غزة-خاص قدس الإخبارية: وكأنه لم يمرر عام على الدمار، يجلس الحاج الستيني توفيق الزنط أمام ركام منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، متخذًا من الرصيف المقابل للمنزل مساحة يضع فيها كرسيه وولده يشاهدان فيها أمامها مباشرة " ما كان بيتهم " رمضان الماضي.
"هناك في الطابق السفلي كنا نجتمع على سفرة الإفطار كل عام" قالها كمن أصابته وخزة في قلبه، صمت برهة وأكمل حديثه" عشنا أول أيام رمضان الماضي أجمل أيام، ثم بدأ الضرب الناري على الشجاعية بعد منتصف رمضان العام الماضي نزح خلالها أهلي جميعهم وأبنائي"
وأضاف الزنط، "بقيت وحدي رافضًا الخروج من بيتي حتى بعد خروج الجميع، حتى توجه صاروخ الاحتلال مستهدفًا المنزل بشكل كامل من الجهة الغربية، فانهار الطابق الثاني وضُربت أساسات الطابق الأول، لم أتوقع أنني حي".
[caption id="attachment_70386" align="alignleft" width="400"] الحاج الستيني توفيق الزنط أمام ركام منزله في حي الشجاعية يتذكر أحداث رمضان الماضي[/caption]وفي محاولته لتذكر ما لا يُنسى قال "أصبت في قدمي جراء سقوط الركام عليّ، وأنا مستنجدًا أي شخص يسمعني، في النهاية خرجت من منزلي بسيارة إسعاف بعد إصابتي بوقت طويل، وبدأت مرحلة النزوح لي أيضًا"
"لدي خمسة من الأبناء، زوجتُ بعضهم ولي حفدة، كنا نجتمع على مائدة واحدة في كل عام، إلا أنني قضيت أيامي وحدي لحماية منزلي، كنت أنتظر الأذان وأفطر " بأي شيء من الموجود "، وحدي في منزلٍ خالٍ، فزوجتي قد رحلت مجبرة"، مضيفًا "وبعدها تفرقنا كانت هي في مدرسة لوكالة الغوث وأنا وبقية الشباب بمدرسة أخرى حتى انتهاء الحرب".
أما عن رؤيته للأمور بعد عام على الحرب تقريبًا، بدا الحاج توفيق متشائمًا نوعًا ما، فالأمور على حالها، بيت مهدم، عائلة تشتت، محلات تجارية انتهت، فيما لا يوجد بشائر قريبة بتعديل الحال"، مضيفًا " تمنيتُ أن يُعاد علينا رمضان الحالي وقد تحسنت الأجواء، الأمن أفضل نسبيًا لكن الأوضاع ما زالت سيئة"
يُستقبل بالإصلاح
في منتصف الشارع إلى جهة الرصيف الأمامي المقابل لمنزله شبه المهدم، يُمسك بسام الوادية " خرطوم مياه" محاولًا تنظيف المكان وترتيبه، قاصدًا بذلك تخفيف الحرارة وقت الصيام والاستعداد لتركيب أبوابٍ حديدية جديدة لمحاله التجارية التي هدمها الاحتلال في قصفه خلال الحرب الأخيرة على غزة.
لدى الوادية مصنعا للعصير المغلف، دمرته آلة الحرب كليًا حيث تعطلت ماكيناته وتوقف المصنع عن العمل، إضافة إلى تضرر المنزل في الأعلى من جدران وشبابيك، لكن بعض أموال التعويض ساعدت في استصلاحه مؤخرًا مستكملًا إجراءات السكن على نفقته الخاصة"
[caption id="attachment_70387" align="alignleft" width="400"] بسام الوادية هدم الاحتلال منزله ومصنعه بعد قصفهما[/caption]" تنذكر ما تنعاد" دعوة طلبها آملًا أن يكون رمضان الحالي أكثر أمنًا وأفضل حالًا، فلقد بدا مستعدًا منذ بدايته لاستقباله بالترحيب والعزائم، على رجاءٍ أن يعوّض فيه ما فاته من لمة العائلة ومن احتضان بيته لأسرة كاملة، قائلًا " اشتقنا نلتم على سفرة سحور وفطور ببيت واحد".
نكبات لآل الحلو
أما محمد الحلو ممسكًا بيد أطفاله الصغار قاطعًا الشارع المؤدي إلى البيت، فقال "نهاية رمضان الماضي لم أكن قادرًا أن أمسك يد أبنائي وأسير هكذا، ورمضان العام الماضي كان صعبًا جدًا فقد فقدنا أجواءه الطبيعية في ظل الحرب والفقد والدمار"
"رحلت زوجتي وأطفالي مع أمي وباقي النساء، فيما بقينا أنا وأبي وأخوتي الشباب دونهم رافضين الخروج من المنزل، كنا نُعد السحور وحدنا وكنت أحضر لهم وجبة الإفطار يوميًا، متسائلًا في ذاته باستنكار " مين كان إله نفس للأكل ؟!" يقول محمد
أما عن رمضان الحالي، فيقول "كل شيء كما هو تمامًا، المنطقة مسحت بالكامل ونعيش في بقايا بيوت، فكل شخص قام باستصلاح غرفة من منزله لتأويه بدلًا من البقاء في مدارس الغوث أو دفع تكاليف الإيجار، إلا أن شيئًا واحدًا مختلفًا هذا العام هو " أننا عدنا نجتمع ثانية لأري أمي وزوجتي على الإفطار وأولادي حولي"
في نهاية المطاف، وعلى مد البصر من بداية الشارع غربًا إلى أقصى شرقه الدمار في كل مكان، وأعمدة البناء القائمة مهددة بالسقوط، قام بعضهم بنقل الركام، فيما عجز آخرون عن تنظيف المكان واستصلاحه، فأحمد الحلو كان ممكن تمكن من إزالة ركام المنزل وطمره أرضًا لكنه لم تهن عليه شجرة النخيل التي كانت تزين بيته ويأكل من تمرها بعد الإفطار.
وكأنها كل ورثته كانت شجرة النخيل تلك، فلقد شهدت "لمّة العائلة" في رمضان للأعوام السابقة، حتى كانت تصوم معنا وتفطر كما قال الصبية الصغار هناك
"نفطر في غرفة مستصلحة من بيت قريب من بيتنا المهدم، لكنني في كل يومٍ على الإفطار أتذكر كيف كنا وكيف تبدل الحال، وحين ننتهي من إفطارنا آخذ أبنائي للذهاب هناك، حيث مكاننا المشهود ولمتنا الأولى التي فقدناها ونتمنى أن تعود الأيام بالخير كالسابق وأفضل" يقول الحلو.