غزة- خاص شبكة قدس: انتهت الحرب على غزة, ولكن الجرح لم يندمل بعد, فمازال شعبنا يلملم جراحه المتناثرة في كل مكان, لا يوجد مكان تذهب إليه إلا ورائحة الموت تلاحقك أينما توجهت, تحاول الخروج من روتين الحرب والحديث فيه لكن من الصعوبة أن تجلس في مكان دون أن تذكر ماذا حصل معك وما هي قصتك مع الحرب.
فقصتنا اليوم تحتاج إلى قلب قوي ليقرأها ويحاول استيعاب المجزرة التي حصلت مع عائلة زيادة بعد سرد للحكاية بصعوبة مع أحد الناجين من المجزرة.
مناشير الموت
الشابة العشرينية سلمى زيادة بدأت بسرد تفاصيل لا يتخيلها بشر فتقول "في ليلة اشتد القصف المدفعي على منطقة البريج وبدأ الاحتلال برمي المناشير علينا لإخلاء المنطقة بينما نحن لم نخرج فقط اكتفينا بالجلوس في الطابق الأرضي وترتيل آيات من القرآن الكريم لعل الله يرحمنا من بطشهم".
لكن في اليوم التالي اشتد القصف على المنطقة أكثر ولكن لم يكن هناك أي وسيلة للتنقل فتحدثنا سلمى قائلة: "بصعوبة شديدة استطعنا تدبير سيارتين لتقلنا أنا وأخوتي إلى بيت عمي في غزة, على الرغم أني كنت معارضة بسبب عدم مغادرتنا للمكان جميعا".
سارت السيارة بسلمى وأخواتها والدموع لا تفارق عيناها فهي أخذت تنادي على أمها كثيرا ولكن لم تسمعها والدتها, إلى حين أقبلت ناحية السيارة وأخذت توصي فلذات كبدها بأن يبقوا جميعا بجانب بعضهم في هذه اللحظات انفجرت سلمى من البكاء قائلة لوالدتها: "ما تخافي يا أمي إحنا راجعين حتى تاخدينا بحضنك من تاني واحنا بنستناكي تلحقينا على غزة".
جلست العائلة مدة النصف ساعة في غزة ليبدأ الهاتف بالرنين للاطمئنان عليهم وعلى أحوال العائلة بعد تعرض البيت للقصف بصاروخ إف16 على من كان فيه بدون سابق إنذار, لتكون هنا الفاجعة لسلمى وأخواتها فقط من نصف ساعة فقط تركت والدتها وهي توصيهم ببعضهم ووعدتها بأنهم سيلتقون ثانيا, ولكن الوعد لم يوفى فقد ذهبت والدتها ووالدها وأخيها الذي جاء بعد اثني عشر عاما وأيضا جدتها واثنين من أعمامها, تحاول سلمى لحد هذه اللحظة تقبل الأمر الواقع فكل سيناريو حياتها تغير لم يعد شي كما كان من ذي قبل.
أجمل اللحظات قبل الشهادة
تقول سلمى "تحولت حياتنا إلى جحيم لم نكن نخطط لأيامنا القادمة وتفاصيلها دون وجود أغلى ما نملك في حياتنا".
تسترجع سلمى أجمل لحظاتها مع أهلها خصوصا مع اقتراب موعد الشتاء فتقول "منذ الصغر وأنا بجانب جدتي بالغرفة وبحضنها وخصوصا في أيام الشتاء فكنت أشعر بالأمان بجانبها".
تتنهد سلمى في حديثها وفي كل سؤال يوجه إليها توجه لي بكلمة لقد ذبحتني الأسئلة ولكن سأجيب عليها فهنا تتحدث عن والديها فتقول "هم نبع الحنان كله أفتقدهم في كل تفاصيل حياتي لم أتخيل الحياة بدونهم فقدهم موجع أتذكرهم في كل مواقف الفرح والحزن فهل تتخيلي أن تعيشي يتيمة بدون سند لك".
تفتقد سلمى وأخواتها الحنان الذي كان يعم منزلهم فمنزلهم كان لا يخلو من الأطفال ولا من الناس فهو بيت العائلة في كل شيء، فعندما توجهنا بالحديث معها عن أجمل لحظاتها مع أعمامها فاكتفت بالقول: "هؤلاء حكاية فهم رفقاء دربي فكانوا لنا نعم الأخ والصديق ولكن ذهبوا ولم يبق شيء من رائحتهم سوى أطفالهم".
وتسرح سلمى أثناء الحديث وتقول شريط تلك الأحداث التي مرت علينا لا أنساه فقد جاء العيدين وأحبابي مفارقين الحياة فقط جلسنا نتحسر على فقدانهم, فلم نفعل أي شيء من التفاصيل التي اعتدنا عليها فقط ندعو الله أن يجمعنا بهم في جناته".
وفي ختام حديثنا تقول سلمى "في الأيام القادمة سيكون الوجع أشد علينا، فحين تخرجي لن أجد أحدا بجانبي وحين أمرض لن أجد يد أمي تحنو علي, لن أسمع صوت والدي يقول لي لقد رفعت رأسي يا بنيتي".



