شبكة قدس الإخبارية

حياة الحرب للمكفوفين في غزة.. قصة آية ونسمة

سلسبيل زين الدين

غزة – خاص-قدس الإخبارية: حينما تشرق شمس الصُبح مع أصوات القذائف والقصف العنيف، ترتجف الأطراف ويفزع كل شخص من نومه مستيقظاً يبحث عن النور حوله عن الأمان، يتخبط في كل شيء أمامه وهو مبصر تماماً ولكن هناك أشخاص شهدوا حرباً لم يرو فيها إلا الظلمة التامة ليس لأن الكهرباء منقطعة أو أن الشمس لم تشرق بل لأنهم "مكفوفون".

في خزاعة التي كانت قبل أشهر ثكنة عسكرية منكوبة وقفت آية النجار (20 عاماً ) تتجول في شوارع القرية التي اختلفت عليها تماماً، تهمس لوالدتها " هذه ليست قريتي وهذا الشارع لم أمر به من قبل" آية لم ترَ جمال خزاعة من قبل ولكن رأت بقلبها وروحها التي خلقت هناك، خزاعة الثكلى الحزينة.

[caption id="attachment_53108" align="alignleft" width="400"]آية النجار تسجل ما كانت تتلمسه خلال العدوان الأخير على غزة آية النجار تسجل ما كانت تتلمسه خلال العدوان الأخير على غزة[/caption]

انتظار الموت

قبل شهور قليلة كانت ترقد آية وعائلتها في منزلها في خزاعة منعزلين عن العالم الخارجي، فيما تتساقط القذائف والقنابل حولهم والرعب والخوف رفيقهم، آية التي كانت تعيش حالة خاصة لا تستطيع رؤية الخوف في عيون من تحب لكن كان تتلمس أوجاعهم رغم خوفها الشديد من مصير لا يعلمه إلا الله فتقول " كنا ننتظر الموت أو الموت " لم يكن لها خيار آخر سوى رفع أكفها للسماء والدعاء .

اشتدت الحرب واقتربت المدافع من كل حدب وصوب وبات البقاء في خزاعة أمراً مستحيلاً، قررت العائلة المجازفة والخروج، تصف آية تلك اللحظات " كأنه يوم الحشر، خرجنا نحمل رايات بيضاء، كنا نعتقد أننا الوحيدون في خزاعة ولكن كان هنالك الآلاف من الناس يمشون حولي، افترقت عن أهلي وبت امشي كما يمشي الناس، تارة أتعثر وتارة أخرى اصطدم بأحدهم، الطريق كانت طويلة والحجارة في كل مكان والزجاج المتناثر كاد يخترق قدمي " وكانت هذه بداية الهجرة لآية التي قضتها وحيدة مفترقة عن أهلها، تجري خوفاً من موت لا تراه وطريق لا تعرف نهايته .

ولم يكتفِ الاحتلال بهذا التشريد والخوف الذي عاشته آية، ولكن الأمر ازداد سوءاً حينما أسقطت الطائرات صاروخ F16 أمامها، تصف آية لحظة العجز هذه " لا أعلم في اتجاه علي أن أذهب، كنت أبكي بشدة وأركض في كُل مكان، كدت أنهار شعرت بقرب بالموت لا محالة ".

لم تنتهي رحلة الهجرة إلى هنا، بل أجبر أهل خزاعة على الوقوف جميعاً أمام الدبابات وكانت آية من بينهم تقول "شعرت أن الدبابة تقف أمام وجهي تصوب مدفعها نحو صدري" حينها التقت آية بأهلها من جديد، فاستردت جزءاً من الأمان ولكن هيهات هيهات الحرب انتزعت كل شعور يتعلق بالأمن والأمان .

انتهت الرحلة ووصلت آية وعائلتها إلى منزل عمتها حيث قضت بقية الحرب هناك، في منزل لم تدخله من قبل وجدت فيه الوحشة ولم تتأقلم فيه بسهولة، فكل شيء بات عليها غريباً . لم تعطِ الحرب آية فرصة للراحة بعد نزعتها عنوة من منزلها الذي تدمر جزئيا وأرضها التي احترقت بل واختطفت فرداً من عائلتها فتقول " الليلة التي جاء فيها خبر استشهاد ابن عمتي كانت الأسوء خلال هذه الحرب، فقدنا عزيزاً بكينا عليه كثيراً، لم نستطع وداعه أو فتح باب العزاء " صمتت آية بعد ذلك طويلاً ولم تستطع أن تكمل وتبتلع الغصة.

[caption id="attachment_53107" align="alignleft" width="400"]آية فقدت خلال العدوان آلة آية فقدت خلال العدوان آلة "بريل" وجهاز الحاسوب خاصتها[/caption]

آية النجار طالبة لغة عربية في الجامعة الإسلامية فقدت خلال الحرب آلة بريل التي تستخدمها في دراستها واحترقت غرفتها وكثير من أغراضها، ورغم ذلك هي اليوم في الجامعة تكمل دراستها وتحاول قدر الإمكان تجاوز الحرب التي شهدها قلبها فأوجعته حتى أثقلته .

حياة الحرب للمكفوفين

ولم تكن حال نسمة الغولة ( 26 عاماً ) من سكان الشجاعية بالأفضل، فهي أيضا عانت مرارة الهجرة وفقدان المنزل والضياع والخوف، تصف نسمة لحظة الخروج من المنزل "خرجت من المنزل بملابسي فقط، أتلمس الطريق برعب لا أعلم إلى أين سأذهب، مشينا حتى كلت أقدامنا ووصلنا مدارس الوكالة، لم نستطع الجلوس هناك للحظة فغادرنا لمختبر طبي لأحد أصدقاء والدي".

حياة الحرب صعبة على كُل شخص فكيف بمكفوف كنسمة عانت في تلك الحجرة الضيقة التي لا تصلح للعيش حيث اكتظ فيها أكثر من 20 نفراً انعدمت فيها الخصوصية التي كانت تنعم بها من قبل.

فقدت نسمة خلال الحرب آلة بريل وحاسوبها الشخصي، تلك الأجهزة غالية الثمن صعبة التوفر في الوقت الذي لا يعمل فيها والدها ولا يستطيع توفير تلك الأجهزة، بالرغم من ذلك لم تتوقف نسمة عن طلب العلم فهي طالبة ماجستير في الجامعة الإسلامية أصرت على إكمال رسالتها رغم أن الأجواء المنزلية لم تعد مهيأة لها كما السابق فغرفتها أصبحت مشتركة ولم يعد للهدوء مجال.