لندن – ترجمة قُدس الإخبارية: ترددت أنباء صحفية في الأيام الماضية، عن مفاوضات جدية يقودها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بهدف وضع حد للحصار المستمر منذ ثمان سنوات على قطاع غزة.
"لماذا هذه المفاوضات والآن تحديدًا؟!" تحت هذا العنوان حاول الكاتب الأوروبي الكبير ديفيد هيرست البحث عن إجابات، في مقال نشره موقع "ميدل ايست مونيتور" البريطاني، أمس الجمعة، نوه فيه الكاتب إلى أن بلير وفر دائمًا الغطاء الدولي لأعمال "إسرائيل"، وهو من أبرز مؤيدي "الانقلاب العسكري" في مصر، ويعتبر نفسه عدوًا للإسلاميين من أي صنف.
ويقول هيرست، إن بلير يعتقد بإمكانية إنهاء وجود حماس في قطاع غزة بوسائل سوى الخيار العسكري، منها سلب حماس من الدعم الشعبي الذي تمتلكه في قطاع غزة، من خلال إعطاء سكان القطاع بعض الأمل في المستقبل.
خلال سنوات الحصار الثمان هاجمت "إسرائيل" القطاع ثلاث مرات من البحر والبر والجو، آخرها كانت العام الماضي واستمرت لـ 50 يومًا، وقد استخدم في العدوان الأخير أسلحة وقنابل دفعت وزارة الدفاع الأمريكية لترفض مؤقتًا فتح ترسانتها من القنابل لتجديد مخزون "إسرائيل"، حيث كان الحجم الإجمالي للمتفجرات التي ألقيت على القطاع بين 18 و20 ألف طن، أي ما يعادل قنبلة هيروشيما.
ويرى الكاتب، أن هذه الحرب عززت قدرة حماس العسكرية، حيث استخدمت كتائب القسام صواريخ ضربت قسمًا كبيرًا من "إسرائيل"، ما جعل القيادات العسكرية الإسرائيلية أمام خيار واحد فقط هو الاحتلال الكامل لغزة، وهذا الخيار ليس واضحًا، ويقتضي خسائر فادحة في الأرواح بين الإسرائيليين وفي المدن أيضًا، وستكون نتائجه غير متوقعة.
وبهذا تبقى حماس وحزب الله عدوا "إسرائيل" الأكثر نشاطًا، ورغم أنه لا يمكن تحدي القوة العسكرية الإسرائيلية، إلا أن الفلسطينيون بنوا جيشًا بدائيًا على أرض فلسطين نفسها، وقد انقسم زعامات "إسرائيل" إلى معسكرين أحدهما بقيادة أفيغدور ليبرمان الذي يضغط للتدمير الشامل، ومعسكر آخر يرى الفوضى عدو أكبر.
ويضيف هيرست، أن جهات مختلفة في "إسرائيل" تعتقد أيضًا أن سيطرة حماس على قطاع غزة أفضل وصول تنظيمات متطرفة إليها، وتؤكد هذه الجهات أن حماس تفعل كل شيء من أجل الحفاظ على ضبط النفس، وهي تمنع المنظمات الصغيرة التي تريد إطلاق الصواريخ من فعل ذلك.
ويشير الكاتب، إلى مقال لرئيس الموساد السابق أفرايم هليفي قال فيه، إن معركة حماس مع المنظمات الأخرى في القطاع يخدم احتياجات "إسرائيل" الأمنية، وأن المحادثات الأخيرة التي تنضج اتفاقًا بين "إسرائيل" وحماس لفترة محدودة من الزمن، يجب أن تؤدي إلى اتخاذ طريق جديد واستراتيجية حوار مستمر، لأن منهج الهدوء مقابل الهدوء لم يعد مضمونًا، بل يمكن أن يؤدي لجولة قتال أخرى.
ويرى الكاتب، أن هناك تخوفًا حقيقيًا من انفجار لا يمكن احتواؤه في قطاع غزة، وهذا ما بدا واضحًا في تصريحات وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير عندما وصف القطاع بـ "برميل بارود"، والخوف هنا وفقًا لهيرست من أن تفقد حماس قدرتها على كبح جماح الجماعات المسلحة الأخرى، خاصة مع قرب الجماعات الجهادية في سيناء، والمعركة المستمرة على الحدود الشمالية لـ "إسرائيل".
ويتابع، أن عنصرًا آخر يلعب دورًا في دفع هذه المفاوضات، وهو احتمال احتجاز حماس لجنود إسرائيليين، وآخر ذلك قصة الإسرائيلي الذي عبر الحدود إلى غزة بعد الحرب واعتقل هناك، وقبل ذلك إعلان حماس أن أورون شاؤول مازال على قيد الحياة في حين تعلن "إسرائيل" أنه مات.
ويرى الكاتب، أنه لا يوجد حتى الآن اتفاق لإنهاء الحصار على الطاولة ولا حتى اقتراب من توقيع مثل هذا الاتفاق، مبينًا، أن هناك سببين يجعلان هذه المفاوضات تأخذ وقتًا أطول، وهما، الشك في دوافع بلير للعب دور الوسيط، وعلاقته مع السلطات المصرية وهذا ما يلاحظه الجميع في غزة.
أما السبب الثاني، فهو أن حماس لا تريد أن ينظر إليها على أنها تمشي على خطى حركة فتح التي اعترفت بدولة "إسرائيل"، فحماس وفقًا للكاتب، لا تنوي الاعتراف بـ "إسرائيل" بل إنها فقط توافق على وقف إطلاق النار.
ويشير هيرست، إلى أن للفلسطينيين ذاكرة جمعية مؤلمة بعد عقدين من مفاوضات التسوية، التي سمحت لـ 60 ألف مستوطن بأن يتحولوا إلى أمر واقع على الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة وشرقي القدس.
ويبين، أن وقف إطلاق النار بالنسبة للفلسطينيين يجب أن يؤدي لمكاسب سياسية ومادية ملموسة في الضفة والقطاع على حد سواء، معتبرًا، أن ما نشهده الآن هو خطوات أولى لحركة حماس في تحدٍ استراتيجي هو التحرر من الاحتلال وتحقيق الثوابت الفلسطينية مثل حق العودة.