غزة - خاص قُدس الإخبارية: ما إن يقترب موعد عيد الفطر، حتى تظهر البضاعة الموسمية الأشهر في غزة بالأيام الأخيرة في رمضان، فلا تكاد تجد سوقًا أو منطقة تخلو من بائع " الفسيخ" – السمك المملح-.
الأهالي في غزة يقبلون على شراء الفسيخ باعتباره طقسًا من طقوس العيد التي اعتادوا عليها، فهو طعامهم الأول لوجبة الفطور بعد صيام شهر طويلٍ، وعليه فان كثرة الطلب تعني بالضرورة زيادة العرض، ولذا نجد "منتجهم الذهبي" قد ملأت رائحته الأسواق، فتجذب المشترين لها أو تحوّلهم إلى اتجاه آخر.
ويُعتقد أن وصفة "الفسيخ" مأخوذة عن المصريين الذين كانوا ولازالوا يتناولونه منذ عهد الفراعنة قبل آلاف السنين، والتي تظهر نقوش إعداده على جداريات بعض الأهرام الفرعونية.
صباح العيد تغزو المنطقة رائحة موحدة لا يختلف في تمييزها اثنان، حتى أن رائحة الفسيخ بعد قليِه تتسرب بشكل فائق السرعة عبر حاسة الشم، ليجد طريقه لاحقًا إلى بطون آلاف الغزيين الذين يتمتعون بمذاقه المالح، وبجانبه الصلصة الحاذقة الخاصة بهذه الوصفة لتخفيف ملوحته.
الأهالي في غزة يفضلون أنواعًا معينة من الأسماك لصنع "الفسيخ" كـ "البوري" و"الدنيس" و"الجرع"، حيث يُجفف السمك بعد صيده ويُملح لفترات طويلة تصل إلى نحو عامٍ، أو يستغرق ما مدته " من الموسم إلى الموسم" بحسب وصف تاجرٍ في سوق الزاوية.
أبو فادي الشيخ الذي يعمل بائعًا للفسيخ يقول إن إقبال الناس على شراء الفسيخ يزداد مع اقبال العيد، باعتباره طقسًا من طقوسهم القديمة، ويتاوح الاقبال من عام لآخر حسب الحالة الاقتصادية العامة والأسعار.
ويوضح، أن أسعار الفسيخ تتراوح بحسب أنواعها، حيث يصل الكيلوغرام الواحد من "الدنيس" إلى 15شيكلًا، و25 شيكل لـ"الجرع"، فيما 40 شيكل للبوري، مضيفًا أن المشترين أصبحوا أكثر حذرًا عند شرائه نظرًا لتعرض بعضه للتلف جراء سوء التخزين، والتأثير على جودته وصلاحيته.
ويرجع تفضيل الأهالي لهذه الأكلة في أول أيام العيد لكسر الروتين الغذائي الذي عاشوه خلال شهر رمضان من وجبات معينة، في حين أن الفسيخ تعد ذات مذاق خاص مما جعلها موسمية إن صح التعبير".
في السوق قبل العيد، يقف محمد السويوطي يقلب بكفيه قطع "الفسيخ" دون تدخل من البائع ليختار الجيد منها والنوع الذي يختاره أو يفضله أو يفضل سعره أحيانًا، مشتريًا كيلوين منه قائلًا، "إنه لم يمرر عليه عيد إلا ويقومون بإعداد الفسيخ للعائلة المكونة من 9 أفراد.
ويضيف السويوطي، "جميعنا في البيت نحبه، ونشعر أن العيد منقوص إذا لم نتناوله في صبيحة العيد بعد أداء الصلاة، فإننا نكسر صيامنا صباحًا على الفسيخ معلنين بدء شعائر العيد الرسمية".
اللافت في الأمر أن بعض الأهالي يرون في الفسيخ وجبة تصلح للمشاركة، تقول بثينة رضوان إن الفسيخ لا يؤكل منفردًا ولا لشخصٍ بذاته، فهو لا يحلو إلا بجمعة العائلة والأحباب والجيران أحيانًا، لهذا أعتقد أنه يصلح كوجبة رئيسية للعيد".
على الجانب الآخر تتربع اسماك الرينجة وهي نوع أخر من الفسيخ يفضله بعض الناس على اعتبار أنه أقل ملوحة من سابقه ولها طعم خاص ناتج عن تدخين السمك وشوائه قبلًا.
الحاج إبراهيم غسان يقول إنه يفضل الرينجة المدخنة، قائلًا " الرينجة أحن – أخف – بملوحتها خاصة أنني مريض بالضغط ولا أقاوم الفسيخ، كما أنها أجود في طريقة الحفظ من حيث عدد أيام التخزين.
فقبل أشهر طويلة يُعد التاجر أسماكه ويملحها لتخزينها فترة أطول وبطريقة خاصة تحفظه من التلف وتحافظ على إخراجه بالجودة المرغوبة، فأسماك "البوري" الطازجة تحتاج إلى 10 أشهر تقريبًا لتكون ناضجة تقريبًا، فيما تحتاج الأنواع الأخرى كالجرع لنحو 4-5 أشهر فقط.
الأطباء وأخصائيو التغذية حذروا من الإكثار من تناول "الفسيخ" على الرغم من سهولة هضمه لكنه قد يصيب بوعكة صحية خاصة ان الناس أنهوا صيامهم وتعودوا على نظام غذائي مريح للمعدة، كما أنه يُشكل خطرًا على من يعانون أمراضًا مزمنة كالضغط.
كما ينصحون بتناول الفسيخ – دون إكثار- بفترات الظهيرة لإتاحة تناول أطعمة أخرى بعده من أجل راحة المعدة التي اعتادت طوال شهرٍ كامل على التوقف عن الأكل لساعات طويلة، كما يعد فاتحًا للشهية.