شبكة قدس الإخبارية

"حرية الرأي والتعبير" في زنازين الأجهزة الأمنية الفلسطينية

شذى حمّاد

قبل ثمانية أشهر نبش براء القاضي في ملفات التاريخ، ليوثق في مقال له ما يتناقله العديد عما دار مع الشهداء عماد وعادل عوض الله ومحي الدين الشريف في 1998. لم يعلم حينها براء أن مقاله سيثير غضب الأجهزة الأمنية إلى هذا الحد وسيحوله إلى مطارد ومطلوب، ثم معتقلا في سجون الأمن الوقائي.

براء (22) عاما الطالب في كلية الإعلام في جامعة بيرزيت، لم يعد متهما فقط بالمقال، وإنما أضيف بعض المنشورات التي وضعها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي " الفيسبوك"، وفتح ملف تحقيق جديد بخصوص ترأسه نادي كلية الإعلام ، بالرغم أنه انتخب من قبل طلبة الكلية.

المحكمة والنيابة العامة "إجراءات غير قانونية"

المحامي مهند كراجة من مؤسسة الضمير، قال إنه تم توقيف براء يوم الأحد الموافق (14) أيلول لمدة (24) ساعة، ثم نقل للنيابة العامة في اليوم التالي، حيث تم تمديد اعتقاله (24) ساعة أخرى.

وأضاف أنه وبعد استجوابه في النيابة العامة تم تمديد اعتقاله لمدة (15) يوما آخرا وأحيل ملفه للمحكمة، والتي أقرت بتمديد الاعتقال الذي نصت عليه النيابة، وذلك بعد اتهامه "بذم السلطات العامة"، مبينا أنه وكمحاميه طالب بالإفراج عنه بكفالة إلا أن المحكمة رفضت على الرغم من التأكيد للمحكمة أنه صحفي وطالب ومريض.

كما ورفضت المحكمة طلبا آخرا للمحامي بإخلاء سبيله، وأوضح كراجة أنه تمكن من زيارته للمرة الأولى في (22) أيلول، وأبلغه براء أنه خاض إضرابا عن الطعام إلا أنه وضعه الصحي حال دون استمراره.

وعن مدى قانونية إجراءات المحكمة والنيابة العامة بتمديد اعتقال براء، قال إن اعتقال براء يأتي في ظل الاعتقالات السياسية اليومية التي تنفذها السلطة والتي تخترق حرية الرأي والتعبير والانتماء السياسي.

وأضاف، أنه "إذا ثبت اعتقال براء على خلفية المقال الذي نشره بتاريخ 30/1/2014، فسيكون مخالف للقانون الذي ينص على اعتقال المذنب ومحاسبته على ما ارتكبه من جرم خلال ثلاثة شهور".

وبين أن اعتقاله وتمديد توقيفه يخالف قوانين المطبوعات والنشر الفلسطيني وما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يوفر الحماية للصحفيين والقانون الأساسي الفلسطيني الذي يكفل حرية الرأي والتعبير.

ولفت كراجة إلى أن براء يتم احتجازه في سجون الأمن الوقائي وهو غير مخصص له في هذه المرحلة، ويجب نقله إلى سجن التأهيل والإصلاح في بيتونيا.

براء مصاب ومريض قلب

في عام 2010 أصيب براء في صدر برصاصة اخترقت صدره ما ألحق أضرار برئتيه، تسنيم القاضي شقيقة براء تقول: "إن إصابته أثرت عليه فيما بعد حيث يعاني من ضيق بالتنفس وتسارع وعدم انتظام في دقات القلب، لافتة إلى أن براء ينقل بشكل متكرر إلى المشفى كحالة طوارئ".

وبينت أن براء الآن في زنزانة ضيقة ومغلقة ستؤثر عليه وربما تسبب تدهورا في وضعه الصحي، وخاصة أن بحاجة للمشي بشكل مستمر.

وأضافت، "أمي قلقة على صحة براء، وخاصة أننا منعنا ومحاميه من زيارته، حتى (22) أيلول حيث زرناه لمدة سبعة دقائق"، لافتة إلى أن ضابط الفلسطيني ذكر للعائلة أن السماح بالزيارة هو تم بوضع استثنائي.

ورجحت تسنيم أن الاهتمام الإعلامي لعب دورا مهما بالضغط على الأجهزة الأمنية لتسمح للعائلة والمحامي لزيارة براء والاطمئنان على وضعه.

وعن اعتقال براء، قالت تسنيم إن الأجهزة الأمنية اقتحمت منزلهم في مدينة البيرة وقامت باعتقال براء، وكانت قد ارسلت عدة استدعاءات رفض الانصياع لنها، مؤكدة على أن الاستدعاءات سبقت كتابته للمقالة.

وأضافت أن براء كان يرفض الانصياع للاستدعاء على الرغم من تدخل العديد من الشخصيات التي حاولت إقناعه إلا أنه كان يرفض أن يخضع حياته وحريته للرقابة الأمنية، مؤكدة على أن براء شخصية صلبة ومتماسكة وعنيدة، يرفض الخضوع لترهيب الأجهزة الأمنية أو التوقيع على أي تعهد أو تنازل.

عائلة براء كانت قد اعتادت على ما يتعرض لها أفرادها من اعتقالات من قبل الاحتلال، إلا أن اعتقال براء من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية كان المفاجئ، وتقول القاضي، "تقبل الموضوع صعب، فهو محتمل من الاحتلال ولكن مرفوض من الأجهزة الأمنية".

زملاء براء تحت الرقابة الأمنية

من جهة أخرى مزق مجهولون يافطات تضامنية مع براء في كلية الإعلام – جامعة بيرزيت، في اليوم التالي لتنظيم نادي الكلية وقفة تضامنية طالبت بوقف الاعتقال السياسي والإفراج عن براء في (17) أيلول، والذي تغيبت عنه الحركات الطلابية في الجامعة.

إحدى المنظمات للوقفة والتي تحفظت عن ذكر اسمها تحسبا من الملاحقة الأمنية، قالت إن "الطلبة المشاركين رفعوا يافاطات خط عليها "الحرية لبراء القاضي"، "لا للاعتقال السياسي"، "ويا طالب يا ضحية أطلع شارك بالقضية، "مسرحية مسرحية والعصابة هي هي"، وهي شعارات أثارت تحفظ بعض الأكاديميين في الجامعة، الذين رفضوا أن يرفع هذه الشعارات طلبة الإعلام.

وأضافت أن أحد الأساتذة وبخها في المحاضرة على الشعارات التي رفعت، وقال،" يبدو أننا سنعتصم لك كما اعتصمنا لبراء"، وفي اليوم التالي سألها،" الأمن الوقائي لم يعتقلك حتى الآن؟"، وعلقت،" عندما أجبت بالرفض، قال لي "إنه يريد إخافتي".

"تعال أشرب عنا فنجان قهوة" دعوة غير رسمية وغير مباشرة تلقاها طالبين آخرين من كلية الإعلام بعد تنظيم الوقفة، من شخصيات في الأجهزة الأمنية، أحدهما الطالب عمر الخطيب والذي تعرض للاستدعاء قبل عامين، وآخر تحفظ على ذكر اسمه.

عمر وهو أحد أصدقاء براء المقربين، قال إن "عددا من الأساتذة والطلبة كانوا متحفظين على استلام براء رئاسة نادي الإعلام، على الرغم أن النادي قام بعدد من الفعاليات كالتضامن مع الأسرى المضربين وتفعيل التضامن مع مخيم اليرموك وعقد التدريبات والندوات لطلبة الكلية".

وأكد على أن براء كان ملاحقا أيضا داخل حرم الجامعة، ففي إحدى المواقف نقل الطلبة للبراء عن تواجد عدد من الاجهزة الأمنية على مدخل الجامعة والتي كانت تنتظر خروجه لتعتقله، مبينا أن براء حينها رفض الخروج وأنتظر حتى رحيلهم، "براء ذو شخصية عنيدة ومتحدية، ولم يكن يقبل التنازل عن حقه أبدا".

فادي الكاشف صديق براء، بين أن الأجهزة الأمنية فضت وقفة تضامنية بالقرب من مبنى الامن الوقائي في رام الله يوم الخميس الموافق (18) أيلول، وجهت خلالها تهديدات بالملاحقة والاعتقال للمشاركين.

وأكد على أن صديقه براء كان قد تعرض لمضايقات واستدعاءات عديدة من الأجهزة الأمنية انتهت باعتقاله وهو الذي كان يتوقعه، لافتا إلى أن وجوده كرئيس لنادي الإعلام عرضه أيضا لمضايقات عديدة داخل حرم الجامعة.

براء من المتوقع تخرجه هذا العام، إلا أنه لم يبدأ عامه الدراسي بعد مع زملائه فاعتقاله كان متزامنا مع انطلاقه، فادي الذي كان يأمل أن لا يتجاوز الاعتقال أيام قليلة، قام بحجز المقعد الدراسي لصديقه وتسجيله بما بقي عليه من مساقات دراسية، متأملا أن يفرج عن صديقه ويعود لاستكمال دراسته ورئاسة نادي الإعلام.

الإفراج بكفالة مالية

وبعد 10 أيام من الاحتجاز، أفرج جهاز الأمن الوقائي عن الناشط القاضي بكفالة شخصية مالية قيمتها 5 آلاف دينار أردني، بعد اتهامه "بذم السلطة الفلسطينية.

وأشار القاضي إلى أن احتجازه استمر لعشرة أيام لدى الأمن الوقائي بتهمة "ذم السلطة العامة"، إلا أن التحقيق معه تركز حول مقاله الذي كتبه بعنوان "عادل وعماد عوض الله.. قصة نخاف سردها"، وكذلك عن توليه لرئاسة نادي الإعلام في جامعة بيرزيت ومن الجهة التي تدعمه.

وأكد القاضي نه لم يتعرض لأية إهانات نفسية أو جسدية خلال فترة اعتقاله، مشيرا إلى أن موعد المحكمة تقرر في 25/11/2014.