يحاول الفلسطينيون التغلب على سطوة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثماني سنوات، فاستطاعوا إحداث ثغرة في جداره، لكنها كانت كفيلة بتمكينهم من مجاراة غيرهم في تصدير منتجات تكنولوجيا المعلومات إلى الدول العربية والأجنبية.
ولا يستلزم العمل في هذا المجال بالضرورة تنقلا جغرافيا، ولا يمكن أن تحده ذرائع أمنية تدعيها إسرائيل، فكل ما يلزم هو عقل يبدع وجهاز حاسوب وشبكة إنترنت. وثمة شواهد كثيرة بغزة على إبداع الفلسطينيين في هذا المجال، لكنك تجد ذلك بوضوح في شركة "يونيت ون" لتكنولوجيا المعلومات وإدخال البيانات، التي استطاعت التعاقد مع شركات عربية وأجنبية لتصدير منتجاتها.
ورغم أن البداية كانت بموظفيْن اثنين في غرفة واحدة قبل عشر سنوات، فإن الشركة استطاعت بعد ذلك توسيع طاقمها ليبلغ 67 موظفا، كما يوضح مديرها التنفيذي الشاب سعدي لظن.
لم تكن الأوضاع مواتية عند الانطلاق، إذ تزامنت مع أسر المقاومة الفلسطينية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وما تبع ذلك من قصف محطة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة، وغرق القطاع في ظلام دامس.
يقول لظن (33 عاما) للجزيرة نت إن ذلك ولّد لديهم إرادة لإثبات قدرة الفلسطينيين على التحدي والصمود، وتقديم خدمات تنافسية بجودة عالية وسعر مناسب رغم الظروف القاسية.
تصدير الخدمات
وقبل الولوج إلى السوق الخارجي، ثبّتت الشركة أقدامها جيدا محليا، ثم انطلقت لتصدير خدماتها إلى دول عربية عديدة كقطر والأردن والإمارات، وبلدان أجنبية كهولندا وبريطانيا وأميركا.
وتصدّر الشركة مجموعة من الخدمات بمجال البرمجيات، كبرمجيات الهواتف الذكية (أيفون وأندرويد)، ومواقع الإنترنت، والبرامج الخاصة بالمؤسسات والأعمال، وتصاميم العلامات التجارية، وخدمة اختبار وإدارة الجودة.
وفي مجال إدخال البيانات، تنشئ الشركة قواعد بيانات محوسبة من بيانات ورقية، ووقّعت في هذا المجال عقدا مع شركة هولندية عام 2011 ما زال مستمرا حتى اليوم.
ويبدو مقر الشركة كخلية نحل، ولاسيما مع الطلب المتزايد من السوق الخليجي، ويوضح مديرها التنفيذي أن قيمتها تقدر اليوم بنحو 300 ألف دولار، بعد أن بدأت بـ10 آلاف دولار.
الأمور لا تسير دوما كما ينبغي، فالعدوان الأخير أوقف عمل الشركة نحو شهرين، مما أثّر على قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها، وهو ما تطلب تعديلا بالعقود وتقليصا لأعداد الموظفين، كما يقول المدير التنفيذي.
لكن لظن يلفت إلى أن العدوان انعكس إيجابيا على عمله، إذ فتح لها خطوطا جديدة للعمل مع شركات ترغب في مساعدة غزة بطريقة مختلفة، مضيفا أن "غزة تحتاج تجارة وليس مساعدات".
جودة وتسويق
وتباهي الشركة الفلسطينية بتقديم جودة عالية بأسعار تنافسية، والتركيز على فحص المنتج وجودته قبل تسليمه إلى الزبون.
ويوضح مهندس البرمجيات محمد بلور (28 عاما) أحد الموظفين في قسم فحص الجودة والبرمجيات، أن جميع منتجات الشركة تمر بمرحلة الفحص وضمان الجودة، للتأكد من ملائمة البرنامج للطلب.
ويستغرق فحص بعض البرمجيات الكبرى ثلاثة أشهر -كما يوضح بلور للجزيرة نت- وتؤخذ في هذه المرحلة بعض التعديلات والتوصيات من الزبائن للخروج بمنتج يلبي رغباتهم.
وتعتمد الشركة في تسويق منتجاتها على فريق تسويقي متخصص يعمل على موقع "لينكد إن"، كما تراسل شركات متعددة عبر رسائل إلكترونية، وتتلقى ردودا إيجابية في غالب الأوقات، كما يؤكد بلور.
ويحد التسويق الإلكتروني من قدرة الاحتلال على حصاره، ويقول بلور "لا يوجد في مجال تكنولوجيا المعلومات حصار، إسرائيل تحاصرنا جغرافيا وسياسيا، أما في هذا المجال فلا تستطيع حصارنا".
قطاع واعد
ويوافق الخبير الاقتصادي ماهر الطباع على ما تحدث به بلور من أن شركات تكنولوجيا المعلومات استطاعت تخطي الحدود دون اللجوء للمعابر، لكنه يلفت إلى أن نسبة مشاركتها محدودة حتى اللحظة بفعل تعذر الحركة.
ويضيف للجزيرة نت "من السهل عليها الولوج للأسواق العالمية، ولكن نسبة المساهمة حتى اللحظة غير كبيرة، فهي لا تستطيع أن تفعل كل شيء دون الحركة على الأرض، والبحث عن فرص للعمل".
ويعد قطاع تكنولوجيا المعلومات من القطاعات الواعدة القادرة على استيعاب أعداد من الخريجين العاطلين، وفق الطباع، وهو ما من شأنه إحداث اختراق في نسبة البطالة المرتفعة ولو نسبيا.
كما أن ذلك القطاع واعد بالنسبة للمرأة القادرة على العمل من داخل البيت، ولا سيما أنه لا يستلزم التنقل من مكان لآخر، لكن الطباع يؤكد أهمية دعم هذا المجال وطنيا ورعايته بشكل أفضل.
ويعاني القطاع من ارتفاع كبير في نسبة البطالة ولاسيما بين أوساط الخريجين بسبب الحصار، ومحدودية الوظائف، حيث بلغت وفق آخر إحصاء رسمي نحو 42%.
المصدر : الجزيرة نت/ أيمن الجرجاوي