شبكة قدس الإخبارية

مذكرات أسير محرر – الحلقة الثانية .. سجن هداريم 2002

٢١٣

 

هيئة التحرير

خاص قُدس الإخبارية: ندور اليوم في فلك نهار جديد أشرق في سماء السنة الجديدة، وها هو ماء بحر الحبس يصل في جسمي منتصف الساق، فقد عانقت الشهر الثالث من العام الرابع لمحكوميتي التي تبلغ في عرف الظلام هذه المرة ثلاثة عشر عامًا ونصف، أما النصف فزيادة البياع ورجحة ميزان اليهود المجحف، وأسأل الله أن يقصف عمرها قبل أن تبلغ السن المقرر وأن نغادرها وهي كهلال وعرجون قبل أن تكتمل في شكل قمر 14.

 إقرأ الحلقة الأولى من المذكرات

نحن أبناء اليوم كما يقولون؛ ولكن الأمس الذي مضى تضمن عدة محطات ... نذكر منها: انتخابات لمجلس الشورى عندنا، انتخابات ديمقراطية وشفافة بما للكلمة من معنى، وتضمنت تركي للعمل في المردوان خارج الغرفة من أجل تفرغي لدراسة السياسة في جامعة الأعداء العبرية، السياسة التي ألاحقها منذ الصغر ويبدو أنها ستلاحقني بدورها حتى تودعني القبر!

وتضمن أيضا بدء كتابتي لمذكراتي وذكرياتي في بطن الحوت الذي بدأ يعمق غوصه في المحيط على أمل مني أن يلفظني قريبًا قبل موسم اليقطين على الشاطئ.

يبدو أن صغر حجم صفحات المذكرة سبب وسبب آخر هو أنني نسيت كثيرًا من الذكريات ما يدفعني لبعض الاختصار. النسيان؟! نعم إنه النسيان، ننسى الأحزان ليتجدد الأمل، ننسى الأفراح ليأتي غيرها،..ننسى الموت لنقوى على الحياة، وننسى ضغطة السجن - أو نتجاهلها قدر استطاعتنا- لأننا نحلم بالحرية كل ساعة.

حقيقة كم أتمنى أن لا أتم كتابة نصف صفحات هذه المذكرة، لأن معنى ذلك أن أكمل فصول مسرحية الأسر على خشبة مسرح المعتقل في دور المقيد لمدة ليست بالقصيرة، ولكن من يدري فنحن أسرى القدر. مذ كنا في الخارج، وأنا مسلّم وراض بقدر الله تمامًا، وعزاؤنا أن ضريبة الشرف دائمًا أقل من ضريبة الذل .

الآن بدأ الشباب بالصراخ (تفتيش يا شباب - غيمت – غيمت)، فقد هجمت شرطة الإدارة ومعها مسؤولي الأمن على غرفة 39 بحثا عن هاتف نقال مهرب قد يكون سببًا في تخفيف آلام أناس وصلة أرحام آخرين، ولكن هذا حرام في شرع الشياطين.

طبعًا أطلقوا زامور الخطر والطوارئ الذي يعني سماعه مشكلة بالنسبة لكل أسير، وهو إيذان بعدم الاستقرار الذي هو وضع السجن شبه الدائم، كما يشير إلى أنك لا تستطيع أن تضمن ما سيحدث بعد دقيقة واحدة فالأمر بيد الاخرين، ولو اننا منذ ولدنا ريشة في مهب ريح الأقدار.

بعد عدة ساعات، وبعد أن دخلوا على غرفنا وقلّبوها واضطررنا بدورنا لإنزال البنطال كبروتوكول جديد في مراسم التفتيش. وللأسف وجدوا الهاتف في مطبخ القسم، وكان من نتائج هذا الاكتشاف العظيم إلغاء الجلسة السياسية في ساحة السجن التي كانت مقررة بعنوان "تحرير الأسرى"، والتي توقع الشباب إلغائها بسبب عاصفة مطر فباغتتهم عاصفة التفتيش.

كنت اليوم صائمًا وبسبب ما حدث اضطررنا لتأخير العشاء أكثر من ساعة ونصف، لكن العشاء كان دسما، شبه منسف مع لبن ولحمة صعبة المضغ والهضم واستبدلنا الصنوبر بالفستق السوداني، "واسحب يا معلم! .. وكملت أن اليوم دوري في الجلي، نزلت الطناجر والصواني والصحون تزغرد في الساحة، ومحسوبكم شمر ولبس المريول ويا جبل ما يهزك ريح!".. وإلى لقاء متجدد قريب بإذن الله.

الأسير المحرر إيهاب بكيرات