شبكة قدس الإخبارية

الغزيون يسخرون من الموت بصواريخ تتساقط من أفواههم

هيئة التحرير

هدى العف-شبكة قدس: حاول الشاب محمد فكَ مناوشة وقعت بين طفلان في أحد شوارع غزة بقوله: " هدنة هدنة "، ليسارع أخاهما الأصغر لوالدته ليخبرَها أن ابنيها قد "دبت الحرب" بينهما و"وجب التدخل".

 صحيحٌ أن آلة الحرب الاسرائيلية قد رفعت يدها الثقيلة عن قطاع غزة، ولكن ما خلفته من آثار يشهد على إجرام منّ مروا من هنا!، آثارٌ أصابت كل نواحي الحياة والإنسان في غزة، إلى أن وصلت إلى اللغة المستخدمة بين سكان القطاع في تعاملهم اليومي.

 وتكونت لدى الشارع الغزّي ما يمكننا أن نسميه" المصطلحات الحربية "، التي تمثل الموروث الأليم لسكانها بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي دام لأكثر من خمسين يوماً، يحمل في طياته تفاصيل التصقت في ذاكرتهم، واقتحمت لغتهم .

 بيتي سينفجر

 أطفال غزة فرض عليهم الواقع حمّل خبرة عسكرية، فهُم يميزون أنواع الطائرات وأصوات صواريخها عن صوت القذائف المدفعية، كيف لا ! وهم في عقدهم الأول شهدوا ثلاث حروب طاحنة، الأمر الذي أثر على لغة تخاطبهم مع محيطهم.

الطفل محمد الوادية "9 أعوام" عاصر ثلاثية الحرب على غزة يقول: "احنا عايشين حياة كلها قصف وموت، لهيك كلامنا كله صار صواريخ ورصاص، تعودنا علي هيك حاجات ".

وتشير الأربعينية أم محمد أن كلام طفلها مع أبناء جيله وإخوته، بات بمجمله يتناول مفردات الحرب العسكرية، لتضيف وقد ارتسمت على محياها ابتسامة:" أشعر أن بيتي سينفجر من كثرة ذكر هالكلام هان".

وتستطرد أم محمد في وصف حال الكلام بين أولادها، انه عندما يريد أحدهم ضرب الآخر يقول: " بقوم أقصفك "، أو عندما يريدون اللعب مع بعضهم يعطون إشارات كـ " اقصفوه يا شباب " ، "دكه " m75 "  أو " أرشقه كورنيت ".

قاموس جديد

ابداعات المقاومة الفلسطينية في مطلع ردها على العدوان الإسرائيلي، زادت من " العبارات الحربية" الجديدة التي باتت لغة المتحاورين في غزة، منها ما يتناقل على لسان المدنيين بعيدًا عن الميدان العسكري.

الشاب حسين سعدة أحد مستخدمي تلك المصطلحات يقول:" بتنا نستخدم عبارات المقاومة بكل فخر حتى تكاد تصبح لغة العامة"، مضيفاً:" مقاومتنا أبدعت في صد العدوان وحفظنا اسماء أسلحتهم وعملياتهم وصرنا نرددها"

أبو عبيدة الناطق بإسم كتائب القسام أضحى "أيقونة الكتائب" بخطاباته النارية التي ما فتئ حسين ينتظرها مبديًا إعجابه بها قائلاً:" أبو عبيدة منح الغزيين قاموساً جديدًا يحمل أبجديات المقاومة وفخريات البطولة"

مسافة صفر

الغزيون خلال هذه الفترة نفوا استخدام بعض الكلمات العربية من "سيبويه" ومنحها احتكارًا لغزة ومقاومتها، فلم يعد أحد يقنع أن يشير إلى قرب الشيء عنه بكلمة " اقتراب أو عدم ابتعاد"، التي حلّت بدلًا منها عبارة "مسافة صفر" نسبةً لعملية ناحل عوز البطولية التي اشتبك خلالها أفراد المقاومة الفلسطينية مع أفراد نخبة الاحتلال من "لا مسافة".

هذا وتتوارد عبارات جديدة على مسامع الغزيين تضاف إلى بنية القاموس اللغوي الخاص بغزة وضواحيها حسب توقيت المقاومة

مصطلح " إبرار " يرد لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية ، وهو ما يعني الخروج من البحر إلى البر، إلا أن المقاومة الفلسطينية أبدعت في عملية اقتحام عسكري عبر البحر لقاعدة زيكيم العسكرية ، ليضاف هذا المصطلح نظريًا وعمليًا لتاريخ القضية .

 الاجتماعات العائلية هي الأخرى أيضًا لم يخلو جوها من عبق الكلمات العسكرية، فبدلاً من ان تقدم الضيافة للحاضرين مسبوقةً بكلمة " تفضل" أصبح يقول البعض من باب الفكاهة "تفجر".

خلال فترة العدوان تابع الغزيين اجتماعات " الكابينت " الاسرائيلي وهو الذي يُعني باتخاذ القرارات، ففي غزة أيضًا هناك كابينت ولكن من نوع آخر، فعندما يجتمع الأب والأم لاتخاذ قرار يقول أبناؤهم: " اجتمع الكابينت".

فهذه غزة "المعجزة" تبقى كعادتها تسخر من الموت، وتقسم برأس كل القذائف والصواريخ أن تبتلعهم كلمةً في جحر لسانها، فهي التي بدلت الحرب لغتها كي تبدو أكثر زينة بألفاظها الثورية الجديدة.