شبكة قدس الإخبارية

شهادة طفل معتقل: كنت أغني بأعلى صوتي طوال الوقت

هيئة التحرير

فلسطين-خاص قدس الإخبارية: زجوه في الزنزانة، رائحة كريهة جدا تثير الغثيان، أرضية سوداء مقززة، جو حار وهواء رطب يتسلل بصعوبة إلى رئتيه مكنه من التجول بأركان المكان بأربع خطوات لا غير،  بعد أن أقفل الباب ودار الجندي ظهره.

أنظار الجنود تتسلل بين القضبان متفحصة عبد الرحمن جبريل حماد الذي لم يكمل عقده الخامس عشر بعد، ورغم أن الزنزانة مقفلة بمفتاح مصادر بجيب أحدهم، وهناك عدد من كاميرات المراقبة، إلا أن عبد الرحمن ما زال يثير خوفهم، كيف لا وصوت غنائه يردده الصدى في أنحاء السجن؟ "كنت أغني طوال الوقت حتى يعلموا أنني قوي وليست خائف منهم".

[caption id="attachment_69998" align="alignleft" width="400"]قال للجنود: قال للجنود: "أنا صغير لم أفعل شيئا".[/caption]

"أنا صغير، لم أعمل شيء"

ففي فجر الثامن عشر من حزيران، اقتحمت قوات معززة من جيش الاحتلال قدر عددها بثلاثين جندي منزل عائلة جبريل حماد في بلدة سلواد شرق مدينة رام الله، احتجز أفراد العائلة في إحدى غرف المنزل بعد مصادرة بطاقات هوياتهم، في حين حاصر الجنود محيطه واقتحموا غرفه بغرض التفتيش والتصوير.

سبب الاقتحام ما زال غير واضح، ولم يدر حينها في ذهن جبريل سوى فكرتين، فربما الجنود تاهوا بدخول منزله ويقصدون دخول منزل عائلة أخرى، وإما يريدون اعتقال أحد نجليه الشبان، لتكون المفاجأة بنداء الجندي،" عبد الرحمن، يلا بدك تيجي معنا".

قفز عبد الرحمن من مكانه،" أنا؟! أنا صغير! أنا ما عملت أشي! شو بدكم فيّ؟"، كعائلته وأكثر صدم عبد الرحمن، واندلعت مناوشات بين جنود الاحتلال وأفراد العائلة الذين لم يستوعبوا خطف نجلهم الأصغر، الأكثر هدوء، الأكثر أحلاما وآمالا.

دقائق قليلة منح جنود الاحتلال عبد الرحمن ليرتدي ملابسه وحذائه قبل أن يقتاد مشيا على الأقدام وهو محاصر بعشرات جنود الاحتلال، "قيدوني، وكانوا يدفعوني ويضربوني، كنت أقول لهم أن "كتان" بالعبري أي صغير" فكان يرد الجندي وهو يدق على رأس عبد الرحمن،" أنت صغير، ولكن هذا كبير".

الجنود يستفردون بعبد الرحمن

دفع الجنود عبد الرحمن داخل المركبة العسكرية الفارغة، تمهيدا لنقله إلى معسكر عوفرا، "كان السائق يتعمد إيقاف السيارة بشكل مفاجئ عدة مرات، وفي كل مرة كنت أسقط من أول المركبة حتى آخرها، ثم يعود ويقفها مجددا فأسقط من آخرها حتى أولها".

أدخل عبد الرحمن معسكر عوفرا ليجد خمسة شبان معتقلين، "أجلسونا بجانب بعضنا، وبقينا حتى الساعة الثانية ظهرا تحت الشمس، وكل ما مر جندي كان يأتي ويضرب أحدنا على وجهه".

وروى عبد الرحمن، أن جنود الاحتلال منعوه وباقي المعتقلين من شرب الماء حتى ساعات طويلة، وبعد مناقشات ومجادلات اقتادوهم لشرب الماء من أحد الخزانات في ساحة المعسكر،" كان يوجد كاسة مربوطة بالخزان وسخة وصدأة جدا، كما الماء كان طعمه سيء"

وأضاف، "طلبت الذهاب إلى الحمام ولم يسمحوا لي إلا بعد مدة طويلة حيث اقتادني أحد الجنود وبقي بجانبي ورفض أن أغلق الباب"، حيث أخبره الجندي أنه يخشى أن يعمل شيء يضر بأمن المعسكر، مؤكدا على أن الجنود استفردوا به وبالشبان الآخرين واعتدوا عليهم بالضرب وبالألفاظ البذيئة طوال الوقت قبل نقلهم إلى مركز التحقيق حيث يمنع الاعتداء عليهم.

[caption id="attachment_69999" align="alignleft" width="400"] "كانوا يسيرون على أقدامنا"[/caption]

"كانوا يسيرون على أقدامنا"

إلى سجن عوفر نقل عبد الرحمن، "أعصبوا أعيوننا، وقيدوا أيدينا وأرجلنا، وكانت الناقلة تدور حولها في كثير من الأحيان، حتى لا نعرف أين سيأخذوننا"، مضيفا،" عندما وصلنا، جعلونا ننزل لوحدنا رغم القيود، لم أكن أرى شيء، فسألت الجندي إذا كان هناك درجة فقال نعم، وما أن وضعت قدمي حتى سقطت على الأرض وأصبت بكدمات ورضوض بجسمي".

ويبين أنه والمعتقلين الآخرين وضعوا يوما كاملا داخل زنزانة كان فيها مكتب المحققين وعدد من جنود الاحتلال،" كان الغرفة ضيقة وكنا نضع أرجلنا فوق بعضنا، وعندما كان يمر الجنود كانوا يتعمدوا السير عليها".

وبدأت جولات التحقيق

الساعة التاسعة ليلا استطاع عبد الرحمن شرب أول كاسة ماء، "أخضعونا لتحقيق سريع جمعوا فيه معلوماتنا وأخذوا بصماتنا، كما ألبسونا ملابس السجن قبل أن ينقلونا مجددا إلى الأقسام ويضعوننا فيها".

"التحقيق كان معاناة" يلخص عبد الرحمن ما دار معه، فيقول إن محققين اثنين أخضعوه للتحقيق، أحدهم يتحدث العبرية والثاني بالعربية، "سألوني لماذا أنا هنا، فقلت لهم أني صغير ولا أعرف، كما أنني لم أعمل شيء"، مبينا أن المحققين اتهموه بإلقاء الحجارة وبوجود صور تدلل على ذلك،" قلت لهم أن يرونني الصور حتى أقتنع، إلا أنهم قالوا أن الصور مخبأة الآن وممنوع إظهارها".

"أنت خائف منا؟" سأل المحقق، فأجاب عبد الرحمن،" لا لست خائف"، "أنا أعرف أني إذا قلت لهم أني خائف فسوف يقومون بمساومتي والضغط علي، فلم أظهر لهم خوفي أو قلقي".

ويبين عبد الرحمن أن المحققين عرضوا عليهم ملفين كبيرين من الصور،" كان يعرض علي صورة لأحد الشبان ويسألني إن كنت أعرفه، أقول له لا، فيرد أنه هو يعرف كل شيء عنه، فيفتح الصفحة الثانية وتكون بها معلومات الشاب الذي في الصورة".

ويروي عبد الرحمن أن التحقيق كان يتخلله صراخ وتهديد بالضرب، كما كان يتعمد المحقق ضرب الطاولة بقوة لإخافته،" هددني إذا لم أعترف فسيضعني بزنزانة بحجم الحمام لا يوجد فيها ضوء وسيضع معي مجموعة من الجنود ليضربوني"، متابعا، "قال لي أنه سيضعني بالعزل الإنفرادي، ولن أعود إلى البيت، وسيصير معي حالة نفسية"

وعلق عبد الرحمن،" زهقت كنت بالنهاية سأعترف على نفسي بشيء لم أفعله، فالعذاب النفسي أشد من العذاب الجسدي، وطوال التحقيق كان رأسي يؤلمني بشدة".

طعام سيء بزنازين الأشبال

يقول عبد الرحمن إن الأشبال معتقلين من قسم (2) حتى قسم (11) في سجن عوفر وهو ما يدلل على وجود عدد كبير من الأسرى الذين لم يكملوا عامهم الثامن عشر، مشيرا إلى أن قسم (12) يحتوي على عدد من الأسرى ذوي المحكوميات العالية والذين يشرفون على الأشبال ويساعدهم في تيسير أمور حياتهم اليومية داخل الاعتقال.

"الأمور منظمة جيدا في قسم الأشبال، فالأسرى الكبار يمنعونهم من التدخين، أو الإفطار في رمضان، كما يمنعونهم من التلفظ بأي كلمة سيئة"، مبينا أنهم يقومون بتوعية الأسرى الأشبال بأساليب التحقيق ومساعي الاحتلال في إسقاطهم.

ويقول،" وأنا في السجن اشتقت لطعام أمي، فأكل السجن مقزز، فأول يوم من رمضان عملوا شيء اسمه منسف ولكن لا علاقة له بالمنسف، ولكن من الجوع كنا نضطر أن نأكل"

الأيام الخمسة التي قضاها عبد الرحمن في زنازين الاعتقال لن تمح من ذاكرته أبدا، تجربة لن يستطيع تلخصها كما سيفقد القدرة على روايتها، ولكن معاناة من تركهم سيبقى يردها أمام كل من يلقاه، "معاناة الأسرى لن تروح عن بالي، وخاصة الأسرى الأشبال فهم يعيشوا في عذاب وظلم يومي، محرومين من عائلاتهم".

وعن نصيحته لكل طفل ربما يتعرض للتحقيق والمساومة، "يجب أن تكون صابرا، ولا ترضى بأي عرض يقدمه المحققون، وقم بإبلاغ أسرى التنظيم بما حصل معك، وهما سيضغطون على إدارة سجون الاحتلال، ويوقفوا محاولات المحققين في إسقاطك".