الصيادون في سبيل المتعة الجارفة وهم يخاطرون بحثًا عن لقمة عيشهم، وهم يستميتون دفاعًا عن بحرهم الذي قال فيه درويش جملته " هذا البحر لي" فيما حفظها كل منهم معتبرًا أن البحر بحره وحده ومسئوليته، والدفاع عن حقه في الصيد وركوب مركبه كل صباح هو في الحقيقة دفاعًا عن بحره الخاص.
الشواطئ مليئة بالسابحين وممارسي مهارات الغوص والمسابقات، والصيادين والبائعين والفنانين والأصدقاء بنظام "الشلل" ورفقة شرب القهوة، والمارين والعابرين والوحيدين الذي يحملون رسائل ربما لا تصل، وهي بالطبع تحمل بنسبة كبيرة أولئك الهاربون من ظروف الحياة الذي يحملونها ليلقونها في البحر ويعاودون ملئ صندوق حياتهم بها مرة أخرى لتلقى في زيارة أخرى للبحر.