شبكة قدس الإخبارية

صبرا وشاتيلا.. هل سيتم محاكمة المجرمين؟

شذى حمّاد

أين وصلت سير الإجراءات القانونية المتعلقة بمحاسبة المتهمين بارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا؟ ما النتائج التي ترتبت على رفع القضية بعدد من المحاكم؟ وما المتوقع أن ينتج عن المحاكم الدولية؟ هل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير تقومان بدورهما بمتابعة القضية؟ أم طواها الزمان كمان طوى عشرات القضايا التي رفعت ضد قادة الاحتلال؟ وكم يؤثر التأخر بالانضمام لمحاكم الجنايات الدولية على محاسبة الاحتلال على ما ارتكبه من جرائم؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير تراود الأذهان في الذكرى الـ (32) على ارتكاب جيش الاحتلال بالتعاون مع حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي مجزرة صبرا وشاتيلا والتي استمرت ثلاثة أيام بعيدا عن عدسات الإعلام، نتج عنها ما يقارب أربعة آلاف شهيدا.

بعد شهرين من ارتكاب المجزرة، شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة تحقيق خاصة، ترأسها رئيس المحكمة العليا إسحاق كاهـن، أكدت اللجنة عام 1983 على أن وزير جيش الاحتلال في حينها آرائيل شارون يتحمل المسؤولية المباشرة اتجاه مجزرة صبرا وشاتيلا، إلا أن شارون رفض الانصياع لقرار اللجنة، واستقال من منصبه بضغوط سياسية ودولية، ليصبح بعدها منصب عضو مجلس وزارء ثم رئيس وزارة، ويستمر في ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني.

محاولات لم تنجح

بعد (19) عاما على ارتكاب المجزرة، تقدم فريق الادعاء المؤلف من البروفسور شبلي وجدي ملاط والمحامي البلجيكي مايكل فيرهاغي وزميله لوك والين بوكالتهم عن أكثر من 20 مدنياً من ضحايا المذبحة شكوى للقضاء البلجيكي، مستندة الى اتهامات في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية على رئيس وزراء اسرائيل الأسبق "آريئيل شارون"، لمقاضاته فيها وفقا للقانون البلجيكي الذي صدر عام 1999 الذي يتيح للمحاكم صلاحية عالمية في شأن جرائم الحرب والابادة والجرائم ضد الانسانية التي حصلت ومهما كانت جنسية الضحايا والمتهمين أو أماكن اقامتهم.

إلا أنه وحتى الآن، لم يصدر قرار رسمي عن أي من المحاكم الدولية بما فيها المحكمة البلجيكية، التي ما زالت تنتظر دخول القادة الإسرائيليين المتهمين في ارتكاب جرائم حرب التي رفعت ضدهم في إحدى الدول الغربية لتستطيع اعتقالهم وتقديمهم للقضاء ومحاكمتهم.

الأمين العام لجبهة النضال الفلسطيني أحمد مجدلاني بين أن (150) عائلة من عوائل شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا رفعت قضايا ضد قادة الاحتلال وحكومته في محاكم دولية عبر محامين دوليين، وبرعاية عدد من المؤسسات الحقوقية، بالاستناد على التحقيق الإسرائيلي والتحقيقات الدولية التي انجزت على ضوء المجزرة للبحث في حيثياتها.مشيرا إلى أنه ما زال يوجد تفاعل في المحاكم مع القضايا.

وأكد على أن الرعاية والدعم القانونية يتم بإشراف من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، حيث لم يتم رفع القضايا بخيار فردي بل كان مدعوما بخيار سياسي، "كان معلوم أن الأمر ليس بهذه البسطة، فلم يكن هناك محكمة الجنايات الدولية أو نظام روما، وما اعتمد حينها هي القوانين الوطنية في بعض الدول الغربية".

وأوضح أن سير الإجراءات القانونية في النظر في مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالت تعتمد على القوانين القديمة، ولا يطبق عليها المواثيق والقوانين الدولية التي صدرت بعد ما ارتكبه الاحتلال في المخيمين، وخاصة أنها لا يتم أثرها بشكل رجعي على حد قوله.

وأشار إلى أن ما نتج عن هذه المحاكم حتى الآن، هو احتمال تعرض القادة الاسرائيليين المتهمين في تلك الجرائم للاعتقال إذا دخلوا إحدى الدول التي رفع فيها قضايا ضدهم.

مسؤول الملف يتحدث

المسؤول السابق عن ملف اللاجئين في لبنان لمدة (27) عاما وعضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير سلطان أبو العنين، قال "إن قادة الاحتلال المتهمين بارتكاب مجزرة شاتيلا وجرائم أخرى ضد الشعب الفلسطيني لا يجرؤون على دخول الدول التي رفع فيها تلك الدعاوي، حيث أنهما معرضين للاعتقال والمحاكمة فيها".

وأضاف أبو العنين، "نحن على أعتاب الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، ومع نهاية العام سنكون أعضاء فيها، سنستطيع ملاحقة الاحتلال ومحاسبته على ما ارتكبه بحقنا، وخاصة أن كافة جرائمه لا تسقط بالتقادم".

وأوضح أنه منذ ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا تم المطالبة من كافة الدول لرفع دعاوى في محاكمها ضد قادة الاحتلال المتهمين في ارتكابها، "نحن نحتفظ في حقنا، ولن نسقط هذه القضية من حساباتنا السياسية والقضائية"، مبينا أنه سيتم أخذ التحقيقات والوثائق التي تحتفظ بها المحاكم الدولية عن مجزرة صبرا وشاتيلا وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية بعد الانضمام إليها.

وأكد على أن عشرات القضايا المتعلقة في مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالت في المحاكم الدولية، سواء التي قدمت بشكل فردي أو باسم فلسطين، لافتا إلى أنه يوجد لجان قانونية متخصصة ومتقررة في منظمة التحرير لمتابعة القضية باعتبارها "قضية مهمة ومركزية" على حد قوله.

وفي اتصال سابق مع لجنة العلاقات العامة في المنظمة، أكدت على أنه لا يوجد لجان قانونية في منظمة التحرير، كما لا يوجد متابعات لمجزرة صبرا وشاتيلا ولا يوجد مستجدات جديدة متعلقة بها يمكن الحديث بها مع الصحافة.

أساليب متعددة لمحاكمة المنفذين

الباحث القانوني في مؤسسة الحق تحسين عليان، بين أنه في السابق رفع قضية ضد آرائيل شارون في المحاكم البلجيكية والتي ردت القضية فيما بعد،" يوجد الآن متابعات لما جرى، ولكن لا يوجد قضايا في محاكم بخصوص مجزرة صبرا وشاتيلا إلا إذا كان يوجد قضايا سرية لا نعلم بها".

وأوضح عليان أن عددا من مؤسسات والشخصيات الفلسطينية تضغط على السلطة الفلسطينية للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية والمصادقة على نظام روما، لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم، ولكن قد تواجه فلسطين بعض التحديات المتعلقة بالاختصاص الزمني للمحكمة، حيث أن هذه المحكمة لا تنظر في الجرائم التي ارتكبت قبل دخول نظامها حيز النفاذ عام 2002.

بالإضافة لذلك، فقد لا تنظر المحكمة في الجرائم التي وقعت على الإقليم الفلسطيني قبل منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012 ، ذلك أن عضوية المحكمة مفتوحة للدول، ولم يكن وضع فلسطين القانوني واضحا قبل ذلك، على الأقل بالنسبة للمحكمة.

وأضاف أنه يمكن اتباع آليات أخرى لمحاكمة الاحتلال على جرائمه السابقة، وخاصة أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ومن هذه الآليات "الولاية القضائية الدولية" والتي تمكن الدول بموجبها من محاسبة أفراد ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب قانونها الوطني، بغض النظر عن جنسية مرتكب الجريمة، والضحية والإقليم الذي وقعت عليه الجريمة. ويمكن للدول بموجب هذا المبدأ محاسبة مجرمين رفعت قضايا ضدهم في حال دخلوا إقليمها.

وبين أن الفلسطينيين والمؤسسات الفلسطينية حاولت اتباع هذا التوجه ورفعت قضايا ضد مسؤولين اسرائيليين إلا أن ذلك لم يكن له نجاح واضح، وكان له نجاح معنوي فقط،" من بين المتهمين الذين تم ملاحقتهم بإتباع هذه الآلية وزيرة خارجية "إسرائيل" تسبي لفني، والجنرال درون ألمج.

أما الآلية الثانية، فبين عليان أنه يتم النظر في الجرائم المرتكبة في الأقليم المحتل، استنادا لجنسية الجناة، حيث يمكن محاسبة الجناة إذا كانوا يحملون جنسية دولة أخرى بالإضافة للجنسية الإسرائيلية، ويكون ذلك برفع قضايا ضدهم أمام محاكم الدول التي يحملون جنسيتها.

مرتكبو مجزرة صبرا وشاتيلا لم يتعرضوا للمحاكمة حتى الآن، ولم ينصاعوا للمحاكم الدولية التي ما زالت بانتظار دخولهم حدود دولتهم لتستطيع اعتقالهم وعرضهم للقضاء، والسؤال المطروح، كم سيلزم المجتمع الدولي من الوقت ليعترف بإجرام الاحتلال ومحاكمته على إجرامه؟.