غزة - خاص قُدس الإخبارية: "تُرى ما الأجملُ من والدين يخفقان بالحب ويباركان لك الشهادة يا خالد! قلب والداتك الذي يدق بحروف اسمك وتتأرجح أوتاره خوفًا عليك، لم يكن ليهدأ إﻻ بهلال بدرك، أما اﻵن وقد غدوت في معية الرفيق الأعلى، فأصبح فؤاد أمك يبارك لك خطاك ويستذكرك في فطورها وصيامها، تتوضأ على أحاديثك وتبتهل بآيات محكمات بأن يجمعها بطيفك الذي لم يفتأ يغادرها مذ غيبت الحرب عيناك، تتباهى بطيب سيرتك ويشاطرها والدك عطر التفاخر بعظيم أخلاقك".
شبكة قدس الإخبارية التقت والدي الشهيد خالد الحلو "أحد أفراد وحدة الكوماندوز البحرية في كتائب القسام"، والدة لا تنطفئ بقلبها ذكراه، تستحضره في لحظات الفطور في رمضان، الذي أسمته "رمضان الحرب والوجع"، حيث كان ابنها خالد موجودًا في بدايته حتى اندلاع الحرب، بدأت ترى تحركاته الخفيفة كقلب كلّ أم "يذهب ابنها فتخاف يأتي فتطمئن".
"كان كتومًا غامضًا" هذه أبرز الصفات التي كررتها والدته عنه حال حديثها عنه، فهي لم تعرف أن ابن بطنها ضمن أهم الضفادع البشرية في المقاومة، قائلةً" لم يحدثنا شيئًا من قبل، ولم نكن نعلم أنه ضمن الضفادع البشرية، حتى برغم علمنا بانتمائه المقاوم لكن لم نكن نعي طبيعة النشاط بالضبط".
بدأ الشهيد خالد طلال الحلو(23 عامًا) ، العمل في الجهاز المقاوم لكتائب القسام منذ مرحلته الثانوية، وقد خاض مع المقاومة العدوان على غزة 2012، وآخرها معركة العصف المأكول حيث نال ما تمنى وكان له ما يريد.
يعدد أهله مثاقبه، ليس لأنه ابنهم، بل لأنها شهادة الجميع فيه، فيقول والده " خالد، كان مميزًا في كل شيء، نشيط ومؤدب وخدوم، مستذكرًا مواقفه الحياتية، فلحظة بناء بيتهم في الطابق العلوي كان الشهيد خالد يساعد البنّاء والسبّاك والعمال دون طلب منه ودون ضرورة للمساعدة"، وأضاف والده " شاطر بيفهم بكل اشي"
منذ سنوات حياته الأولى ودراسته مرحلته الأساسية كان خالد من أوائل الطلبة، كما أنه كان يحب البحر والسباحة، حيث تعددت أيامٌ يبقى في البحر من الساعة الثامنة صباحًا حتى الثامنة مساءً، وهناك التقى أصحابه حيث دربوه وتعلق قلبه بالبحر فاستغله للانتماء لقوات الكوماندوز البحرية وتجند بالمقاومة دفاعًا عن وطنه".
"عصاميًا" أيضًا، عائلته أكدت أنه كان يعمل ويتعلم ولم يكن يرتضي أن يأخذ فلسًا من والده للدراسة أو المصاريف، فهو طالب الحاسوب في جامعة القدس المفتوحة، لكنه لم يتسلم شهادته إلا حين استشهاده فكرموا والده بها"
الفقد والثأر
استشهد ابن عمه فريد الحلو، فتأثر خالد جدًا لفقده واعده أن يسير على دربه ويلتحق به، ومن عام 2008، أصر خالد على الانتماء إلى كتائب القسام طالبًا الجهاد في سبيل الله لأنه يرى أن الاحتلال قد أمعن في القتل والذبح والجهاد واجب.
في مسجد الرحمة حيث يلتزم به خالد، كان رفاقه الذين تربى معه وعاصر حياتهم، منهم صديقه خالد الزهار الذي استشهد قبله، حيث تأثر خالد لفقده كثيرًا هو ورفاقه، مما ولّد عندهم حالة من الثأر التي تزداد حال استشهاد أحد رفقاهم، لأنهم يروون عيانًا كيف يقتل الاحتلال شبابنا، وكيف يحتلون وطنًا، ويعتدون على الشعب الفلسطيني منذ عقود.
يعاود والده التأكيد على ما أكد عليه خالد لابن عمه سابقًا قائلًا" إذا كان اليهود يدفعون أولادهم ضدنا ظلمًا وباطلًا، فكيف لا ندفع أبناءنا ونحن على الحق وهم على الباطل، مضيفًا "لا نخاف إلا الله، وأنا كنت أشجعه لأننا لسنا أفضل ممن قدموا قبلنا أنفسهم وبنوهم"
قد يراودنا السؤال كيف لا تتدخل الغريزة الأبوية بالخوف على الابن، يرد والد الشهيد "نعم، أب وأخشى عليه وأحزن لفقده، لكن لا خوف عليه في سبيل الله، كلنا في فلسطين مشاريع شهادة.. وطننا محتل أرضنا محتلة، أبناءنا يقتلوا ليل نهار بأيدي الأعداء فكيف لا نقدم أبناءنا؟!"
مواقف باقية
بكلِ فخر، يقول والده" حاز ولدي خالد على المرتبة الأولى على نحو أكثر من مئتي شاب في السباحة، حيث تحمّل ضغط يصل إلى 20 مترًا تحت الماء، مستعرضًا موقفًا سابقًا يدل على شجاعة خالد وإخلاصه وتعبه لأجل الدين والوطن، حيث حصل اختناق لشباب بنفقٍ أرضي جراء إلقاء عبوة عليه قبل العدوان الأخير، كما تصّعب إخراجهم كون المنطقة منخفضة وتحتاج لنفس طويل وتحمل ضغط داخلي.
يضيف، "استعانوا بخالد للمساعدة لإخراج الشباب من النفق إلى فتحة المخرج، وقد علموا أنهم باتوا جثثًا، حيث كانت العملية تتطلب أن يدخل خالد إلى النفق لإخراج الأول ثم يعود وهكذا دواليك حتى الشخص الرابع لمسافة تقارب الـ 400 مترًا، حتى خرج مغمىً عليه، وعولج بالعناية المركزة، ونحن لا نعلم شيئًا!".
لشدة كتمانه وسريته وللمحافظة على أمنية المقاومة، لم يكن يذكر خالد تفاصيل عمله، حتى ان والده حين رأى خالد جالبًا معه "العسل والحليب وأغراض وأدوية، قال له "يكفيك يابا سباحة تعبت صدرك وأثرت عليك" فما كان من الشهيد إلا أن ابتسم ولم يقل أنه أخرج الشباب من النفق"، بعدما فشل الدفاع المدني في إنقاذهم واستشهد أحد أفراده.
خروجه والعملية واستشهاده
في ثاني أيام عدوان العصف المأكول العام الماضي، جلست العائلة على سطح منزلها فالجو حار ولا كهرباء، مرّت عدة صواريخ في السماء التي يرون، فقال خالد " قامت الحرب"، ثم ما لبث إلا أن مازحهم بسخرية أقرب للجدية، قائلًا " بكرة بنزل تحت وانتو راحت عليكم فوق".
بعد صلاة العشاء جاءه اتصال فأخد ملابسه وتحضّر، ثم طلب من أمه أن تحضر له ساندويشين، بدت الأمور طبيعية معتادة، سلّم عليهم نظر إليهم جميعًا "يلاا السلام عليكم"، لم يكمل ساندويشه الآخر أو كما قالت والدته "مش مكتوبله ياكل الباقي" حين جاءه اتصال آخر يستعجله، بدا فرحًا جدًا به كمن يريد أن يطير، كانت نظرته الأخيرة حينها وغادر.
كانت مشاركته في تنفيذ العملية البحرية بناءً على طلبٍ شخصي منه وليست تكليفًا، حتى أنه يُقال إن القادة كانوا يرفضون مشاركته لكونه تعب من عملية الإنقاذ السابقة وأنه ذو خبرة نخشى خسارته"، لكن إصراره كان لينال مناه.
كانت آخر مرة رأيناه فيها بتاريخ (8/تموز/2014)، وبدأت العملية، سبحوا مسافة طويلة لا نعرف مداها، العملية كانت معقدة وجريئة جدًا حسب ما أذيع عسكريًا، ساروا نحو هدفهم رافضًا التوقف وكان هناك تواصل مع القيادة، دخلوا في القاعدة وأدوا المهمة المطلوبة منهم تمامًا، بحسب معلومات وصلت والده.
وبحسب اعلام المقاومة، العملية بدأت بمرحلتين تمثلت الأولى بتنفيذ عملية استطلاع وجمع المعلومات عن الموقع المستهدف، إذ تمكن أحد عناصر وحدة الكوماندوز من تنفيذ مهمة استطلاع داخل زيكيم قبل تنفيذ العملية والمكوث لساعات داخلها ثم العودة إلى قطاع غزة بسلام.
واعتمدت المرحلة الثانية، دخول العناصر بشار عابد وحسن الهندي ومحمد أبو دية وخالد الحلو من عمق البحر واجتياز مسافة طويلة من السباحة والغطس وقطع الحدود البحرية، مبينةً أنهم انقسموا على مجموعتين، إذ قامت الأولى بالإبرار "الوصول" إلى شاطئ القاعدة وتقدمت باتجاه موقع القيادة والسيطرة البحرية للاحتلال وقامت بالاشتباك مع داخل هذا الموقع وحققت إصابات في جنود العدو.
بعد 45 دقيقة وصلت المجموعة الثانية، فالتقت المجموعتان في قاعدة القيادة والسيطرة، ومن ثم قاما بالاتصال مع القيادة الميدانية لكتائب القسام وإعلامهم أنهم في داخل الموقع، ثم شرعت المجموعتان بتطوير الهجوم باتجاه قاعدة زيكيم والاشتباك مع جنود الاحتلال بشكل مباشر.
في هذه اللحظات وبالتنسيق مع سلاح المدفعية، تم قصف قاعدة زيكيم بقذائف الهاون وصواريخ 107، ليوجه المقاومون بذلك ضربة قوية للاحتلال الذي فوجئ من الهجوم الذي أدى لوقوع عدد من القتلى والجرحى.
بدأت الأحاديث تتناقل حول العملية وشهدائها، فيقول والده،" وصل إلينا تسريبًا للخبر منذ بداية العدوان، فمرة أنه حي وأخرى أنه استشهد، حتى نهاية العدوان أكدوا أنه استشهد مع الشباب في زيكيم، مضيفًا "كنا عايشين على تضارب الأنباء أنه استشهد أو على قيد الحياة، حضر معنا 9 أيام في رمضان، والعاشر استشهد"، وفتحنا بيت عزاء بعد انتهاء الحرب على غزة وشارك فيه الآلاف من قادة مقاومة وشخصيات أكدوا عظم العملية ونوعيتها.
وجع الذكريات
في الذكريات يختزل الوجع، فهذا أول رمضان يمر عليه دون ابنهم الخلوق، فوالده تعمد هذه المرة افتعال ما كان يفعله خالد إحياء لتصرفاته وتبعًا لحبه وتخليدًا لذكراه، فقال "هذا الرمضان تذكرتُ خالد وذهبت لصلاة المغرب في المسجد قبل الإفطار وفعلت كما يفعل"
أمه وأخوته قالوا إنه كان يسبقهم في الصلاة وهم يفطرون سريعًا، ثم يلتحق هو بهم بعد صلاته، حيث قالت أمه إنه كان يُفطر خفيفًا رغبة في أداء العبادة بشكلٍ مريح ثم يعاود الأكل بعدها بساعات بسيطة.
والد خالد يقول إن أصحابه لا زالوا يزوروننا ونشارك في أفراحهم وأتراحهم، وقريبًا زرتُ فرحًا لأحد أصدقائه، كانت أمه تطلب منه السمك دائمًا، على افتراض أن عمله في البحر"، فلا تعليق يليق "ما أطيب الأمهات"!
كما يستمر والده بتنفيذ تصرفات خالد البسيطة والذهاب لمساعدة الشباب في المسجد بوقت الافطار على درب الشهيد خالد الذي كان يفرح جدًا بقدوم رمضان، ويصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع.
وعند العودة بالذاكرة لتفاصيل حياة الشهيد خالد حيث أكلاته وملابسه لم تتمالك نفسها فانسكبت على خديه الدموع قائلة: "ما بتنتسى اللحظات الحلوة الي عشناها معه"، كلما جلست على طاولة الإفطار وأعددت أكلة كان يحبها كالشوربة وصدور الدجاج أبكي لأنه افتقده وأننا هنا دونه"، ليصبر قلبها والد الشهيد أن ادعي له بالرحمة فولدنا شهيد عند ربه حي يرزق إنه بطل وسيلبسك تاجًا بالجنة"
"إنه بطل ليس لأنه ابني بل لعمله الفدائي الذي شهد به العالم أجمع وكل القيادة العسكرية للمقاومة، وحتى ان قادة العدو قد اعترفت أن مقاتلي عملية زيكم كانوا " شجعان"، كما تناقلت المصادر العبرية على لسان غانتس، مضيفًا "لدي 4 أبناء ضمنهم خالد، لا نبخل بهم على الله والوطن، جميعنا فداء .. فداء "
وكان أربعة من عناصر “الكوماندوز” البحري التابع لكتائب القسام تسللوا بحرا من قطاع غزة إلى موقع وقاعدة “زكيم” في اليوم الثاني من بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع صيف عام 2014.ونجح المقاومون الأربعة في التسلل إلى البحر المكشوف والغوص في أعماقه رغم مرابطة زوارق الاحتلال الحربية قبالة سواحل القطاع ووجود سياج نصبه الاحتلال في مياه البحر بين القطاع والكيان لمنع عمليات التسلل.
يذكر أن كتائب القسام كشفت في الذكرى السنوية الأولى للعدوان على غزة عن تفاصيل تنشر لأول مرة بشأن عملية “زيكيم” ووصفتها بأنها “إحدى أبرز المفاجآت وأقوى الضربات التي تلقاها العدو".
ونشرت المقاومة على موقعها الإلكتروني، أن القيادة وضعت اللمسات الأخيرة لتنفيذ عملية نوعية باتجاه مواقع العدو على الساحل، وكانت الفكرة مهاجمة موقع “زيكيم”، والهدف منها هو تشكيل هجوم نوعي بأسلوبٍ جديدٍ باتجاه الساحل، واستهدفت العملية القاعدة البحرية المتواجدة على الساحل مقابل القاعدة.