سورية – خاص قُدس الإخبارية: عندما تخلو الطرقات ويسود الحذر والقلق، أو حين يرتفع صوت الرصاص وتتهاوى الصواريخ والقنابل بمختلف أنواعها على مخيمات اللجوء الفلسطيني في سورية، ينشط هؤلاء محاولين التغلب على كل المصاعب، ينجحون تارة ويكون مصيرهم الاعتقال أو الاختطاف أو حتى القتل تارة أخرى.
مخيم اليرموك؛ أكثر المناطق جذبًا للناشطين في مختلف المجالات حتى قبل أن تبدأ الأزمة السورية، لكن بعد توتر الأوضاع هناك ومع دخول المخيم دائرة الحرب، وبعد قدوم أكثر من 200 ألف نازح إلى المخيم، زادت جهود نشطاء الإغاثة في المخيم، كما زادت في المقابل انتهاكات مختلف أطراف الصراع بحقهم، بعد أن بلغ عددهم نحو 300 ناشط إغاثي وطبي وإعلامي.
خدمات تقابلها تهديدات
ويقول الناشط فادي حسين، إن الخراب من حول مخيم اليرموك ثم دخوله الصراع بشكل مباشر، أدى لتشكيل أكثر من مؤسسة إغاثية داخل المخيم، بعضها تابع لفصائل فلسطينية مثل صامد لحركة فتح، وفلسطين الخيرية التابعة لحماس، والهيئة الخيرية التابعة للجهاد الإسلامي والموجودة سابقًا، بالإضافة لجفرا وبصمة الاجتماعية.
وتقدم هذه الجمعيات من خلال نشطائها خدمات في مجالات الطب والإغاثة والإعلام والتعليم والتنمية البشرية، فيما يوضح فادي لـ قُدس الإخبارية، أن النشاطات بين المؤسسات تختلف باختلاف القدرات المالية والدعم اللوجستي وخبرة الكادر، لكن أغلبها عملت في المجال الطبي من خلال توفير الأدوية المجانية وتأهيل كوادر إسعاف أولي وافتتاح نقاط طبية تتوزع في إرجاء المخيم، وتأمين سيارة إسعاف بنقل الجرحى داخل المخيم.
ويضيف، أن الخدمات على المستوى الإغاثي تتلخص في توفير مواد تموينية للعوائل المعوزة وتوفير احتياجات الأطفال، واستصلاح الأراضي وزراعتها قدر المستطاع، بالإضافة لتقديم مبالغ نقدية لأسر الشهداء والمعتقلين والجرحى.
أما على المستوى التعليمي فقد عمل النشطاء في اليرموك على بناء مدارس بديلة عن مدارس الأنروا التي أغلقت مباشرة بعد قصف المخيم بـ" الميغ"، وهجرة معظم العوائل منه، كما كان للنشطاء دور كبير في تسليط الضوء على معاناة سكان المخيم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وصناعة أفلام قصيرة وطويلة وبالتصوير الفوتوغرافي.
ووفقًا للناشط فادي، فإن النشطاء يعملون في أغلب مناطق تجمع الفلسطينيين في سوريا، وأبرز هذه المناطق مخيمات اليرموك ودرعا وحمص وخان الشيخ، وكذلك في أماكن النزوح الجديد مثل قادسيا والزاهرة، لكن أبرز نشاطاتهم تتركز في اليرموك بسبب ظروفه الخاصة، مع الحفاظ على قنوات اتصال وتنسيق بين أغلب النشطاء.
ويتحدث نشطاء عن تهديدات تلقتها الجمعيات الأغاثية بعد اقتحام "داعش" للمخيم، ما سبب خوفها على نشطائها ودفعها لسحبهم من المخيم، الأمر الذي أدى لتفاقم الأوضاع الإنسانية هناك بما يهدد بكوارث حقيقية وانتشار أمراض مزمنة، أبرزها التيفوئيد والكوليرا.
لكن فادي، يقول إن "داعش" لم توجه تهديدًا مباشر لأي ناشط، لكنها عمدت للتضييق عليهم من خلال الاعتقال والاغتيال والخطف، ما دفع أغلب النشطاء والمؤسسات الفاعلة لمغادرة اليرموك بالفعل إلى مناطق الجوار، خارج نطاق سيطرة "داعش" ومحاولة تقديم خدمات للنازحين إلى تلك المناطق.
ويوضح، بأن تراجع الخدمات وبالإضافة إلى آثاره الإنسانية والصحية، فقد أدى أيضًا لارتفاع نسبة النزوح بشكل واضح لعدم توفر الحد الأدنى من سبل الحياة في المخيم، والحديث هنا عن اليرموك فباقي المخيمات لا وجود لـ "داعش" فيها.
التطوع للموت
عمل هؤلاء في المجال الإنساني؛ ومحاولتهم الابتعاد عن الصراع السياسي والمعارك المسلحة واستبدال دورهم فيها بالنشاط الإغاثي، لم يَحُل دون حشرهم في قلب الصراع وتهديد حياتهم من مختلف الجهات، فإحسانهم للمدنيين والأبرياء يقابل بالموت أو الاختطاف أو الاعتقال، وفي كل الحالات يبدو الموت خيارًا نهائيًا.
ويبين الناشط فادي، أن النشطاء يواجهون أصلاً الخطر الذي يتعرض له جميع سكان المخيمات، بسبب القصف العشوائي والحصار الجائر تحديدًا لمخيم اليرموك وبالذات في المنطقة الجنوبية منه، لكن لمهنتهم مخاطر خاصة تزايدت بعد اقتحام تنظيم الدولة "داعش" وجبهة النصرة للمخيم في نيسان الماضي، وكذلك من قبل خلايا أمنية تابعة للنظام.
ومن النشطاء الذين تعرضوا للاغتيال بالفعل مؤخرًا، أبو أحمد طيراوي، يحيى حوراني، فراس الناجي، أبو العبد شمدين، أبو العبد عريشة، علي الحجة، أبو معاد الشرعان، أبو ضياء إمارة، ويتهم النشطاء جبهة النصرة و"داعش" وقوات النظام السوري أيضًا باغتيالهم، بالإضافة لمحاولة "داعش" اختطاف الناشط عبدالله الخطيب لكن محاولتهم باءت بالفشل.
ونقلت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، عن نشطاء خبرًا حول إعدام "داعش" الناشط الإغاثي عماد أيوب اليوم الإثنين، بعد شهرين من اختطافه خلال محاولته الخروج من المخيم من منطقة "يلدا".
ولم تسلم الناشطات من عمليات الاعتقال أيضًا، والناشطة أمل عصفور من قدامى نشطاء الجبهة ومنسقة في الهيئة الوطنية الأهلية التي شكلتها منظمة التحرير إبان أزمة مخيم اليرموك عام 2012 لمتابعة شؤون المخيم، هي من أبرز الأمثلة الحية على ذلك، وقد اعتقلها النظام السوري مطلع تموز الماضي.
ويُرجع فادي عمليات القتل والخطف هذه إلى محاولات الجهات المتصارعة إفراغ المخيم من سكانه، والسيطرة المطلقة عليه، مؤكدًا، أن ذلك يجري تنفيذًا لأجندات دولية تتعلق بإلغاء الوجود الفلسطيني في سورية عمومًا.
تجدر الإشارة إلى أن مخيم اليرموك يعاني حصارًا مشددًا من قبل النظام السوري والفصائل الموالية له منذ أكثر من عامين، وقد أدى ذلك إلى انقطاع المياه عن المخيم وتسبب بمعاناة شديدة للسكان فيه، وسط تحذيرات من انتشار أمراض مزمنة تخلف كارثة إنسانية في المخيم.